الأم النموذج والمثال

mainThumb

06-02-2010 12:00 AM

د.حسن فالح البكور

عقود خمسة طُوِي?Zتْ ،ذاق فيها حلاوات الحياة ومراراتها ، كان مُد?Zللاٌ لو اشتهى لبن العصفور ش?Zرِب?Zه ، ولو أومأ بعينيه أو أشار بإصبعه إلى مالا يتوافر لدى اقرأنه لجأ به إليه ، كان شغوفا بهندامه الجميل منذ الصغر, يتبختر به مباهاة في الشارع والمدرسة ,وزملاؤه يرمقونه بالحقد والحسد ، كان حاد المزاج عصبي الفطرة ، لكنه طيب القلب ، فإذا رأى مشهد حزن ، بكى دما ، وتفجّ?Zرت أعماقه من الألم ، كما لو كان هو من اكتوى بالنار ، والقريب والبعيد يشرِّحونه اربا اربا, ويقذفونه اربا بأسوأ العبارات وقد أكلوا في بيته أشهى المأكولات وألذ الطعام والشراب التي كانت تصنعها والدته التي رماها الزمان في أحضان الطبيعة, تلتمس من بركاتها وخيراتها ما تحصِّن به ابنها من أذى الناس ومنِّهم .

نعم رحل والد ذلك الطفل المدلّ?Zل الصغير ولم يتجاوز الثلاثة أعوام ، كف?Zِلته أمه وأخذت على كاهلها مسؤولية التربية والتعليم وتوفير متطلبات الحياة ، وشقّ?Zت طريقها في الحياة تتحدى ظلم القريب قبل البعيد ، فنحتت من الصوّ?Zان والحجارة ورمل النهر ونبات ( البلاّ?Zن ) ومياه الينابيع بيتا, يلمُّ شمل بقايا العائلة ، فجعلت من الحُجْرة الواحدة المتواضعة مناما ومطبخا ومصلى وحديقة ومدرسة ، كأنها فندق من خمسة نجوم ، نعم إنها مثال الأمهات اللواتي آثرن طريق الشقاء ومسالك الجبال على دروب المتعة والسعادة التي شرعها لها الإسلام ، كان طفلها الصغير _ فيما بعد _ لنا يقول : كانت أُمّي واثقة من انه سيكون في قابل الأيام صالحا يدعو لي بعد الممات ، نعم إنها النموذج الذي يُحتذى في التربية والإيثار ، وتدور عجلة الأيام وتلحق الأم بالرفيق الأعلى بعد أن أنجزت مهمة التربية والتعليم ,فقد تزوّ?Zج الابن وأنجب البنين والبنات ،

رُحْم?Zاك أيتها الأم الماجدة ,يا من كنت وستظلين فارسة الأمس واليوم , فالتاريخ لن ينساك , صحيح أنك غبت بجسدك عن مسرح الأحداث , ولكنك تعيشين اليوم وغدا في ضمائر الآباء والأمهات, الذين كلما رأوا ذلك الشاب النبيل الذي وصل إلى أرقى الدرجات العلمية قالوا لأبنائهم:هذا من غراس أرملة, فارقها الزوج وكانت في الثلاثين من العمر , فوقفت على مفترق طرق , واختارت الابن على رفيق الدرب, فدفعت ضريبة المتاع ثمنا لمهجة القلب, فقررت دون تردُّد أن تكمل المشوار مع فلذة الكبد , فحيُّاك الله أيتها الأم ,وسقاك من شآبيب رحمته , وجعل جنان الخلد مأواك.

تعالُي أيتها الأم الفاضلة وانظري اليوم لا إلى الأمهات اللواتي فقدنً الأزواج , بل إلى الأمهات اللواتي ما زلنا مع الأزواج على قيد الحياة , فلو رأت عيناك آثار تربية الآباء والأمهات في عصر تكنولوجيا العلم والمعلوماتية ـ إلا من رحم الله ربّ الأرض والسموات ـ ل?Zح?Zدّ?Zث?Zتكِ نفسُك بأن بطن الأرض خير من ظاهرها ,لما تُرتكب على ظهرها من فواحش الأقوال والأفعال , وسترين بأم عينيك بعضا من أخواتك الأمهات, يتخرّ?Zجْن من مدارس: جيناري, وهيلاري ,وميلاري, وكيناري, وبانغ ,وشانغ ,ويانغ, وما إلى ذلك من مسميات , ما عرفناها من قديم الزمان ,وسأراك تتشاءمين وستقولين : وهل سنجني من الشوك العنب ؟ نعم أيتها الأم الفاضلة : إننا اليوم تلف?Zحُن?Zا ثمار التربية غير السوية بلهيبها الذي يحرق الأخضر واليابس , فتفرّ?Zقت بنا السبل ,وضاقت بنا الأرض بأولئك النفر الذين تفوّ?Zقوا بشهادات امتياز من تلك المدارس سيئة الذِّكر , لقد أهانوا أنفسهم وأبناء جلدتهم فجلدوا ذواتهم أولا والوطن الذي يضمُّهم بسياط الجور والظلم والعدوان .

نعم أيتها الأم الماجدة ,فأنت غرستِ الفسائل فحصدنا سنابل الخير , ونسجتِ من عزيمتك القوية وإرادتك الصلبة خيوط الأمل والعمل, فجنينا عباءات المجد والكرامة والتضحية والفداء .نعم أبحرت في ملكوت الكون وغُصْتِ في الأعماق , فتدثّ?Zرنا بسببك كوفيات الصبر والتواضع , ورايات الانتماء لثرى الأوطان , نعم د?Zر?Zسْتِ في مدارس أمهات المؤمنين, فكان الشباب الأتقياء الأنقياء مرآة تعكس تقوى السريرة وسموّ الروح والأخلاق .

وانتُنّ?Z أمهات اليوم أخال?Zكُنّ?Z صورة من شقيقتك الراحلة , إلا من آثرت منهج اللامنتمية واللامبالية , فكان نتاجها شوكا وحنظلا , وسرابا وأوهاما , وأطلالا خرابا , وكان الثمر غصنا يتساقط قبل الأوان, ليكون سببا في تلوث الكون بمخلّ?Zفاتٍ من رماد الفرقة والقطعية واهانة الثرى الذي ضمه بين الجوانح , فيا أيتها الأمهات في كل زمان ومكان: عليكن بالأبناء , فهم أمل المستقبل وقادته, فإن أحسنتن التربية, كان الوطن بنعمة وخير , وعاشت الأجيال بالأمن والطمأنينة والأمان , فأنتن السلاح النابض بالكرامة والعز والمجد والأنفة والكبرياء والشموخ والإيمان , فلا تفرِّطن بهذه الأمانة وستُسألن يوم القيامة عن الأعمال .

رعاك الله أيتها الأمهات الماجدات, وجعلكن شجرة التربية والأخلاق, ليتفيأ بظلالها الأبناء من هجير الظلم والضياع والتيه في سراب الحياة , عشت?Z يا وطني مرفوع الجبين, وأبناؤك من حولك أغصان ممّ?Zن تربّ?Zى في أحضان الأمهات المنتميات إلى شريعة المصطفى صلّ?Zت عليه ملائكة السماء , تستظل بهم من عاديات الزمان.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد