وشوشة جدتي

mainThumb

18-09-2011 01:00 AM

خبأت حزني فضحكت على نفسي، فأضحكتني نفسي.... الساعة الثامنة مساء... يوم كأحد العرب، نأكل و نشرب لننام و نسمع الأخبار عند الثامنة.

جاءت لوحدها فشدتني.... جاءت لوحدها لشدوا بها.... حملت بي.... اقتحمت رنين حياتي...نسفت أهة جلستي فأقعدتني... جاءت لوحدها دون دق الباب، لم تعرف عتب منزلها ذاك المسمى جرسا... جاءتني و أقحمت نفسي ناشرة بداخلي بعض من ذاكرتي.... لماذا الآن ؟ و لم في ساعة الأخبار؟ لماذا....؟ أنها( فاطمة حسين صالح) جدتي التي توفاها الله مع النسمات الأولى لشهر شباط الخباط عام 1993... جاءت لوحدها... بدون إذن نفسي أدخلت غرفتي لتمسكني قلمي لاكتب لا اعرف ماذا اكتب... أجلست... بدأت تنسج لمحاتي أيام طفولتي و شقائي.... فتحبني و أحبها.

 للتفنن بحضني حتى لا أرى أدفئ من صدرها بعد صدر أمي... ضمتني كثيرا، و قبلتني أكثر و أكثر... قبل و فاتها بساعات كانت حريصة على أن تخبئ لي فاكهة، من موز و تفاح... و ما يهل إليها مع الأعياد... تخبئه بين فرشاتها القليلة النظيفة، أو تحت المخدات الناعمة كوجه جدتي أو بين ثنايا ثوبها الفلسطيني المطرز بتعرجات كنعانية... أصغره لا يقل عمره من عشر سنوات... لا اعلم لماذا اقتحمت وحدتي... الآني بشوق لها... أم بشوق لاحديثها المفرحة و المحزنة عن بلدتنا بيت محسير، أم اني بشوق للحديث عن النكبة وما إدراك ما النكبة... أم أن التحولات العربية ....... أنها اقتحمت و حدتي دون إذن أو طلب مني....لماذا.... ألان أجلستني على مكتبي عنوة ، لأكتب ماذا اكتب، و هل بقي لكتابة مكان، أنها جدتي جاءت ... لماذا هي ألان... مع نشرة الأخبار مع عدم الحديث عن القدس وانشغال العرب بثوراتهم ، أم لحديث عن مستعمرات وجدران محاصر لأهل الضفة الغربية أم ماذا، و ماذا، و لماذا أنت ألان؟؟؟ إننا ما زلنا نعاني من ظاهرة السلام المبجل مع إسرائيل العزيزة... إنا جدتي جاءتني مع الأخبار.... لتذكرني و أتذكر أو لأحاول التذكر لماذا جاءتني الآن... أحاول... أحاول... أحاول... أحاول.. اشد ما يمكن شده من أفكاري لأحاول و أحاول.... كل ما اذكره أنها في 15/11/1988 كانت بانتظاري حتى النصف الأول من الليل، أنها لا تستطيع الحركة إلا زحفا، فهي معقدة بجلطة دماغية أهبطتها الخمس سنوات الأخيرة من عمرها مما اضطرها الزحف غناً عن السير... أو حتى الذهاب للحمام لوحدها ... أنها عجوز معقدة...لا حول و لا قوة، لكنني أحبتها أكثر من نفسي ... نادتني بصوتها الشاحب الحزين... نادتني بحزن ماساتي و ماساتها... نادتني و أنا تعب أريد النوم، ولكنها تصر على مناداتي ، الجميع نائم إلا هي... عجوزتي الجميلة تسهر لوحدها بانتظاري... أنها تثق بي و هذا كاف لجعلها تنتظرني لتلك الساعة المتأخرة من الليل... بالبدء فجئت بسهرها فصلاة العشاء أخر سهرها . تغرق في نومها العميق... لابد أنها تنتظرني لأمر هام... أنها جدتي و أنا اعرفها... حاولت تجاهلها... ألا أن أصرارها على مناداتي، و بحبي لها ذهبت لفرشتها و شدتني بيديها الناعمتين الأنيقتين التي كل وريد من أوردتها تظهر حكاية أو قصة ، أنها جدتي أم الخامسة والثمانين عاما أو يزيد، ما أزال أرى نعومة يديها كصبية، بالعشرين أو الثلاثين، أو حتى الأربعين، أنها جدتي حبيبتي... تشدني بقوة يدها و إذا بها تخرج من صدرها ورقة وتعطيني إياها وقالت : تعال اقرأ لي هذه .................. نظرت ونظرت للعجوز الجميلة وما تخبئه بخباب صدرها ( ليست حبة برتقال أو تفاح ) إنها شيء اقوي من الأكل والشراب وثيقة استقلال الدولة الفلسطينية، مترخه 15/11/1988 نظرت لحالها لا اعلم هل هي نظرة حزن أم فخر...أو ماذا... كل ما اذكره الدمع هب من عيني، يذرف لأجل عيني جدتي... أقراء ... و أقراء... و أقراء.... أنها صامتة كصمت الليل، بلا همس أو حتى توزيع لبعض الكلام، أهل المنزل نائمون، فلا صدى سوى صوتي و لا دمع إلا دموعي، الجدة ممددة أمامي، لها مني نظرة، و ألحقها بقراء ، انظر لجسدها الذي لا يستطيع تحريكه... كضمير الأمة العربية... اقرأ لأنظر لعينيها الهادئتين، فلا صدى سوى صدى صوتي لأسهب أكثر و لأكثر، و الجدة تشد نفسها و أنفاسها إلي أكثر و أكثر... و أكثر ...أسهب معها فتعطيني اندماج و تسابيح من صور، حتى أنهيت قراءتي ليصعقني السؤال. هل سنعود لفلسطين، هل سأرى بيت محسير ؟ بنظرة عطف من الحفيد تمحصت كلماتها، حتى ذابت بأذني فأذابت كل أهاتي وتعبي أنها العجوز الأمية التي جاءتني من دون إذن... أنها الجميلة التي سمعت باستقلال فلسطين، لتخبئ وثيقتها، التي و الله اعلم من أين حصلت عليها... ما اذكره انها توفاه الله بشهر شباط 1993 و دفنت بمقبرة سحاب قرب قبر جدي... كمثل ما في يوم سيدفن الشعوب العربية أوجاعهم من الغربة والعزلة والفقر والفساد ، أنها العجوز الجميلة التي اقتحمت جلستي، أنها جدتي فاطمة حسين صالح من بيت محسير إحدى قرى القدس العربية الإسلامية المسيحية .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد