في كنف المدنيّة

mainThumb

31-08-2010 08:28 AM

 بين أزيز المراوح والأجهزة الكهربائية التي تعمل صبح مساء ، يجد الإنسان نفسه غارقاً في ضوضاء المدنيّة والحضارة والتكنولوجيا ، ومغرقاً حتى الثمالة في أصواتٍ لا تنتهي في أيّة ساعة من ساعات اليوم.



ومشكلة الإنسان مع الضجيج والضوضاء ليست مشكلة سهلة ، ولا أريد أن أشمل بكلماتي هـذه الضوضاء - الضرورية - التي تصدر عن آلات المصانع ووسائل النقل والطائرات وغيرها ، بل أريد الحديث عن الضوضاء المحيطة بنا يومياً ، والتي تؤثر على منظومتنا العصبية ، فهناك أصوات نعتادها ولا نبالي بها ظاهرياً ، لكن جهازنا العصبي يسجلها جميعاً ، ويعاني من تأثيرها وعدم حصوله على القدر الكافي من الهدوء الذي يُعيد التوازن لهذا الجهاز العصبي الهام ، فكما نعلم يستمرّ دماغنا بالعمل حتى خلال نومنا ، ولهذا يحتاج أن ينعم ببعض الهدوء ليتمكن من العمل بكفاءة عالية في اليوم التالي .



فمن أبواق السيارات وهدير محركاتها ، وهي تجوب الشوارع منذ أول شروق الشمس ، إلى موسيقى سيارات الغاز التي تمر من وقت لآخر ، إلى عربات النفايات التي يجرّها عمّال الوطن الطيبون . وأصوات أطفال الحارة ودراجاتهم ونداءاتهم خلال لعبهم ، الأبواب التي تقفل بحدّة ، برامج التلفاز وإعلاناته التي تنتقل بآذاننا من قمة الهدوء إلى قمة الفوضى والموسيقى المثيرة للأعصاب بلحظات ، مما يؤثر على استقرار طبلات الأذن ومع الوقت تقل حدة حاسة السمع . صوت محركات ضخ المياه ، والغسالة والثلاجة والكمبيوتر ، أصوات إزاحة أثاث جيرانك من وقت لآخر ، أحد الشباب ينادي رفيقه من أسفل المبنى ويتحدث معه مطولاً دون مراعاة لعدم رغبتنا في سماع هذا الحوار ( الهادف ) بينهما ! وهِرَرةٌ لا يحلو لها أن تموء ذلك المواء الغريب إلا تحت نافذتك المفتوحة بُعَيد الثالثة فجراً وأنت في قمة إرهاقك !!



ومع إيماني المطلق بالله تعالى وضرورة وصول نداء ( لا إله إلا الله .. محمد رسول الله ) إلى أكبـر شريحة من الناس ولأوسع مدىً ممكن ، إلا أن ما يجري الآن يستوجب الحديث فيه ، فربّ العزّة تبارك وتعالى قد قال في كتابه الحكيم : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) وهذا يعني المساجد طبعاً ، وقد حدّد ربنا ما يجب أن يُذكَر على هذه المآذن ، وهو اسمه تعالى فحسب ، لا أن يسبق النداء الرباني للصلاة مقتطفات من برامج الإذاعة والتي بتنا نعرف مذيعيها من خلال سماعة المسجد ، وشكاوى المواطنين وجدالهم ( هذا قبل أذان الظهر ) ، والابتهالات الدينية والأناشيد وخاصة في ساعات الفجر وقبل أذان الإمساك ، وتلاوة القرآن على السماعة الخارجية وما يصاحب هذا من تشويش في صوت السماعات واختفاء جزء من الآيات المقروءة ، مما يفقدها كثيراً من معانيها لغير من يحفظها ، وتحس أنك ترى المؤذن يتلمس مكبر الصوت من اختلاف أصوات التشويش ، وعدم حصول الخشوع اللازم من أغلبية الناس عند سماع القرآن على السماعة مما يحرمنا أجراً عظيماً ، والأدهى هو أن تسمع صوت الأطفال قبيل صلاة الجمعة يتخاطفون المكبر وكل منهم يحاول أن يؤذن بنفسه وهم يتضاحكون !!



نحن نعلم أننا في بلد إسلامي – والحمد لله – ولهذا فمعظمنا يسكن بجوار مسجد ما أو يوجد على مقربة منه مسجد ، وهذا من نعم الله تعالى علينا ، لكن علينا أن نستشعر أنّ بيوت الله هي بيوت السكينة والأمن والهدوء ، ولهذا فما يجري الآن لم يأمر به عزّ وجل ّ ولم يكن بلال ينادي للصّلاة إلا بالأذان وحده ، ولنا فيه قدوةٌ حسنة !



ربما يكون مفيداً لنا في خضم أصواتٍ كثيرة تكتنف أسماعنا أن نتخيّر لأنفسنا عدّة ساعات إن أمـكن خلال الأسبوع ، ونقفل على أنفسنا باب حجرتنا ، ونغلق النافذة ونخفت الإنارة ونضع سماعة أذن بلا أي صـوت ، أو أصوات رقيقة هادئة جداً كصوت خرير ماء أو حفيف ورق الشجر ، ونستغرق في بعض التـأملات الإيجابية أو التسابيح الخفيفة، لنترك لدماغنا فرصة ليرتاح ويبدأ يوماً جديداً بنشاطٍ وحيوية .. وقد صدق نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عندما قال : ( إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيكَ حَقاً ، وإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيكَ حَقاً ) ، فلنعطِ كل ذي حقّ حقه !! 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد