متاهات السعي في طلب الرزق .. (ندرة الموارد)

mainThumb

26-07-2010 01:00 AM


        يقولون إن موارد الأرض نادرة وفي تناقص مستمر ويعزون ذلك إلى الانفجار السكاني غير المسبوق، ويتكالب الأقوياء على موارد الضعفاء وإن كلفهم ذلك حروباً وغزوات، فيزداد الأغنياء غنىً ويزداد الفقراء فقراً، ويتكلمون عن الاستخدام الأمثل والتوزيع العادل للموارد في الوقت الذي تشير فيه إحصائياتهم الى أن واحد بالمائة من مجموع البشرية فقط يستحوذون على ستة وتسعين بالمائة من مال العالم، وفي ظل حرب اقتصادية يمارسونها تضيق الخناق على الفقراء الذين لم يرهقهم الفقر بقدر ما أرهقهم التنافس على موارد الدنيا على صعيد الأفراد والدول والمؤسسات، حيث صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف "والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافَسُوها كما تنافسُوها فتُهلِككم كما أهلكتْهُم" متفق عليه.

 

         وفي ظل هذا التنافس المسعور على تحصيل المادة، وما أنتجه ذلك من مخلفات مثل تغول بعض الطبقات فاحشة الغنى التي لا يملأ أعين أصحابها سوى التراب، وظهور طبقات أخرى من الناس مسحوقة تحت خط الفقر المدقع وما يرافق ذلك من ظواهر نفسية تؤثر على الجهتين كالكآبة المفرطة، واليأس من الحياة، والخوف من المستقبل الغامض، ومحاولات الانتحار المتكررة في قالب من البرود  الإيماني العميق الذي يسود العالم، فقد أصبح يترائي للمطلع في زماننا أن قضية الوجود الأساسية تكمن في تحصيل الرزق أو جمع المال بتعبير أدق، حتى لقد تعدى الكثيرون مرحلة طلب الرزق لتحقيق الستر والكفاف في العيش إلى مراحل متقدمة من الجمع وقدوته في ذلك يتجلى في قوله تعالى(الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ{2} يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ{3}) الهمزة، وقد تناسى أن ليس للإنسان سوى ما أكل فأفنى ولبسه فأبلى في قول الصادق المصدوق "يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت ؟ "

 

          فالمدنية الحديثة وان أنتجت طبقتين من الفقراء والأغنياء يفرق بينهما بون شاسع من طرق العيش وأساليب الحياة، فانه يجمعهما عامل واحد يظهر جليا في كلاهما ألا وهو الافتقار إلى القناعة والرضا، وهذا الافتقار يرتبط بالأنانية والطمع حين اعتقد الكثير من الناس بندرة الموارد التي توشك أن تنضب وتذر البشرية في حالة من الضياع، وبمبدأ اغتنام الفرصة السانحة التي يتنافس الأقوياء على استغلالها وإن سحقوا الضعفاء في سبيل ذلك، وهذا ولد حالة من شرور التنافس أللأخلاقي التي رسخت فكرة أن تحقيق السعادة للإنسان لا يكون إلا بجلب مظاهر الترف والرفاهية، ولو ألزمه أن يخوض صراعات مريرة الغاية فيها تبرر الوسيلة، ولو كانت وسيلته أن يخلع ثوب إنسانيته بما فيها عمامة عقيدته ومبادئه أو أن يتخذها قناعا، وكل ذلك يترافق مع تعطيل لمعتقدات إيمانية أساسية كاليقين والتوكل وقصر نظر في محدودية الأجل في الحياة الدنيا.

 

      ما أود قوله أننا ننكر على الذين قالوا أن الله فقير وفي نفس الوقت نتعامل الله على أساس أن موارد الكون لن تكفي ساكنيه، ونتناسى أن ما عند الله لا ينفد وأن الموارد الإلهية وخزائن الله لا يحدها حد ولا ينقصها استخدام المستخدمين ما دامت على الأرض حياة،  ونقول بألسنتنا أن الرزق مكتوب في السماء ونسعى إلى كتابته في الأرض بأقلامنا التي لا تفرق بين الحلال والحرام، وندعي أن المستقبل بيد الله ومع ذلك نخشى المستقبل ونعد الحسابات لمراحل لاحقة قد تتعدى الأجل المنظور، فأين نحن من قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" من بات آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"، وأين نحن من قول الله تعالى:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة268، فهل نصدق وعد الشيطان أم وعد الله؟ وهل نؤمن بقانون الندرة الشيطاني أم نعتقد بقانون الوفرة الإلهي؟، فقط ومن هذه النقطة نستطيع أن نبدأ البحث في مشكلة الفقر وأرقامه المهولة ...يتبع إن شاء الله...

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد