" صوت واربح " وماذا بعد ؟!

mainThumb

08-11-2010 05:35 AM

عندما يشعر الإنسان عديم الخبرة والانجاز بالغرق في بحر متلاطم من الانتقادات والرافضين لسياسته يعمد إلى ان يتعلق بالأخشاب المهترئة التي تقذفها السفن العابرة أو بقشة هائمة لعلها تنقذه من الغرق ونهاية حياته السياسية .

 والكارثة هنا عندما يدرك ان القشة والأخشاب خادعة ولن تنفعه في النجاة تتحرك معه حرارة الروح لاسيما ان مقام التوريث لديه سيخسر السياسة ومناصبها وأضوائها فهو يعمد إلى ان يتعلق بالماء نفسه عبر عمليات تخبط بيديه ورجليه ورأسه وفمه لعله ينجوا من الغرق والنهاية .

ولكن الأوان قد فات والثواني أصبحت مفصلا ، وكان الأجدر به ان لا يخوض عباب الماء وهو العديم بالخبرة والسياسة والبحور المتلاطمة من الانتقادات التي تحتاج إلى خبرة ودراية وصدق وعزم ، وإلا فان الغرق استحقاق طبيعي وفطري وسياسي تقتضيه سنن الكون لمن يعتقد انه قادر على التجريب والهواية واللهو ولو كان ذلك على حساب مقدرات وطن وعقول رجال يعرفون الغث من السمين ولا تأخذهم في الله ووطنهم لومة لائم ..

بالله عليكم من كان يصدق ان تصل حال ديمقراطيتنا إلى هذا المستوى ، مستوى " صوت واربح " وتخصيص جوائز لمن يدلي بصوته حتى غدا التندر عنوانا وكأننا في دكاكين أو مولات تجارية تستقطب الزبائن لشراء بضاعة قربت مدة نهاية صلاحيتها أو تكدست في مستودعاتها أو كسدت أو كثر من تنافس عليها فلجأت إلى تسويقها عبر اليانصيب " اشتري واربح " ؟!

قبل بضعة شهور قرأنا من كتب ساخرا يقترح تخصيص جوائز يانصيب لمن يدلي بصوته ، وفي حينه كان التعبير له دلالة كم سيكون حجم المقاطعة للانتخابات ضئيلا جدا ؟ ، وقد أنكر البعض عليه ان يقول (لاحظوا ان يقول) ان انتخاباتنا تقترن بتخصيص جوائز لمن يصوت ، وقد أعابوا عليه واستنكروا كيف له ان يكتب ذلك؟!

وها هو ما تندر به وكان ضربا من الخيال والاستغراب والحرمة لإفهام الناس كم هو ضعف الإقبال كبيرا ، يتحقق عبر إعلان حقيقي لأكبر شركة في الأردن تخصص جائزة لمن يصوت ، فماذا انتم قائلون ، وماذا انتم فاعلون الآن ؟!

حال الغريق لحكومتنا ادر كناه مبكرا عبر سياسات وتعيينات ومواقف وقرارات فيها عمق التخبط وسوء الاختيار ، ورأينا القلق يعتصر الحكومة ، حتى غدا خبزا وملحا وبرنامجا يوميا لها وأصبح جل عملها ترقيع وترميم وردود فعل على سوء تصريحات وزرائها وتخبط قراراتها ومواقفها في سلسلة دوارة، ما ان تخرج من أزمة حتى تدخل في أزمات متوالية ، حتى أصبحنا نتساءل عن سر بقائها ، وقد أفردت لذلك مقالين ، الأول بعنوان " حكومة قدس سرها " ، تبع ذلك مقال آخر بعنوان " هل تريد الحكومة منا الانتخاب لننشلها من الغرق" ولم أدرك في حينه ان الحالة تجاوزت حالة الشعور بالغرق إلى حالة الغرق ذاته الذي معه تشتعل حرارة الروح عبر تخبط الأعضاء كلها ، حتى ولو عبر فتح دفاتر عتيقة لخطباء طواهم النسيان بعد ان سقطوا أو اسقطوا في الانتخابات وملؤا السماء صراخا ان الانتخابات مزورة، نراهم اليوم وعبر التلفزيون الحكومي يسارعون إلى فتاوي حادة ومحمومة تخالف رأي الجماعة والجبهة التي تحتضنهم وتطعن في قرارهم وموقفهم وصمودهم ، بل وتناقض مع ما قاله هو نفسه في الانتخابات قبل ذلك بأنها وبأنها ؟! ، فما الذي تغير.. فالقانون أصبح أسوأ والمعارضة اكبر والرفض أعظم والتخبط اشد بلاء ووو… ولا تعليق سوى بوضع إشارة استفهام وتعجب والله اعلم بالإسرار وما في تخفيه القلوب ؟!

واستمر التهافت بل تهافت التهافت إلى حد إعلان شركة كبرى لجائزة " صوت واربح " كان رئيس الوزراء نفسه قد اختار بعض موظفيها ليكونوا وزراء ورؤساء ومناصب عليا ولو بكسر بعض بنود الدستور ، ويبدوا ان سداد الدين بالدين جاء أوانه ، بأسلوب أصبح محل تندر واستغراب واستهجان الجميع وصدر بذلك بيانات لم تكن لتصدر لولا عمق البعد الأخلاقي والقانوني والذوقي والاستهجاني لذلك ، حدا وصل الاساء إلى ديمقراطيتنا بل والى الديمقراطية منذ ان كانت واستحدثها الإنسان لترفع من سوية الإنسان عبر احترام عقله واختياره وسموه وليس محاولة إفساده واستعباده في يانصيب " صوت واربح " تحولت معه القناعات العقلية والوجدانية التي يحترمها خالقها وترفع النفس سموا ورفعة إلى الإغراء بسيارة وأجهزة خلوية لتنحدر بنا إلى مستوى السلع الاستهلاكية والأساليب التجارية وقد كشف القناع فما الذي ننتظره بعد ذلك ؟!

لا والله لن اقبل ان يتحول العقل الذي ميزنا به رب العالمين، والنفس التي سما بها الخالق عبر الدين والفكر والديمقراطية ، والتي جاءت لتحترم الإنسان في عقله ورأيه وفكره وتجعل من رأي الأغلبية والانتخابات التي هي أسلوب الديمقراطية في الاختيار إلى أوراق يانصيب دواره تخاطب الإغراء الاستهلاكي وخصلة الطمع وإفساد الأذواق لننحدر إلى هذا المستوى باستدراج المقترعين عبر ورقة يانصيب وليس عبر قناعاتهم واحترامهم لأنفسهم واحترام الحكومة لعقولهم وقناعاتهم ؟!

أحاول ان أجد وصفا لما جرى فعجزت لان الفضيحة كبرى تسجل في تاريخ هذه الحكومة والتي يجب ان نسميها في سجلات السياسة والتاريخ بحكومة " صوت واربح " ، التي أساءت لنا في كل الاتجاهات ، بل وتسجل في تاريخ الديمقراطية منذ وجودها ان حالها أصبح حال المادة والتسويق والترويج التجاري ، تعطل معه العقل ليخاطب به الغريزة ، والله لو علمت العقول التي استحدثت الديمقراطية ان حالها سوف يصل إلى صوت واربح لوضعوا لذلك قانونا في حينه افردوا له بابا ان الديمقراطية غير قابلة للاستغلال أو الدونية المادية بل وأوجدناها لاحترام الإنسان وتقديره وتعظيمه كقيمة تعلو على المادة التي هو من يسخرها وليست هي من تسخره وتسحبه إلى صناديق الانتخاب .. فما عسانا ان ننتظر بعد ذلك ؟! وهل تقبلون ان توصلنا ورقة يانصيب إلى البرلمان ؟!

شعار مشاركون من اجل التغيير الذي طرح للحث على المشاركة بالانتخابات ، بانت معالمه ، دفاتر عتيقة تفتح ، وأوراق يانصيب تطرح ، وأخلاقيات اترك وصفها لمن يجيد الوصف أكثر مني ، يضاف لها سيل الأزمات التي عشناها على أعصابنا ، وعلى حساب إنتاجنا ، والاستفزازات المتوالية ، والفقر والبطالة وتجاهل مطالب المتقاعدين الذي جاء عبر كتاب رسمي من مؤسسة المتقاعدين إلى الحكومة نفسها ، التي تجاهلته تماما واستثنتهم من عملية هيكلة الرواتب في سابقة لأول مرة في تاريخ الحكومات ، بل وقسمت المتقاعدين إلى ما قبل حزيران 2010 وما بعده وعمدت إلى استقالة من وقع الكتاب ورفعه وكذلك من وجه له واستقبله متجاهلة ومحاولة طي صفحة الحديث عن فقرهم المدقع لتضيف له الغبن والظلم ولتطرح علينا بعد ذلك يانصيب صوت واربح ، تريد ان تجلبنا به إلى صناديق الانتخابات ؟!

والسؤال هنا أين هي الانجازات التي تريد حكومة " صوت واربح " البناء عليها لتطرح علينا المشاركة من اجل التغيير ، ودلوني على من يمدح الحكومة من غير بعض موظفيها والتابعين لها ، حتى تستطيع ان تحدث تغييرا رأينا معالمه بأعيننا وسمعنا به بأذاننا ؟ّ ان شعار مقاطعون من اجل التغيير هو من يخاطب فينا العقل والوجدان ، وليس الإغراء والإفساد باليانصيب ، وشعار مقاطعون يقول لنا هذه الحكومة رأيتموها بأعينكم ، وقد أصبحت عبئا ثقيلا على مكونات الدولة تريد منا الانتخاب في ظلها لننشلها من الغرق ، نقول لها ان مقاطعتنا للانتخابات ما هي إلا وسيلة من اجل التغيير الحقيقي والإصلاح الذي يصل بنا إلى رفعة الوطن وأهله .

وإذا كانت المسالة ألفاظ وشعارات وهوائيات فليكن الشعار ما بين مشاركون ومقاطعون حلا وسطا عدلا ، ينم عن قناعات لم تتزحزح منذ ان جاءت هذه الحكومة التوريثية الاستفزازية ، وهو شعار نعم مشاركون ( مع المقاطعين للانتخابات ) من اجل التغيير . ودمتم .

drmjumian@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد