الجودة في السياسة

mainThumb

06-12-2011 06:49 AM

الجودة مفهوم انساني مرتبط باشباع الحاجات ، وبينما انخرط علماء الاجتماع في دراسة احتياجات الانسان الفسيولوجية والامنية والاجتماعية ، واحتياجاته للاطراء ولرضى الذات منذ القدم ، تاخر علماء الجودة في سبر غور موضوعهم وحجز مساحة كافية له في خريطة الاحتياجات الانسانية ، ومن ثم تعميمه على الناس ليصبح متطلب حياة مثل بقية الاحتياجات .

الا ان تعدد وتطور مناحي الحياة نفسها واختلاف اساليب تعامل الناس مع احتياجاتهم وقدراتهم على اشباع تلك الاحتياجات فرض مفهوم الجودة على واقع الناس واصبح الشعور به موازي للشعور ببقية الاحتياجات ، وبينما اهتمت معظم الاحتياجات بموضوع الكم تخصص احياج الجودة بمفهوم الكيف.

 وقد عرف علماء الجودة الجودة بانها صلاحية الشيء للاستخدام ، كما عرفها البعض بانها جزئية الاشباع عند الاستخدام، والعلاقة بين الصلاحية والاشباع علاقة يمكن فهمها على انها حالة من التدرج في الاستخدام لكن الاشباع اعلى مرتبة الى حد ما. واما ما اراه في هذه التعريفات فاني اقتبس من الحكمة الاهية الاية الكريمة التي تقول " ولسوف يعطيك ربك فترضى " فاعتقد بانها تعني في بعض ما تعني ان الرضى هو اقصى غايات تغطية الاحتياج ، اذا فالجودة هي العنصر المؤدي للرضى في موضوع الاحتياج ، وبالتالي تصبح الجودة من وجهة نظري هي المفهوم الذي يعنى بالرضى عند التعامل مع الاحتياجات كما وكيفا.

ولما كان تطور علوم الجودة انعكاس لتطور وتعدد مناحي الحياة ، واصبحت السياسة والانظمة السياسية متطلب حياتي يعني كل فرد في الامة ويؤثر في مجريات حياته اليومية بشكل مباشر اصبحت السياسة المناسبة والتي يرضى عنها الفرد في المجتمع موضوع حاجة ماسة وليست موضوع رفاهية يعنى بها البعض او كفرض الكفاية اذا اهتم بها البعض تسقط عن الاخرين .

والمرجعية لهذا الافتراض تظهر جلية في مواضيع رئيسية مهمة في الحياة ، منها على سبيل المثال الدور الذي تلعبه الانظمة السياسية في سد احتياجات الانسان الاساسية كالمأكل والمشرب والملبس والتعليم والتنقل من مكان لاخر ووسائل كسب الرزق والامن والامان ، وبالتالي فان على تلك النظم ان توجد الوسائل التي ترضي الناس في هذه المجالات اي ان تتوخى الرضى عند الناس بشكل عام وبشكل تفصيلي، وبمعنى اخر ان تكون انظمة جيدة.

النظام الجيد هو النظام الذي يفهم حاجات الناس ويعرف اسلوب سدادها ثم يسدها بشكل مرضي ، وقد اثبتت الحركات القديمة والجديدة ان الشعوب تسكت عندما تكون راضية وانها تغير موقفها وتبدأ البحث في تغيير واقعها عندما ينقصها الرضى ، لانها تعتمد اولا واخيرا في صمتها وتقبلها للنظام السياسي الذي يسوسها على المدى الذي يغطي فيه هذا النظام احتياجات الناس ورضاهم ، فان جرى انتقاص في رضى الشعوب فان التغيير قادم ولا ريب ، وقد يكون في حركة الشعوب ململة وربما يكون هناك تاخير في الانتفاضات ، وذلك لا يعني التنازل عن الرضى ابدا وانما يعني الاعداد للقادم بالشكل الذي تراه الشعوب كيفا وزمانا ، والدلائل اصبحت في متناول اليد بين تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والعراق وحتى امريكا وبريطانيا.

 وقد يستطيع النظام السياسي ارضاء الناس بعض الوقت ولكن الناس لا يسمحون له ان يقصر ولا يغفروا له هفواته حتى لو سبق ان قدم الكثير الكثير وسينقلبون عليه في اول فرصة يروها مناسبة حين يتم تنظيم الصفوف وايجاد راس الحربة التي تهجم الهجمة الاولى ، والتاريخ يقول ان من اسقط النظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي هم من اقاموه ، وكذلك سقط النظام الاسباني والايطالي والالماني والشاهنشاهي الايراني وغيرهم ، حتى وان كان من وراء حركات الناس من خارج البلاد الا ان مطيتهم كانت دائما احتياجات الشعوب الى الجودة المفقودة في السياسة التي تؤدي الى سوء الغذاء والدواء والماء والطرق والمستشفيات والمدارس وما الى ذلك.

الانظمة السياسية غير الجيدة والتي تؤدي الى ان تتململ الجماهير تقامر بمصيرها مقامرة خاسرة ، فما ان يبرز رأس الحربة وحتى قبل استخدامها تهتز قواعد النظام ، لان الذي ينسوه ارباب تلك الانظمة انهم لا يستطيعوا ان يرسو كل اسس نظامهم على هواهم ، لا بد وان يكون في اساس ما او في ركن ما او في قاعدة ما من تربطه بالناس علاقات اوثق من علاقته بالنظام ن ويكفي لاسقاط ناطحة سحاب شامخة ان تنهار احدى قواعدها وليس كل تلك القواعد حتى وان كانت تلك القاعدة مدفونة في الارض ومنسية ، والذي يجري الان في سوريا لاوضح دليل ، فلو افترضنا ان الذين يتحركون في الشارع هم اقلية هامشية كما يقول النظام فان تاثيرهم على النظام عظيم ومأزق النظام هو الذي يراه القاصي والداني كل يوم وليس مأزق القلة المتحركة في الشارع .

 النظام السياسي الجيد هو الذي يعطي بكل طاقة ممكنة ، واذا اراد ان يحتفظ بوجوده عند الازمات فليكن صادقا مع امته ويقول لهم الحقيقة بالطريقة التي يفهمها الناس ليستمعوا اليع وينصتوا ويصبروأ ، فالسياسة الجيدة هي فن الصدق وليس فن الكذب لان الناس يحبوا ويحترموا من يكتشفوا انه كان صادقا حتى لو اغضبهم ، ويمقتوا ويثوروا ضد من يكتشفوا انه كان كاذبا في حكمه وحتى قوله حتى ولو ارضاهم لفترة زمنية طالت ام قصرت .

وعلى النظام الذي يكتشف بانه لا يستطيع الاستمرار في سد حاجات الناس لدرجة الرضى ان يتنازل ويترك الساحة طوعا لمن يستطيع والا فانه تاركها تاركها.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد