هل هي بداية التراجع عن الديمقراطية ؟

mainThumb

19-02-2009 12:00 AM

عندما اتخذ الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز ، موقفه المشرف من قضية العدوان الاسرائيلي على غزة ، خلال الشهرين الماضيين ، بطرده السفير الاسرائيلي من كاراكاس ، كخطوة عملية مرافقة للتنديد بالعدوان ، فرحت تيارات سياسية في الشارع العربي لهذا الموقف ، الذي لم يقابله موقف عربي مماثل من قبل الدول العربية ، وبخاصة التي تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل ، لانهم وجدوا في ذلك تاكيدا على احقية مطالباتهم لتلك الدول العربية ، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل ، رغم انهم لم ينبسوا ببنت شفة ، حول العلاقات غير الدبلوماسية ، التي تقيمها دول عربية اخرى مع الدولة العبرية ، بسبب تحالفها مع هذه التيارات .

لقد اصبح شافيز رمزا في الشارع العربي ، رغم ان هذا الموقف من دولة غير عربية ، رآه البعض مبالغا فيه ، او انه جاء منسجما مع حالة العداء بينه وبين امريكا ، داعمة اسرائيل الأولى ، اكثر من كونه موقفا مؤيدا للعرب ، انطلاقا من مبدأ " عدو عدوي صديقي " ، والجميع يعرف علاقة العداء المستفحلة ، بين شافيز والولايات المتحدة .

لقد شعرت كما شعر الكثيرون ، ببعض خيبة الأمل ، بعد اعلان شافيز عن رغبته ، بالترشح لمنصب الرئاسة لفترات مفتوحة ، وليس للمرة الثالثة فقط ، كما فعل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مثلا ، رغم ان هذا الامر تم بطريقة ديمقراطية ، وعبر استفتاء نزيه وشفاف ، هذا ما قاله العالم ، وهذا ما احسست بصدقه ، من خلال ما رأيته في الصحافة الالكترونية ، من صور لافراد من المعارضة ، يبكون لفوز شافيز بهذا الاقتراح ، ولا شك ان الصور تعبر عن ديمقراطية حقيقية ، والا لما كان اصحابها قد جاهروا بحزنهم ، كما ان امرا اخر يؤكد النزاهة ، وهو ان الاقتراح فاز بنسبة 54% ، وليس بنسبة ال 99.99% العربية ، التي قفزت قبل سنوات ، في ظل احد الانظمة العربية الديمقراطية جدا ، الى مئة بالمئة ، وكم نتمنى لو يمارس حكامنا ، الذين يلبسون ثوب الديمقراطية ، ويتظاهرون بعشق تناوب السلطة ، وهم في الديكتاتورية راغبون ، ان يمارسوا التزوير العكسي للهبوط الى نسبة شافيز ، على الاقل حتى تمحى النسب السابقة من ذاكرتنا .

رغم انني في النهاية ، خلصت الى الاعتقاد ، انه لا ضرر ولا ضرار ، مما قام به الرئيس الفنزويلي ، ما دام هناك استفتاءات وانتخابات نزيهة ، يمكن خلالها ان يخسر النتيجة ، لصالح منافس اخر في احدى الدورات القادمة ، ولا مانع ان يعود مرة اخرى بعد الخسارة ، المهم ان يكون هناك ديمقراطية حقيقية ، ربما المخيب للأمل فقط ، هو الاحساس بان الزعيم الذي يرغب بتكرار الحكم ، لديه رغبة دفينة بالانقضاض على الديمقراطية ، لا يجرؤ حاليا على البوح بها ، او ينوي التحول الى مشروع ديكتاتور ، فيتصور ان لا حياة لبلاده الا بوجوده على رأسها ، وقد يتطور هذا المسار مستقبلا ، ليرشح نفسه رئيسا للابد ، ومن خلال الانتخابات ايضا ، وعندها تتبدل المعادلة حتما .

رغم خيبة الامل من تراجع الديمقراطية في دول العالم الثالث ، او من وجود النوايا المبيتة للانقضاض عليها وتشويهها ، من خلال تعديل الدساتير لتتناسب مع اهواء الحاكم وطموحاته ، ورغم ان خيبة الامل من مستقبل الديمقراطية في الوطن العربي هي الاكبر ، الا ان لدي قناعة مغايرة ، منسجمة مع مبدأ "مثلما تكونوا يولًى عليكم" .

ان بناء الديمقراطية يجب ان يبدأ من قاعدة الهرم ، من الشعب نفسه ، واخص هنا الشعب العربي في مختلف اقطار العروبة ، ان العلة ما زالت لدى شعبنا العربي ، الذي لا يمارس الديمقراطية بالشكل الصحيح ، ينتخب عشائريا ومناطقيا وطائفيا ، وليس برامجا انتخابية ، واكبر دليل على ذلك ، الانتخابات النيابية ، وانتخابات مختلف مؤسسات المجتمع المدني ، فهل سيتخلى شعبنا عن هذه السلبيات ، عندما ينتخب رأس الدولة ؟ الجواب حتما لا ، فمن المؤكد ان نفس المعايير اللاديمقراطية ، سوف تحكم ممارسته الديمقراطية الاهم ، فكم من زعيم عربي تاريخي ، ما كان سيكتب له النجاح في انتخابات حرة ، لأن من يمارسونها لا يمتلكون الوعي السياسي ، الذي يؤهلهم لممارستها بالشكل الصحيح .

ان الاولوية هي لنشر ثقافة الديمقراطية ، وبناء قاعدة شعبية تؤمن بها ، والعمل على تعميق الوعي السياسي ، واجتثاث فيروسات الاقليمية والطائفية وغيرها ، وبناء الدولة المدنية الحديثة ، التي لا تفرق بين مواطنيها على أي اساس كان ، كما تنص على ذلك ، الدساتير العربية غير المفعلة دائما ، اما من سيقول ان القمة يجب ان تكون قدوة للقاعدة ، فنقول لهم ، هل تخلي عبدالرحمن سوار الذهب عن السلطة في السودان طوعا ، افاد في بناء القاعدة الديمقراطية هناك ؟ وما هو تفسير انقلاب العسكر ، على رئيس موريتانيا المنتخب ديمقراطيا ؟


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد