كرامة الإنسان،،،رسالة إلى كل من حاول الانتحار

mainThumb

08-06-2010 07:00 AM


         بداية لا يسعني إلا أن أهنئك على فشل محاولتك وخيبة مسعاك وضياع مبتغاك، وأحمد الله أن منحك حياة مديدة وفرصة جديدة حتى تراجع أوراقك وتعيد حساباتك، فوالله لو علمت أي مشرب كنت سترده بعد أن تزهق نفسك بيدك لسجدت لله شكرا ولحمدته دهرا، فما بالك إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت تسعى إلى ضيقٍ في بيت الغربة ودارالوحشة ومرتع الدود، وما شأنك وقد تكالبت عليك الهموم تبتغي حسرةً لا تنقطع وعذابا مؤبداً في نار السموم، أتظن أنّ في الموت راحة، أو أنّ في القبر سياحة، لقد أخطأت التقدير، فأنت لم تمنح نفسك الحياة حتى تسلبها، ولم تنفخ في جسدك الروح حتى تزهقها، إنما أنت ملكٌ لله وإليه لا بد راجع، ومؤتمن على حياتك مأمور بالحفاظ عليها حتى آخر رمق.

 

          اعلم أخي أنه لن يشفع لك تعرضك للأزمات ومساوئ الابتلاءات في أن تؤذي نفسك أو تزهق روحك، فكل الحوادث تجري بقدر مقدور وهي عند الله في حساب لا يضلّ ولا يشقى، فيد الله تعمل في الخفاء، وحكمته تتجلى في أحكامه على الناس وتصرفاته وأفعاله في الكون وبقضائه وقدره لم فيه تحقيق الخير والمصلحة والتي تكمل بوضع كل شيء حادث في الكون في مكان لا يصلح أن يوجد في مكان سواه، فلا تحسبن ما تكره شرا أراده الله بك، حاشاه بل خير أريد بك لا تعلمه (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة216 ، فليس لك من أمرك سوى الرضا التام بأمر الله في مقدمته الظاهرة لعيانك، والإيمان بان نتيجة هذا الأمر هي في مصلحتك يقينا، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط ولن يبدل الله أمرا كان مفعولا {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }الأنعام18 ، فعليك بالإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره حتى يكتمل إيمانك ومن ثم تطمئن وترضى وتسعد في حياتك الدنيا .

 

     لا تظن للحظة واحدة أنني أكلمك من سعة الحياة ووسع العيش، ولن أوهمك أن الدنيا حلوة في مذاقها جميلة بمعطياتها، فهي دار ابتلاء لا دار بقاء، ولن تجد فيها أبدا إنسان تخلو حياته من الهموم والمنغصات إلا أن يكون مجنونا غير مدرك، ولكن فيها جنة الرضا من لم يدخلها فلن يدخل جنة الآخرة، ولا بد كمقدمة إلى الدخول في بساتين الرضا من أن تعرف قيمة نفسك وإنسانيتك التي تتجلى  في مكرمة فضل وإنعام كتبها ربنا على نفسه وخص بها آدم وبنيه، فوهبهم جائزة جزيلة ومكرمة نبيلة يحق لك أن تزهو بها وتفخر، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً{70} )الإسراء، فما بالك وقد خصك ربك من بين المخلوقين العقلاء بهذه الجائزة، فلم يحز عليها لا الجن المكلفين ولا الملائكة العظام، انه تكريم ذو طعم خاص يجب علينا أن نحسن تذوقه وكأن رب العزة يخاطب كل واحد فينا بقوله كن من بني آدم ولك مني التكريم .

 

         فلتعلم أن رب العزة قد اختارك لتكون خليفة له في الأرض، تعمرها بعبادته وتحيى فيها حياة طيبة لتكون لك طريقا إلى السعادة في الحياة الأبدية، وما كان تكليفك من الله سوى كرامة كبرى وفضل عظيم، فهو الغني عن وجودك المتنزه عن الحاجة إليك، فلا ينفعه وجودك ولا يضره فناءك، ولا يضيره لو خلقك فردا من امة من ألاف الأمم الأخرى المسخرة في الكون دون أن يميزها بعقل ولا تكليف، ولكنه سبحانه اختارك أنت لأنك تستحق ذلك فأنت أفضل من العوالم الأخرى على الإطلاق إن أنت سعيت لذلك .

 

         فما بالك إذا علمت أن العظيم قد خلق أصلك وهو أباك آدم بيديه من العدم وهي مكرمة لم تتكرر لمخلوق سواك، ثم صوره في أحسن صورة مفضلا إياه على كثير ممن خلق كالتي أنت عليها الآن دون سبب سابق فتبارك الله أحسن الخالقين، والأعجب من كل ذلك انه عز في علاه قد نفخ فيك من روحه بصورة يعجز عقلك عن فهم كنهها، فما هي مادة الروح سر الحياة وطاقة الوجود، إنها من أمر الله فلا تتبعها فتتعب وكن له من الشاكرين أن نفخ فيك من روحه وجعل لك السمع والبصر والفؤاد وهي من أجلّ وأعظم النعم .



     وإذا أردت أن يحتار عقلك وينخلع فؤادك فتفكر بعمق في أمر الله للملائكة بالسجود لأبيك ادم، إنها منتهى الكرامة والفضل والتكريم أن يأمر رب العزة اطهر مخلوقاته وأخوفها منه واسماها واعبدها له وأقربها منه الذين لا يستكبرون عن عبادته وينقادون لأوامره بهذا الأمر العجيب الذي ملؤه الاحترام والتقدير لآدم وذريته، فكن فخورا ومعتزا بذلك فأنت ورب الكعبة محسود، كيف لا وقد تخلى إبليس اللعين عن منزلته وعليائه وكراماته حسدا من نفسه بعد أن أُمر أن يسجد مع الساجدين، مما ألجأه إلى التكبر ومعصية خالقه وإلهه  فلم يخضع للأمر وتخلى عن كل شيء وهذا يعني له الخسران الأبدي المبين .       



         ثم لا بد من التأكيد أن التكريم الإلهي مترتب على تكريم الإنسان لنفسه بالخضوع لنواميسه وقبول إرشاداته عن طاعة ورضا، فلا يرفض الهدى ولا يقبل الضلال، وبالتالي فان التكريم يخص أناسا ولا يعم  الكل، إنهم من قرروا تكريم أنفسهم بتكريم الله لهم، ثم تجاوزوا ذلك إلى تكريم غيرهم من انس وحيوان وكل ما سخر لمنفعتهم، وشتان بينهم وبين من أهملوا أنفسهم، فأهانوها بالذنوب إن لم يكن بالكفر والشرك، ثم تعدوا ذلك إلى إهانة إخوانهم في الإنسانية، بعد أن أخذتهم عصبية الدين والجاهلية، فتراهم يقتلون الإنسان ثم يشفقون على الحيوان، إنها مهزلة العقل، وقمة التناقض، فعليك أن تعرف قدرك وتحترم ذاتك، وتسمو بنفسك وروحك حتى تفوق منزلتك منزلة الملائكة المعصومين، ولكن إياك من السقوط في هاوية الهوى والشيطان فتضل وتشقى وتكون دون البهائم منزلة فأنت من يقرر .

 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد