حوار مع جني

mainThumb

10-10-2010 07:34 AM

بينما كنت أسير ليلا مفكرا مهموما بوضع وطني وبوضعي في وطني سمعت صوتا يقول لي : ( مالك يا ابن الناس ؟ ) ، فأجبته مسرعا ومن دون تردد : ( حل عني مو ناقصك )  ، فضحك ضحكة  استهزاء ، فقلت له أرجو أن تدعني وشأني ( يا ابن الناس )  ، فغضب غضبا شديد وقد بان ذلك من نبرة صوته وقال أتشتمني ؟ أنا لست من الناس بل أنا من الجان  ، فتوقفت متسمرا في مكاني وقلت  ( هذا إلي كان ناقصني ) ، نظرت ناحية الصوت  فرأيت رجلا يرتدي عباءة سوداء غير بائن الملامح ، فقلت له ما تريد ، ودار بيننا الحوار التالي :
 
الجني : ما بك يا رجل ، أرى الهم قد حنى ظهرك وأنت لا تزال في ريعان الشباب ؟
 
أنا : الغربة متعبة جدا ، ولم أعد أحتمل .
 
الجني : لماذا من أي الأقطار أنت ؟
 
أنا : من هنا ، من هذا البلد ، ولكن أجد نفسي غريبا في وطني ، مهضوم الحقوق ، مسلوب الإرادة ، مقيد التفكير ، محارب في لقمة عيشي  .
 
الجني : لا أرى مشكلة ، لماذا لا تطالب بهذه الحقوق ، يعني ( ما بضيع حق وراه مطالب ) ، نحن في مملكة الجن يسمح لنا بالمطالبة بحقوقنا ، وفور تقديم الطلب يشكل لجنة بذلك ويتم دراسة الموضوع ، ويصدر الحكم العادل في خلال أسبوع ، مع كتاب اعتذار إن كنت صاحب الحق .
 
أنا : أنت جني  أو مجنون ؟ ، نحن في وطننا إن حاولنا المطالبة بأبسط حقوقنا المهضومة سيتم إحالتنا لمحكمة أمن الدولة بتهمة إطالة اللسان ، والنهاية معروفة في ( بيت خالتي ) ، لا يسمح لنا بالمطالبة ، حتى الصمت نحاسب عليه في بعض الأحيان بتهمة التخطيط ، بل يجب أن تكون ردة فعلك لهضم حقوقك هو التمجيد بالحكومة  والدعاء لها بالخير ، وما عليك سوى السمع والطاعة .
 
الجني : غريب أمرك يا هذا ، لا زلت لا أجد صعوبة في مشكلتك ، دائما إرادة الشعب هي التي لها الحسم ، فلماذا لا يكون هنالك مطالبات جماعية ، ففي مملكة الجن ذات يوم تم تهميش طلب لإقامة نقابة للمعلمين لدينا ، وكما تعلم المعلمين يعتبرون خط أحمر للشعوب الراقية كمملكتي فهم أساس كل حضارة ، وأصل كل تطور ، وأصحاب الفضل علينا حتى قيام الساعة ، المهم فردا على تهميش الطلب فقد قرر جميع أفراد الشعب تعليق نشاطاتهم ليوم واحد وذلك للوقوف إلى جانب المعلمين في مطلبهم المشروع ، فلم يستمر الإضراب لأكثر من ساعتين حتى لبت الحكومة جميع المطالب وعاد الاستقرار للوطن .
 
أنا  : آآآه يا صديقي ، مشكلة شعبي أنه يتسلق على بعضه البعض ، فتجد أشد المعارضين لدى مجرد تسليمه منصب في حكومة المجد ينسى جميع أفكاره ويدوس على جميع مبادئه ويبدأ حربه للمعارضين ، وكما تعلم يا صديقي فهو من أشد الناس معرفة بالمعارضة وأساليبها ، ويتخذ إجراءات تتناسب مع تلك الخبرة لقمع أي بذرة خير ممكن أن تنتج ثمرة تعود بالخير على وطني ، وهكذا ، فماذا تنتظر من شعب كهذا ؟
الجني : ( وقد رأى الدمعة في عيني ) يا أخي أرجوك لا تبكي  فدوام الحال من المحال ، وإن أردت فأهلا وسهلا بك في وطني معززا مكرما ، لك ما شئت .
 
أنا : أيها الجني الصديق لست من يبع وطنه لأي سبب كان ، ولست من اللذين يبحثون عن وطن بديل ، فالوطن ليس لباس نلبسه ونبدله وقتما نشاء ، الوطن روح لروحنا وريحان أرواحنا وناره قمة راحتنا .
 
الجني : عجيب أمرك ، وهنيئا لوطنك بك ، وتعسا لحكومتك فما قدروا شعبها حق قدره .
ثم فجأة ذهب الجني  ، ونظرت حولي فرأيت الناس وقد تجمهروا حولي باكين على حالي بعد أن فقدت عقلي وأصبت بالجنون وذلك لأنني احدث نفسي  ، ثم ما لبثت حتى وجدت نفسي في غرفة بمستشفى الأمراض العقلية ، وقد تبين لي لاحقا أن الجني هو مبعوث من الحكومة للإيقاع بي والتبرير لإدخالي مستشفى الأمراض العقلية ، وذلك بعد أن طالبت بمحاسبة الفاسدين في وطني .

eyas16@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد