أدوات الاتصال الاجتماعي والحراك الشعبي

mainThumb

14-12-2011 08:23 PM


لعبت وسائل التكنولوجية الحديثة وخاصة ما يسمى " بالفيس بوك و تويتر وغيرها" من هذه الأدوات دورا هاما في تشكيل الرأي العام وتحريك الشعوب , وقد تناغم استعمالها للتعبير مع ما يجري من خواطر ومشاكل واحباطات وأحلام مستقبلية تألف لها قلوب الشباب بهدف توصيلها لأكبر عدد ممكن من هذه الشريحة التي لها ثقلها يحسب حسابها في كل مجتمع متحضر , ولتقريب وجهات نظرهم من خلال طرح أفكار متنوعة تجتمع غالبا على قضية واحدة ترتبط بالحرية والعيش بكرامة , ونيل الحقوق المهضومة , ودرء الفساد الاداري والمالي , واستثمار قدرات وطاقات الشباب العاطل عن العمل على أفضل وجه ممكن وبشكل ايجابي لانخراط أوسع في القضايا المصيرية الملتهبة , وتحقيق العدالة بين أبناء المجتمع الواحد , والتعايش السلمي على مبدأ  توفير الأمن الوظيفي والأمان لكل مواطن .

 وهكذا كانت هذه الوسائل دافعا ومعززا لتبليغ ما يخلج في خواطرهم من رغبات ومشاعر وآلام ومشاكل لتوصيلها للرأي العام المحلي والدولي . وعن طريقها أتاحت  لملايين العيون والشهود الفرصة ليتعرفوا عن أي حدث في فترة زمنية قياسية, وامكانية ايصال الأخبار بالرسائل النصية في كل اتجاه. وقد كثر تداولها مما يمكن أي شخص من تجاوز حدوده الجغرافية والقمعية لتصل قصته بالصوت والصورة للرأي العام العالمي, ولم تقف كل أساليب التعتيم والدعاية التي تبنتها تلك الأنظمة من  انتشارها , بل على العكس زادت حدتها وانتشرت وسهلت  امكانيات التعاون والتنسيق والتنظيم  بينهم بشكل لم يكن متاحا من قبل.

ان مثل هذا النشاط التواصلي الذي أصبحت مواقعه رافدا اعلاميا الى جانب المحطات الفضائية قد زاد انتشاره في المدة الأخيرة , وأصبح يأخذ بعدا سياسيا بعد أن كان  دوره اجتماعيا , وأخذ شكلا من أشكال التفاعل المبني على تبادل الآراء والمقترحات وصياغة القرارات وكيفية تفعيلها وتنفيذ آلياتها.

 ومن هنا فقد أصبحت نافذة يتواصل من خلالها مع الشعوب , والتعرف على وجهات نظرهم,  والاجابة على أسئلتهم, فكانت لها دور في تغيير عادات الناس وطرائقهم في التفكير والتدبير. ومن هنا بدأ الجمهور الشبابي يتعلم من بعضه البعض فيتلقون الدروس في كيفية تنظيم الحملات وفي الديمقراطية وتفعيل أنشطتهم ويطبقونها على أرض الواقع حسب قناعاتهم وما يجدونه فعالا بحق بالنسبة لثقافاتهم, وهكذا ظهر الفيس بوك كبطل اعلامي في كل مشاهد الثورات العربية الأخيرة , فأصبح وسيلة التواصل الاجتماعي الأكثر انتشارا في تحقيق التعبئة البشرية نحو أهداف معينة لاحداث التغيير, فكان حقا حاضرا بقوة في عدة بلدان عربية.

والناظر لهذا الجيل من الشباب يرى ان الحياة بالنسبة لهم قد أصبحت افتراضية بامتياز,  حيث يقضي معظم وقته وراء شاشة الحاسوب لتسيطر عليه شبكات التواصل الاجتماعي تعبئة وتوجيها مما يفضي الى احداث تنظيمات وتأطير سياسي غير مسبوق,  وهذا ما يزيد الوعي العام لمجريات الأمور , ويكون بالتالي ادراكا شعبيا عاما للمطالب الأساسية التي بعدها يمكن البناء عليها مستقبلا للمطالبة بحقوق أخرى . ومن هذا القبيل نرى ان خطاب الشباب كان واقعيا ومؤثرا يأتي نتيجة محاكاته للعقل وملامسته للوجدان النابع من حاجته ورغبته الصادرة عن قناعة واردة , فكان له صداه المدوي الذي أثر على تغيير تفكيرهم واهتماماتهم , فكان والحالة هذه ماردا تقنيا قد أقضى مضاجع أصحاب النفوذ وحقق لهم مرادهم الذي انعكس سلبا فيما بعد على تحقيق بعض طموحاتهم ونيل كل ما يتمنوه مما خلق مشاكل جديدة كان يجب أن يحسب حسابها والتعامل بها بروية وعقلانية.

ومن هذا الطرح أقول بأنه لا يمكن لأحد اليوم , خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي عصفت بالمنطقة العربية وغيرت وجهها السياسي أن يتحدث عن الاعلام العربي دون الوقوف على الاعلام الالكتروني, وذلك لأهمية مواقع التواصل الاجتماعي في التأثير على تغطية الأحداث اذ مكنت كل مواطن من أن يكون مراسلا وناقلا للخبر عبر التعليقات , ومقاطع الفيديو التي صورت من الشارع حقيقة ما يحدث , هذا بالاضافة الى الساحة التي احتلتها قنوات البث التلفزيوني وتباين مواقفها وآليات تعاطيها الاعلامية مع الثورات , والتي شكلت بدورها محورا للنقاش في تبدلات الاعلام العربي المعاصر كأدوات ومواقف وصولا الى محاسبة مهنية هذا الاعلام.

لقد شهدت منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة , وخاصة في العواصم العربية تصاعد وتحركات شبابية على مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيم مظاهرات اجتماعية وثورات من أجل التغيير , فتعاظم دورها مما أفضى الى اندلاع احتجاجات شعبية وثورات اجتماعية في عدة دول عربية للمطالبة بالاصلاح السياسي والقضاء على الفساد والاطاحة بزعمائها. وهذا يدعونا الى النظر بعمق بعين فاحصة, ونظرة ثاقبة لقراءة طبيعة هذه الأحداث, لأن مثل هذا التطور الذي صاحب عمليات التغيير في هذه المرة قد جاء مخالفا لما هو معهود به اذ أصبح لا مكان للانقلابات والأنشطة السياسية التي تستخدمها الأحزاب في مواجهة الأنظمة الحاكمة, فهناك آلية جديدة ومتطورة تحكمها الميديا والتقنيات الحديثة التي أصبحت أدوات اعلامية مؤثرة في مخاطبة الشعوب. وهكذا نرى أن هذه الأحزاب كانت تغرد خارج السرب وتكرر نفس شعاراتها التي أدت الى الملل, وأن أقطاب ورموز الأنظمة التي تتصارع من أجل اثبات نفسها بدأت وكأنها خارج النسق العام متسمة بالروتين القاتل في تصرفاتها وسلوكياتها وبالخمود وقلة العضوية الفاعلة أحيانا.

ان قوة الشباب قد أظهرت قدرتها على التغيير وأخذ دورها الايجابي بقدر عال من الجدية , وفد أثبتت الثورات التي اجتاحت الدول العربية عمق الفجوة بين أنظمتها وشعوبها, وأن الشباب في واد والأنظمة في واد آخر مما دعا بعض الحكام الى محاولة تهدئتهم ومخاطبتهم " الآن فهمتكم" ولكن بعد فوات الأوان. وقد كانت وسائل الاعلام في السابق تعمد الى تغييب الشعوب وتوجيه خطاب مباشر لا يخدم ولا يحقق الا مصلحة طرف واحد هو السلطة, وأن اعلام كليل العين كما يقال لا يرى الا محاسن اصحابه قد أفل نجمه مع توظيف مثل هذه التقنيات من قبل الشباب.

وهناك تساؤلات حول مستقبل مواقع التواصل الاجتماعي ودورها ما بعد الثورات, وحول بروز ظاهرة "منافسة الحكومات" للشباب عبر هذه المواقع, وتخوف من اختلاف بعض جمهور التواصل الاجتماعي عن جمهور الواقع الذي نزل الى الشارع. ولقد أظهرت الأحداث لأصحاب القرار أن الشباب ليسوا سطحيين بل مناضلين يتوقون الى الحرية وخير من يدرك قيمتها ويسعى للحصول اليها, وقد تبين لهم أن هناك واجبات محدودة ومسؤوليات مشتركة تتعلق بتحقيق علاقة بين الجميع تقوم على أساس الاحترام المتبادل وحسن التعامل الذي يغرس الايجابيات في قلوب الناس, ويحد من تقصير السلبيات بينهم بما يحقق أفضل النتائج الانسانية التي تضمنها جميعا أمما وشعوبا. فكان واجبا عليهم تنمية الايجابيات والحث عليها ووضع القواعد والقوانين للمحافظة عليها والتقليص قدر الامكان من السلبيات لفتح آفاق التفاهم ورؤى التعاون ليعم السلام والمحبة أرجاء المعمورة.

فعلى الحكومات أن تبادر باستخدام وسائل الاعلام الرقمي الاجتماعية وعدم الانتظار حتى تجد نفسها مضطرة لاستخدامها للتواصل مع الجمهور لتستوعبهم, وأن تعي أن هذا أمر لا مفر منه وحاجة ملحة كي يستديم التواصل مع الشباب , وتفهم قضاياهم فتسرع لحل مشاكلهم, وأن تسخر الدول هذه الوسائل لرفاهية شعوبها لا أن تكون أداة للقمع وزرع الفرقة, وتوظيف كل ذلك بطرق  تمتاز بالديمقراطية الحقة . ولكن على الشباب توخي الحذر عند استخدامها لبعض خطورتها أحيانا, وحتى يتجنب الشباب خطرها عليها أن تدرك ما يلي:

1- ان هذه الوسائل تفتح مجالا لسرقة المعلومات الشخصية وان محركات البحث مثل جوجل وياهو تهدف لبناء دليل الكتروني عالمي يحتوي على أكبر قدر ممكن من المعلومات والتفاصيل الشخصية  والتي تكون عرضة للانكشاف.
2- تجاهل هذه المواقع خصوصية أعضائها فتستغل صورهم ونشاطاتهم الاجتماعية وبيعها لشركات التسويق العالمية.
3- تحول الموقع أحيانا لممارسة عمليات تجسسية كثيرة بل ولعمليات مشبوهة وذلك بجمع المعلومات عنهم وتوظيفها لحساب جهات ربما تكون معادية , وهذا ما دعا بعض الحكومات الأوروبية الى التنبه لهذا الأمر الخطير وحجب مثل هذه المواقع.
4- استغلالها في غير طاعة الله ورد المنكر, وعدم الدفاع عن الحرمات ونيل الحريات والحرص على ما ينفع الشعوب لكونها واجهة اعلامية بديلة يتابع من خلالها الشباب كل ما يحدث من تطورات على ساحة الأحداث بعد أن فقد الشباب ثقتهم في مصداقية العمل الرسمي.
5- الخوف من تكوين علاقات غير منضبطة تسيء للمجتمع فتزيد الرذيلة بدلا من أن تكون أداة للفضيلة مما ينعكس ذلك سلبا على منظومة القيم التي يتحلى بها المجتمع.
6- الخوف من أن يكون هناك انتحال لشخصيات مشهورة مما يجعل الكثير من المستخدمين تجنب التواصل مع تلك الشخصيات خشية الوقوع في حرج جراء ما يتم وضعه من غيرهم على ألسنتهم في صفحاتهم الوهمية.
لقد فاجأ الشباب العربي الأنظمة الحاكمة بما قام به من منجزات عبر صوره المتنوعة مخالفا تماما لما كان يشاع عن كونه جيل تافه ينشغل بحقائر الأمور وليس له علاقة بالشأن العام, وبدأوا يدركون ان هذه الوسائل أصبحت تتحول الى جيش حقيقي يتحرك بمختلف الجهات مؤثرا بشكل مباشر على عقول الشعوب. وان ما  يدعو الى الاستغراب أن معظمهم من الشباب اللاحزبي كما هم يدعون , ولم تستطع حالات الطوارئ التي أعلنتها الأنظمة من كبح جماح هذه الجماهير أو القضاء على تجمعاتهم أو انشاء أحزابهم , وبعبارة أخرى فقد فقدت فاعليتها وبدأت هزيلة أمام ثورة الاتصالات الحديثة , لا بل على العكس قد أثبتت أن مع محاولتها لتعطيل هذه الأدوات الاتصالية قد انتقلت الاحتجاجات من العالم الافتراضي الى أرض الواقع في ميادين التحرير مما أربك جهاز الأمن ووضعه في صورة محرجة . ومن هنا نحذر بأن مثل هذه الوسائل التكنولوجية ستكون في الفترة المقبلة أكبر عامل مؤثر مسؤول عن صياغة عقول الشباب , وستنمو هذا النوع من الشبكات الخاصة بالتواصل الاجتماعي لايمان الشباب بها , وستأخذ زمام المبادرة في وضع الاستراتيجيات والتكتيكات وما يتخلل ذلك من مطالب لكونها قد أصبحت متنفسا اعلاميا للمجتمع المدني الشاب ومكانا مجانيا للاعلان والتواصل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد