تحصين الجبهة الداخلية .. بالديمقراطية

mainThumb

27-03-2009 01:00 AM

تحصين الجبهة الداخلية ... بالديمقراطية قضية مذكرة التوقيف التي اصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ، بحق الرئيس السوداني عمر البشير ، اثارت الكثير من الجدل في العالم العربي ، وكان الانطباع المسيطر شعبيا ، ومن قوى الرفض الشعبي للهيمنة الغربية على العالم العربي ، هو رفض المذكرة ، باعتبارها خطوة على طريق اذلال السودان كبلد عربي ، يبدو ظاهريا رافضا للهيمنة الغربية ، سوف يتبعها خطوات اخرى لتطويعه واذلاله ، وربما تبرير الاحتلال العسكري ، واستنساخ التجربة العراقية .

ابرز المبررات التي يرفعها الرافضون لمذكرة التوقيف ، هو الانتقائية التي تمارسها المحكمة الدولية ، خاصة فيما يتعلق بالجرائم الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ، والتي ما زالت مستمرة ، واخرها حرب الابادة الواضحة المعالم ، ضد قطاع غزة ، والتي اتضح فيها للقاصي قبل الداني ، من خلال الاسلحة المستخدمة ، ومن خلال الاهداف التي ضربت ، ومن خلال الضحايا الذين سقطوا ، انها لم تكن ردا على صواريخ بدائية ، كانت تطلق على المستوطنات الاسرائيلة في القطاع ، والتي كانت في احسن احوال الدقة في التوجيه ، تصيب شخصا هنا ، ونادرا ما كانت تقتل شخصا هناك ، وبالتالي فان رد الفعل لم يكن بمستوى الفعل ، بل كانت حرب ابادة حقيقية ، كشر فيها قادة العدو الصهيوني عن انيابهم ، وحقيقة السلام الذي يتشدقون به . كما يبرر الرافضون العرب لمذكرة التوقيف ، رغم ان منهم الكثير من دعاة الديمقراطية ، ويجاهرون بعدائهم لنظام السودان ومن ماثله ، يبررون رفضهم لها بالسكوت عن جرائم امريكا ضد الشعب العراقي ، وما آل اليه الوضع في العراق بعد الغزو الامريكي ، من انتعاش للطائفية ، وقتل على الهوية ، وتدمير لمكونات العراق ، مما زاد في معاناة الشعب العراقي ، ونقله الى وضع اسوأ بكثير ، مما كان عليه ابان العهد السابق .

كل هذا صحيح ، فالمحكمة الجنائية الدولية ، لم تقترب من الاسرائيليين والامريكيين ، لكن ماذا فعلنا نحن العرب بهذا الاتجاه ، هل تقدمت أي دولة عربية او هيئة حقوقية ، او أي طرف لديه الامكانية للنهوض بهذه القضية ، بأي خطوة بهذا الاتجاه ، لقد سمعنا الكثير من التصريحات اثناء الغزو وبعده مباشرة ، تتعهد بملاحقة قادة الحرب الاسرائليين والامريكيين من خلال القضاء الدولي ، فلماذا تلاشى ذاك الحماس ، واين وصلت الجهود بهذا المجال ، ولماذا لا تربط الدول العربية تعاونها مع المحكمة الجنائية الدولية بخصوص قضية البشير ، بخطوة مشابهة ضد الاسرائيليين ، من الواضح ان هناك تقاعسا عربيا بهذا الخصوص ، والاكتفاء بالرفض لمذكرة التوقيف ، فقط لان البشير رئيس عربي ما زال على رأس السلطة ، وان في هذا استهداف للسودان ، وفيه تصعيد للاحتراب الداخلي ، او مجاملة للرفض الشعبي ، او خوف انظمة مشابهة لحالة السودان من مصير مماثل .

اما غير الرافضين للمذكرة ، ومنهم عربا وسودانيين ، والذين لا يستطيع الكثير منهم المجاهرة بقناعاته ، بسبب الارهاب الفكري والتهم المعلبة الجاهزة ، فان لهم منطقهم المغاير ، فقد حدثت مجازر بشعة في دارفور ، قتل فيها 300 الف شخص ، تقول الحكومة السودانية انهم عشرة الاف فقط ، وكأن هولاء العشرة الاف ليسوا بذي شأن ، فهم اكثر بكثير ممن قتلوا في مجازر اخرى وفي امكنة اخرى ، كما هجر اكثر من مليوني سوداني في دارفور اماكن سكنهم ، وتعرضوا للتنكيل والتعذيب وهم احياء ، ويعيشون مجاعة تقتل العديد منهم ، دون ان يضافوا الى قائمة ضحايا الابادة ، علما ان الجلادين والضحايا هم مواطنين سودانيين مسلمين ، وهذا قد يساعد في نفي التحيز الغربي ضد المسلمين ، لصالح اطراف اخري غير مسلمة ، كما اعتدنا دائما الصراخ والعويل من مثل هذا التحيز ، ويلزم التذكير في هذا المجال ، بما حدث في يوغسلافيا السابقة ، من تدخل عسكري لقوات خلف الاطلسي ، وقصف صربيا لاسابيع عدة ، وتجزئة هذا البلد الى دويلات ، وملاحقة ومحاكمة رؤسائها وقادة اخرين غير مسلمين ، بتهمة الابادة الجماعية ضد المسلمين ، وهذا تاكيد اخر على عدم انحياز المحكمة ضد المسلمين ، اضافة الى امثلة حدثت في دول اخرى ، مثل ليبيريا ورواندا وكمبوديا .

كما يعزز المؤيدون للمذكرة موقفهم ، بافتقاد السودان للديمقراطية ، فالرئيس البشير يقود حكما عسكريا منذ عشرين عاما ، بعد انقلاب عسكري اطاح فيه بالديمقراطية ، التي كان يقودها الرئيس المهدي ، ثم انقلب على شركاءه في الانقلاب ، مثل الدكتور حسن الترابي ، الذي اودعه السجن اكثر من مرة ، وهو حاليا من مؤيدي قرار المحكمة الجنائية الدولية ، وبالتالي فان القول ، ان البشير يمتلك حصانة الرؤساء ، هو حجة ضعيفة بغياب الديمقراطية وتناوب السلطة ، بل ان هذا القرار ، هو اكبر عون يقدم لعشاق الديمقراطية ، للتخلص من الديكتاتورية والاستبداد ، وها هي امريكا التي لم توقع على اتفاقية روما ، تنفي أي نية لها في المساهمة باعتقال البشير ، فالقضية لا تعنيها ، وقد سحبت بذلك البساط من تحت اقدام الرافضين .

بغض النظر عن الرافضين والمؤيدين لمذكرة اعتقال البشير ، ومبررات كل منهم ، فان كل ذلك ما كان ليحدث ، ولما حدث في العراق ما حدث ، لو كان هناك ديمقراطية حقيقية ، وتناوب حقيقي للسلطة ، وعدم قمع لمعارضة ، تجد في مذكرة التوقيف ، او التدخل الخارجي متنفسا لها ، اما حشد الناس في الشوارع ، ورفع العصا لتحيتهم ، والرقص بثياب فلكلورية في دارفور ، فهذه مظاهر يعرف حقيقتها الشعب العربي في مختلف اقطاره .m_nasrawin@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد