اقتصاديات توسعة الشمول بالضمان

mainThumb

04-10-2010 03:44 AM

سيواجه العامل الأردني الذي بدأ عمله في سن مبكرة مشكلة كبيرة عندما يبلغ السن القانونية للتقاعد (الشيخوخة) أو عندما يتعرض أثناء خدمته لعجز أو مرض أو إصابة عمل تُفقده القدرة على العمل أو إذا توفي دون أن يكون بإمكانه أو ورثته الحصول على راتب تقاعدي يوفر لهم متطلبات الحد الأدنى من العيش الكريم على الأقل، وذلك لسبب بسيط للغاية، لكنه كبير في آثاره ونتائجه، هو أن لم يكن مشتركاً بالضمان الاجتماعي.



وإذا لم يكن متاحاً لمؤسسة الضمان الاجتماعي خلال الثلاثين سنة الفائتة شمول بعض شرائح العاملين بمظلتها لدواعي التدرج في الشمول، وهو ما انتهجته وفقاً لقانونها، فقد ارتأت في إطار توجّه استراتيجي وطني أن تبدأ بتوسيع نطاق الشمول بالضمان لتحقيق هدف استراتيجي على درجة بالغة من الأهمية يتمثل في مدّ مظلة الحماية الاجتماعية لتنضوي تحتها شرائح لم تكن تتمتع بأي نوع من التأمينات الاجتماعية والنظم التقاعدية المعمول بها في المملكة، وإذا عرفنا أن هذا المشروع الذي بدأت المؤسسة تنفيذه يستهدف على المدى المتوسط إدخال ما يقرب من (30%) من العاملين على أرض المملكة تحت مظلة الضمان، فإن الأهمية التي يكتسبها هذا المشروع كبيرة، وذات انعكاسات وفوائد عديدة على المجتمع سواء من البعد الاقتصادي أو الاجتماعي، وناهيك عن البعد الاجتماعي المتمثل بإسباغ الحماية على العاملين والمواطنين والمجتمع من بعد بشكل عام كنتيجة لبث الطمأنينة والأمان في نفوس العاملين وإشعارهم بالثقة في المستقبل، فإن الآثار الاقتصادية لهذا المشروع ستكون كبيرة وذات انعكاسات إيجابية ملموسة على المجتمع والاقتصاد الوطني، خاصة وأن المستهدف في المشروع هو قطاع العمل الواسع الذي يعاني من تقلبات كثيرة في العمالة وضعف في معدلات الأجور، إضافة إلى ضعف في الرقابة، وضعف في التنظيم، وتدني إن لم يكن انعدام الالتزام بمعايير وشروط السلامة والصحة المهنية.


من هنا فإن الانعكاسات الايجابية الاقتصادية لمشروع التوسعة الذي يستهدف شمول العاملين في المنشآت الصغرى التي تشغل أقل من (5) عاملين يمكن أن تتأتى من خلال:

 

_  تأمين الحماية العاملين في قطاعات العمل الصغيرة ,الذين تصل نسبتهم إلى ثلث عدد العاملين في المملكة بشكل عام، وتأمينهم بالرواتب التقاعدية عندما يكملون مدد الاشتراك المطلوبة، وبالتالي فإننا سنقلص من أعداد العاملين الذين يبلغون سن الشيخوخة المتقدمة وتنتهي خدماتهم دون الحصول على دخل تقاعدي، ودون أن تكون لديهم القدرة على مواصلة العمل، وبالتالي فإن هذا التقليص سيسهم دون شك في الحد من الفقر في المجتمع وبخاصة بين الشرائح الاجتماعية الأكثر حاجة للحماية والأشح عرضة للفقر، وقد أثبتت إحدى دراسات المؤسسة بأن الدخل التقاعدي يسهم في خفض الفقر في المجتمع بنسبة (6%) تقريباً.


تأمين الحماية للعاملين أو أفراد أسرهم الذين يتعرضون للعجز أو الوفاة الطبيعيين من خلال توفير رواتب الاعتلال أو الوفاة الطبيعية، فبينما لن يحظى بذلك العاملون غير المنضوين تحت مظلة الضمان الاجتماعي، فإن المشتركين بالضمان سيتمتعون بهذا التأمين ومنافعه العديدة، وهو ما سينعكس بدوره على شعورهم بالراحة والأمان في أعمالهم، خصوصاً إذا عرفنا أن مدد الاشتراك المطلوبة في مواجهة هذه المخاطر للحصول على هذه المنافع قصيرة. فالمدة للحصول على راتب الوفاة الطبيعية إذا حصلت الوفاة أثناء الخدمة هي (24) اشتراكاً، وفي حالة راتب العجز الطبيعي المدة (60) اشتراكاً فقط.  

حفز الأردنيين المتعطلين عن العمل على الالتحاق بفرص العمل المتوفرة في القطاع الخاص، وتحديداً في قطاعات العمل الصغيرة، ومن المعروف أن هذه القطاعات هي الأكثر توليداً لفرص العمل، كما أن قطاعات العمل الصغيرة سواء أكانت شبه منظمة أو غير منظمة تساهم بما نسبته التقديرية من 30% – 35% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي مساهمة مهمة لا يستهان بها، وشمول العاملين في هذا القطاع بالضمان، سيشجع الباحثين عن عمل على الالتحاق بالفرص المتاحة ضمن هذا القطاع، وعلى مواءمة مهاراتهم وقدراتهم مع متطلبات هذا السوق، وهذا سيدفع باتجاه تخفيض معدلات البطالة بشكل ملحوظ.

  ترسيخ استقرار سوق العمل في هذا القطاع الذي يعاني من تدني في مستوى التنظيم، والتقلب الدائم في العمالة بين مؤسساته المختلفة، حيث سيساهم الشمول بالضمان في بث الطمأنينة في نفوس العاملين وبالتالي يدفع إلى مزيد من الاستقرار في سوق العمل، بدل ما كان يعاني منه السوق من تذبذب دائم وتقلب مستمر في العمالة، وقد كشف أحد المراصد العمالية أن حوالي (19) ألف عامل تقلّبوا بين أكثر من جهة عمل خلال الستة أشهر الأولى من العام الماضي.. ولا يخفى ما لذلك من كلف مالية عالية وخسائر تلحق بأصحاب العمل نتيجة فقدانهم خبرات قاموا بتدريبها وتأهيلها، مما سيضطرهم إلى توظيف عمال آخرين والإنفاق على تدريبهم وتأهيلهم.. الأمر الذي سيؤثر سلباً على الإنتاج.


   سيوفر تطبيق تأمين إصابات العمل على العاملين في هذا القطاع الذي يحتل أصحاب المهن والحرف حيزاً كبيراً فيه، والذين تنطوي أعمالهم وحرفهم على الكثير من المخاطر على الأيدي العاملة، حمايتهم وتوفير رواتب العجز الإصابي لهم أو رواتب الوفاة الإصابية للمستحقين من ورثتهم، إضافة إلى توفير العناية الطبية الكاملة للمصابين إلى أن تستقر حالتهم بالشفاء أو العجز، مما يؤهل البعض منهم للعودة والإندماج بسوق العمل من جديد.. ناهيك عن الدور الذي تقوم به مؤسسة الضمان وفقاً للقانون الجديد بمراقبة مدى التزام المنشآت المشمولة بالضمان بشروط ومعايير السلامة والصحة المهنية من أجل حماية الأيدي العاملة مما سيؤدي إلى تخفيض حوادث وإصابات العمل في قطاعات العمل المختلفة وبالتالي سيوفر المزيد من الكلف على الاقتصاد الوطني.


 

وبعد، فهذه بعض ملامح اقتصاديات مشروع توسعة الشمول بمظلة الضمان الاجتماعي، وقد لا تظهر النتائج بصورة سريعة لكنها مع الزمن سوف تقود إلى نتيجة مهمة هي استقرار سوق العمل في القطاع الخاص، وتحديداً في قطاع العمل غير المنظم والقطاعات الصغيرة، وسوف تشجع على الالتحاق بالمهن والحرف، فمن خلال الضمان الاجتماعي وتوسيع مظلته لتشمل كل هذه القطاعات سوف لن يبقى أردني متعطل عن العمل بانتظار الوظيفة العامة، وإنما ستكون أمامه فرص ومجالات كثيرة للالتحاق بسوق العمل في القطاع الخاص، حيث سيكون لديه ضمان اجتماعي تماماً كما لدى الموظف العام.

Subaihi_99@yahoo.com 
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد