الذكاء الاصطناعي: تطور عالمي وفرصة أردنية

mainThumb

01-06-2025 11:04 PM

في العقود الأخيرة، تحوّل الذكاء الاصطناعي (AI) إلى المحرّك الرئيس للثورة الرقمية الرابعة، جامعًا بين العلم والابتكار لإعادة تشكيل الاقتصاد، والتعليم، والصحة، وحتى أنماط الحياة اليومية. لكن هذا التحول لم يكن طفرة، بل مسارًا علميًا متكاملًا بدأ بفكرة بسيطة: هل يمكن للآلة أن "تفكر"؟

ظهر مصطلح الذكاء الاصطناعي لأول مرة في مؤتمر دارتموث عام 1956، حيث طمح الباحثون إلى تصميم أنظمة تحاكي قدرات العقل البشري. ومنذ ذلك الحين، تطوّر المجال ليتضمن تقنيات تتعرف على الكلام، وتُترجم، وتتخذ قرارات، بل وتُبدع.

ومن قلب هذا المفهوم العام، وُلد تعليم الآلة (Machine Learning)، وهو قدرة الأنظمة على التعلم من البيانات وتحسين أدائها من دون تدخل بشري مباشر. مثال حيّ على ذلك: أنظمة التوصية التي تستخدمها أمازون، والتي تساهم بحوالي 35% من مبيعاتها.

أما التعليم العميق (Deep Learning)، فهو النموذج الأكثر تطورًا في هذا المجال، ويقوم على شبكات عصبية متعددة الطبقات تحاكي البنية الدماغية للإنسان، ما يسمح بمعالجة بيانات ضخمة وتحليلها بدرجة غير مسبوقة من الدقة. هذه التقنية تمكّن السيارات ذاتية القيادة من قراءة محيطها واتخاذ قرارات فورية، وهي التي مكّنت نظام AlphaGo عام 2016 من هزيمة بطل العالم في لعبة "غو"، وهو إنجاز اعتُبر علامة فارقة في تاريخ الذكاء الاصطناعي.

كل هذه القفزات ما كانت لتتحقق دون توفر "البيانات الضخمة"، إذ إن 90% من بيانات العالم وُلدت في السنوات الخمس الأخيرة فقط. هذه الوفرة، إلى جانب التقدم في قدرات الحوسبة، أطلقت العنان لإمكانات غير مسبوقة.

الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يعكس هذا الزخم. تشير تقارير شركة IDC إلى أن الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي تجاوز 200 مليار دولار عام 2023، ويتوقع أن يصل إلى أكثر من 500 مليار دولار بحلول 2027.

لكن هذا التقدم لا يخلو من تحديات: هناك مخاطر تتعلق بالاستخدام غير الأخلاقي، وتأثيرات على سوق العمل، وحاجة ملحّة لتشريعات تواكب التطورات التقنية. لهذا، فإن الوعي بتسلسل تطور هذه التقنيات يساعدنا على فهم الفرص والمخاطر معًا.

على الصعيد المحلي، بدأ الأردن بخطوات ملموسة لدخول عصر الذكاء الاصطناعي، عبر "الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2020-2025"، وإطلاق برامج أكاديمية متخصصة في جامعاته، وظهور شركات ناشئة في مجالات البيانات والتعلّم العميق.

هذه المؤشرات، إلى جانب توفر الكفاءات الشابة والبنية التحتية الرقمية، تضع الأردن أمام فرصة حقيقية ليكون مركزًا إقليميًا فاعلًا في هذا المجال. لكن السؤال الأهم ليس أين نحن الآن؟ بل إلى أين نريد أن نصل؟

فالعالم لا ينتظر. من لا يتهيأ اليوم بأدوات المستقبل — تعليمًا، وتشريعًا، واستثمارًا في الإنسان — سيتأخر عن ركب المنافسة. وهنا، يأتي دور الأفراد والمؤسسات في تبني ثقافة رقمية جديدة، تتقاطع فيها التقنية مع الإبداع، والذكاء مع المسؤولية.

إن تطور الذكاء الاصطناعي لم يكن مجرد سلسلة من الاكتشافات، بل سردية إنسانية تجمع بين الفكر والجرأة والابتكار. وفهم هذا المسار هو الخطوة الأولى لأي أمة تطمح إلى أن تكون فاعلة في المستقبل الرقمي، لا مجرد متلقٍّ له.

وفي خضم هذا السباق العالمي، لا يُطلب من الأردن أن يتقدّم الجميع، بل أن يعرف موقعه، ويحدّد بوصلته، ويتحرك بثقة نحو المستقبل الذي يريد أن يصنعه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد