الظلم مرتعه وخيم والعدل جنة ونعيم

mainThumb

08-12-2011 09:57 PM

ان الظلم كلمة تحمل في طياتها العديد من المعاني الثقيلة على النفس الانسانية كالقهر والحرمان ليولد الحقد والكراهية التي تؤدي الى رغبة شديدة في الانتقام , ولقد انتشر في هذا الزمان كانتشار النار في الهشيم, والناظر في أحوال الناس اليوم يرى امرا عجيبا من ظهور الظلم وتفشيه وتكشيره عن أنيابه ويرى الذين استمرؤوا الظلم ورضوا به منهجا للوصول الى غاياتهم وتحقيق مصالحهم الدنيوية, وأشد ذلك ما نراه من تعيينات وتمديد خدمات واعادة تعيين لهذا وذاك بعقود عالية الرواتب دون الالتفات لمن يستحقه من أولئك النفر الذين ليس لديهم واسطة لتشملهم بمثل هذه المكرمات من قبل من يتولى زمام الأمر, فها نحن نرى أبنائنا وبناتنا يتخرجون من الجامعات من كليات الهندسة وغيرها ويجلسون في البيوت بعد عناء طويل ومصاريف باهظة تحملها أولياء أمورهم ولا يدرون الى أين سيسير مركبهم فهم والحالة هذه حائرون وغيرهم من أهل الواسطة يتنعمون بالوظائف سواء في القطاع الخاص أو العام وترى الزميل الذي تخرجت معه وصل الى أعلى المناصب وما زال زميله المسكين الآخر ينتظر رحمة الله التي وسعت كل شيء, والكل يعلم أن الله لا يحب الظالمين وأنه سبحانه يمد للظالم في رزقه ويطيل في أجله ليس رحمة به ولا رضى بما يصنع بل ليستدرجه حتى اذا أخذه لم يفلته. وهكذا نرى أن هناك من الموظفين من يطلب تمديد خدمته لظروف قاسية تمر بهم أجبرهم الزمان والحل والترحال على ذلك وهم من أهل الكفاءة والخبرة فلا يمدد لهم وغيرهم يمدد لهم بمكالمة هاتفية أو بلقاء ما على مائدة من الطعام الدسم دون وجل أو مسيرة تعب.

وأنا أقول في هذا السياق أن على المسؤول وأي مسؤول أن يتقي الله في من هم دونه واذا دعته قدرته الى ظلم الناس فليتذكر قدرة الله عليه , وليعلم أن دوام الحال من المحال وكل حال يزول وكل نجم لا بد له من أفول, ولتكن حوادث الدهر عبرة وموعظة لنا , ولنحذر من المظلوم سهما صائبا ولنعلم أن دعاءه لا يحجب. وقد حثنا رسول الله على عدم تبني الظلم كأداة للهيمنة حيث ورد في الحديث القدسي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( قال الله يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)
روي أن طاووس بن كيسان اليماني دخل على هشام بن عبد الملك فقال له: اتق الله  واحذر يوم الأذان, فقال هشام : وما يوم الأذان؟ قال طاووس: قوله تعالى فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين, فصعق هشام بن عبد الملك , فقال طاووس: هذا ذل الصفة فكيف ذل المعاينة. فالعدل فضيلة الحكام واتصاف الحكام به من خصب الزمان وأخضر الأراضي وبه يدوم الحكم ويتقوى السلطان ويطمأن في حكمه. ومن هنا فان المسؤول في ادارة أي دائرة ما يجب أن يكون متزنا في حكمه على ما يتعرض له من أمور لأن التهور في اصدار الأحكام يؤدي بالناس الى المهالك ويعرض الأمة للخطر, فالعدل يقضي على الطائفية والقبلية, فلا استثناء في العدل  وما بقي اليهود والنصارى وغيرهم في بلادنا الا بتحقيق العدل. وليكن شعارنا أنه "اذا ظلمت من دونك فلا تأمن عقاب من فوقك" , فكل منا له مسؤول ولا تخلى المسؤولية من أحد ,  ولنؤمن بأن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون, والبشر بطبيعتهم يخطئون وحتى مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم لم يخل من قاتل أو لص أو منحرف ولكن المجتمع كان بشكل عام مجتمعا فاضلا متماسكا يقف كله في مواجهة أي انحراف أو خروج على النمط الاجتماعي الاسلامي, وكل فرد كان يعتبر نفسه مسؤولا أمام أي خروج من ذويه عن الطريق الحق, فكان الشعب كله مسؤولا وليس الحكومة هي المسؤولة وحدها عن التطبيق. فالظلم قد حرمته كل الأديان لأن في ذلك طمأنة للشعوب وزيادة في المحبة والتآخي  والتماسك فلا يستطيع الأعداء النيل منهم أبدا. فلنجعل العدل يعلى ولنجعل الظلم يمحى.

وما نحن به من حال من قيام الاعتصامات والاحتجاجات والثورات ومن تلاعب الشرق والغرب بشؤون المنطقة الا بسبب عدم توفر العدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين وها أنتم تلاحظون وتشاهدون ما حل بأمتنا العربية وما ترتب عنها من نتائج انعكست سلبا على حياة الأمة وحتى السرعة في تخلي الشركاء من شرق وغرب عنا حسب قراءة كثير من الناس. ويتبين من خلال الثورات أن العدل وأداء الأمانة هما الحل وصمام الأمان مما تعانيه أمتنا, فلو كان العدل هو السائد في دولنا لما تردت الأمور الى هذا المستوى , فالظلم والفساد والحرمان والتخلف بشتى صوره وأشكاله سواء على مستوى الراعي أم الرعية لا يجتمعان تحت سقف واحد مع العدل والأمانة. وما تطلب الشعوب من دولها هو أن تحترم خيارها بتولية أهل الثقة والصالحين المصلحين في أمورها آخذة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية بعين الاعتبار . فالعدل هو أن تتساوى الناس في السراء والضراء وأن يحترم من يتولى أمر الناس مهما كان منصبه رأي الآخرين فيستمع اليهم ويجادلهم بالتي هي أحسن وأن تحترم الأمة قوتها وقضاياها معتمدة على ذاتها فلا تبقى تحت رحمة الآخرين وأطماعهم. وهكذا فاذا ما تحقق العدل فان الشعوب ستنعم بالأمن والأمان. ويقول الشاعر:
فاياك والظلم مهما استطعت    فظلم العباد شديد الوخم
ويقول شاعر آخر:
لا تظلمن اذا ما كنت مقتدرا    فالظلم آخره يفضي الى الندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه      يدعو عليك وعين الله لم تنم
ان داء الكبر والعظمة مرض خبيث لا يتلذذ صاحبها الا بتنغيص عيش الآخرين فعليك ترويض نفسك بالحلم والعفو واللين, وأما أولئك الذين يبحثون عن المال وكسبه بطرق غير مشروعة فانما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا وسيكون الواحد منهم دوما عبدا للمال فلا يقتنع حتى ولو كان له واد من ذهب.
ان  من أهم العوامل المؤثرة في تكامل المجتمعات وازدهار الحضارات هو الالتزام العملي بالعدالة وتثبيت الخطى في طريقها في كل ميادين الحياة, كما أن الخروج عن جادة العدل والانحياز نحو الظلم والجور والاستبداد من أهم عوامل سقوط الأمم وانهيار الحضارات, فالعدل قوام الحياة البشرية والظلم مؤذن بخراب العمران.
فاذا وضعت الشيء في غير موضعه فقد ظلمت وانك ان رضيت لغيرك ما لا ترضاه لنفسك فقد ظلمت وان لم تحكم بما أنزل الله فقد ظلمت. فالظلم وحش يقتل بلا أنياب وهو كالماء في الفيزياء لا شكل له ولا لون الا أنه يخالفه في وجود الطعم.
فالظلم ظلمات وله أشكال متعددة فالبناء مثلا ظالم حينما ينهار بناءه على رأس بيت أهله نتيجة اهماله , والسارق لخزانة الدولة ظالم حين يأخذ رزق الناس الغلابى بغير حق وبطونهم جائعة. أو لم يعلم من هو قائم على أي رعية ما أن الظلم في أمور قد يراها صغيرة قد تكون كبيرة في أعين الآخرين ثقيلة الواقع على القلوب! أو ما سمع بقصة الوزير الذي لطم رجلا فرد عليه بعجب وقهر " أتظلمني! والله لأرجمنك بسهام الليل , فينطلق ساخرا قائلا " اذهب أنت وسهامك , وذات يوم دخل المظلوم بوابة المدينة فرأى يدا صافعة معلقة على بابها فتذكرها وسأل عن قصتها , فاذا بالأمر يبلغه أن الخليفة غضب على الوزير فقطع يده. وهكذا أعطى الله للرجل حقه ونصره على ضعفه مصداقا لقوله تعالى " لأنصرنك ولو بعد حين".
وقد استغرب الصحابة عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انصر أخاك ظالما أو مظلوما" قالوا ننصره مظلوما ولكن كيف ننصره ظالما؟ قال "ترده عن ظلمه فذلك نصره". فعلى المسؤولين تطبيق القوانين العادلة على مجتمعنا وان لم يكن ذلك فسنجد هناك فجوة عميقة بين النظام الحاكم وشعبه وسرعان ما ينقلب الشعب وتفلت الأمور كما حدث في بعض دولنا العربية وسنجد المخلصين من مدنيين وعسكريين حين يرون الترقيات تذهب لغير أهلها قد فقدوا ولائهم مع الزمن لحكامهم وابتعدوا عن ممارسة الجد في العمل والاخلاص والمثابرة الا من رحم الله. فالشعوب لن تتجاوب مع كل ظالم وستخذله عند أول منعطف مما يولد فيما بعد انفجار ثورة عاصفة تعصف بهم وهذا لعمري ما نراه في عالمنا العربي اليوم , وحينما سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه " أيوشك أن تخرب القرى وهي عامرة قال نعم "اذا علا فجارها على أبرارها". وحتى نتخلص من مثل هذه النتائج الوخيمة فلا بد من رفع الظلم وتحقيق العدالة واعطاء كل ذي حق حقه لأن في غياب العدل والحق والاستقامة ستكون هناك فوضى عارمة تلف مجتمعاتنا وتقضي على كل انجازات الوطن التي بنيت بكد سواعد أبناءه طوال القرون الماضية. وقد أوصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحد خلفائه قائلا " أوصيك أن تخشى الله في الناس ولا تخشى الناس في الله". واذا رغب من يتولى الأمر في أي عمل ما أيا كانت مسؤوليته عن العدل رغبت الناس عن طاعته. فبالعدل نسيد وبه نقهر الأعداء.
فما أحوجنا للعدل وتطبيق ما يقوله مرؤوسونا على أنفسهم أولا عملا وفعلا لا فيه رياء أو نفاق وعلى أنفسنا طاعة لا فيها كبرياء ,ولتفتح أبواب التوظيف والمشاريع لتوظيف العاطلين عن العمل وتوزيعها على المحافظات بعدالة, ولتنهى ما يسمى بالبطالة المقنعة في المناصب العليا, ولتنفذ الحكومة ما تكلف بها من أعمال من قبل سيد البلاد جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم حتى يعم ديارنا الأمن والسلام, فلو نفذت كل حكومة تأتي ما تكلف بها من مهام مكتوبة في كتاب التكليف السامي لما رأينا ما نراه من اعتصامات واحتجاجات قد تؤثر سلبا على سير التنمية وتحقيق ما نصبوا اليه من رقي وازدهار وتقدم.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد