في ثنائية الحوار (الربيع العربي أنموذجا)

في ثنائية الحوار (الربيع العربي أنموذجا)

02-11-2011 07:10 AM

يشكل الحوار ظاهرة انسانية اجتماعية جَمعية تستلزمها الأوساط الانسانية كافة، فمن حيث هو ظاهرة انسانية؛ فذلك لأنه نشاط عقلي ولفظي.

ومن حيث هو ظاهرة اجتماعية؛ فذلك لأن المتحاورين يقدمون فيه الأدلة والحجج والبراهين التي تبرر وجهات نظرهم بحرية تامة من أجل الوصول إلى حل لمشكلة أو توضيح لقضية ما، فلا حوار بلا مجتمع وشراكة.

ومن حيث هو مطلب جمعي تستلزمه الأوساط الانسانية كافة؛ فذلك لأنه ظاهرة تحضر في الأوساط السياسية والأوساط الاقتصادية كما تحضر بالفطرة في الأوساط العائلية، تلتزم مجالس الآباء والخطباء كما تلتزم مجالس الساسة والأدباء، يتقن ترجمة مفرداته العلماء كما يتقن فعله الأب بفطرته وسطوته وسماحته وتحسن تطبيقه الأم بعباراتها البسيطة وانفعالاتها الغاضبة حينا والرقيقة، يحاول تجسيد شكله الابن بكلماته المتلعثمة ورغباته المتبعثرة وتصرفاته غير المبررة حينا آخر.

فيسقط بردا أبيض يأنس المتلقون به طورا، ويحمل ريحا صرصرا يتلحف به الغشيم طورا آخر. لا يملك من أدواته كثير من الناس، ولا يحسن مطاولته قصير الهمّة ولا يدقن السير في دروبه ضعيف النظر. يتم من خلاله تبادل الأفكار فتتفاعل فيه وبه الخبرات وتتلاقح، كما تتلاقح رياحين الزرع بالفم الذي يحمل العسل، ويساعد على تنمية التفكير وصقل شخصية الفرد.

ومن خلاله تولد أفكار جديدة وينشط الذهن، وبممارسته يتم التخلص من الأفكار الخاطئة، وبتطبيقه تطبيقا صحيحا نصل إلى الحقيقة . وحتى تتحقق كلّ هذه الفوائد لابد من امتلاك أدوات الحوار والتمتع بآدابه، فللحوار آداب جمة ينبغي على الأطراف كافة التحلي بها والالتزام بمفرداتها حتى لا يتحول كلامهم إلى مراء أو جدال من غير قصد يُذكر، أو يكون الحوار سعيا للشهرة لغرض المخالفة عن جهل وعبط يُذم ويُنكر.

فلابد أولا: أن يكون الأطراف كافة على علم تام بموضوع الحوار، غير أن الواقع العربي يكشف عن تصوير بشع لبعض مظاهر الحوار في مجتمعاتنا العربية تعكس ذلك ثقافتهم المشوّهة وقصر تطلعاتهم الى ما يريدون وما يحملون.

 ولا بد ثانيا أن يكون لدى أطراف الحوار كافة الاعتراف بالخطأ في حال خالف الصواب. غير أن ما نراه هو عكس ذلك، فقلّة قليلة منهم تفعل ذلك، بل لا أتجاوز الحقيقة إن قلت: إن مثل هذه الثقافة تغيب عن عبارات المتحاورين وألسنتهم، وربما يعضد هذا القول إن كثيرا من المتحاورين يعتقد الصواب هوية لفكره، ويقلد الغيم العابر طوقا لعباراته.

ولابد أن يتأدب كلّ طرف مع الآخر باختيار الألفاظ المناسبة التي يرتضي المحاور أن يسمعها من غيره. فليس بالضرورة بمكان أن نعدّ الطرف الآخر من الحوار خصما لدودا يطلب كشف الأنياب والرمي بما يلذع من شوك الكلمات وقسوة العبارات.

 فلكل منّا فكره وعقيدته؛ فوجب لذلك أن يحترم كل طرف عقيدة الطرف الآخر ومبادئه وأن يراعي نفسيته وإنسانيته. ولابد أن يكون الدافع الرئيس لدى جميع أطراف الحوار إصابة الحقيقة، والوصول إلى الصواب والحق هو الهدف من خلق هذا الحوار أو ذاك. فلا يكون الحوار لمجرد الشهرة من خلال المخالفة والتنديد بالآخر.

كما لا يجوز رمي الناس بما ليس فيهم فنقع في المنطقة المحضورة (أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ). ولابد من البعد عن الغضب وأسبابه مع الحرص على الاعتدال حتى ينتهي الحوار، وقد طُرحت جلّ مفرداته على طاولة من التسامح والهدوء والعقل والمنطق، فلا غلو في طرحها ولا تهميش للرأي الآخر؛ فالاصغاء للآخر والاستفادة من طرحه وكبت جماح النفس عند الرغبة في الجدال مطلب أساس من مطالب الحوار، وإلا لفقد أدب الحوار رونقه ومات وقعه وقيمه. وأن يكون لدى الأطراف كافة قدرة على التعبير ومرونة في الحوار .

 فالتعبير فنّ وموهبة يتطلب حسن الأداء ولطفه، والبعد عن التشنج في الحديث وعقده . وإلا لم يكن لقول العرب ونصّه: رأس الأدب كله الفهم والتفهم والإصغاء إلى المتكلم قيمة تذكر . ويبقى ما يحدث على مسرح الأمة العربية في زمن يصفه بعضنا بالربيع العربي ويصفه الآخر بالخريف الذي تتساقط فيه الورد والأوراق شاهدا على هذا الذي استطلب مني الكتابة والتعبير فيه.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد

توقّع إنجاز اتفاقيتي امتياز لشركتين نقبتا عن الفوسفات بالريشة

وزيرة التنمية الاجتماعية تزور دار سيدة السلام

مدير الخدمات الطبية الملكية يتفقد مدينة الحسين الطبية

السبت دوام لمديريات الضريبة وتمديد دوام الاربعاء المقبل

أبو علي: صرف رديات ضريبة للمكلفين المستحقين إلكترونيا الأحد

إسرائيل تتوعد بمواصلة العدوان على لبنان وسوريا وغزة واليمن

بدء محادثات بين كمبوديا وتايلاند لإنهاء النزاع الحدودي بينهما

سياحة الأعيان والنواب تبحثان التنسيق المشترك

ماكرون: بحثت الوضع في أوكرانيا مع أمين عام حلف الأطلسي

انخفاض أسعار الذهب في التسعيرة الثانية محليا الأربعاء

فصل مبرمج للتيار الكهربائي عن مناطق في بني كنانة

التعليم العالي: 480 ألف طالب على مقاعد الدراسة في الجامعات الأردنية

تشكيل لجنة في جرش للحد من الإلقاء العشوائي للنفايات

السياحة: ميزات مهمة للمسافر الأردني للولايات المتحدة

تركيا: تحليل الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبي في دولة محايدة