وأخيرا وبعد مخاض مرهق وحراك شعبي وأزماتمتلاحقة لمجتمع المعلمين.. انفض المولد وأقرَّت الحكومة . مشروعية علاوة التعليم وأحقيتها..وزفت بشرى الاتفاق الذي شهدناه .. بعدالموافقة على الكثير من الجوانب الخلافية التي كانت محط مد وجزر .. والمتمثلة فيآليه صرف تلك العلاوة وجدولتها حسب إمكانات الحكومة ..وكذلك توحيد العلاوات لكافةالفئات وما يترتب على ذلك من تبعات وما يلحقها من إجراءات .. في خطوة في الطريقالصحيح نحو نظرة منصفه للسعي من خلالها إلى منح المعلمين كامل حقوقهم الوظيفية..بالاحتكام إلى الفكر والمنطق والعقل بعيدا عن العصبية والتشنج حفاظاً على الأردنآمنا مستقرا..
وما أثلج صدورنا جميعا .. هو الحكمة والعقلانية والصبر التي اتصف بها معلمونا عندأشد الظروف مما عكس الوجه الحقيقي لهم نحو مساعيهم المشروعة .. وهذا ما يبررعودتهم السريعة إلى أداء رسالتهم داخل الغرف الصفية بوقت فاق كل التوقعات ذلك ماأسكت كل الأبواق التي حاولت النيل منهم بما لا يليق بسمعتهم ومكانتهم عبر وسائلالإعلام بمختلف صورها .
أما الآن !! وبعد أن امتلكوا الوعاء الحقيقيممثلا بمشروعيتهم المهنية والنقابية .. وبعد الارتياح والتفاؤل العام في أواسطهم.. ماذا بعد ؟ وما هي الخطوات التالية ؟ يجب البحث في المرحلة اللاحقة .. من خلالتهيئة الظروف المناسبة لانتخابات مجلس نقابتهم ممثلهم الشرعي واختيار ممثليهم وفقنهج ديمقراطي مطلبي وحتمي .
وبذلك دعونا نقول وماذابعد ؟
فانا أقول أن المعلمينلهم استحقاقات مهمة يجب علينا الالتفات إليها بشكل كبير .. تتعلق برفع كفاءتهموفاعليتهم والارتقاء بهم لتحقيق غاياتهم المهنية المنشودة وبلوغ أهدافهم التربويةالنبيلة وتحقيق جودة أداء عالية بتصميم وعزيمة ورؤى عملية مثمرة .. بتمازج وموائمةمعارفهم وعلومهم.بعيداً عن أي قوة شدٍّ عكسية .
من هنا لا بد من الدخول إلى حياة العملالمعقدة لمجتمع المعلمين والتحدث بكل صراحة وموضوعية عن مدى امتلاكنا للمصادرالضرورية لإجراء الدراسات الانثوجرافية المفصلة حول أوضاعهم وتوزيعهم وتنوعتخصصاتهم وثراء أو فقر مستوياتهم المهنية وطبيعة أنشطتهم التعليمية ومستوياتهمالاقتصادية والاجتماعية ومدى تفرغهم للعمل التعليمي.. وهذا حتماً مؤشر واضحلحاجتنا الضرورية لتلك الدراسات في ظل رؤية واضحة للطبيعة المتغيرة لسوق العمل بمايمكننا من تقييم أوضاعهم والتحليل والربط بين ثلاث قضايا متشابكة.. تتعلق الأولىبتاريخ وسير المعلمين وحياتهم..والثانية بدراسة حياتهم الأكاديمية والعملية .. والعواملالأكثر تأثيرًا في أدائهم..
إن المعلمين - في يومنا هذا – يواجهون أوقاتاً صعبة.. وطبيعة متغيرة خاصة فيمايتعلق بعملهم .. وللمفارقة فإن هناك اتساقاً كبيرًا في هذا التغير على مستوىالعالم كله..كما وأن عمل المعلمين أصبح موضع تقييم ونقد وهجوم مستمر.. وفي ضوء ذلكيتم إعادة النظر في معايير أدائهم وأهداف ومحتوى برامج إعدادهم وتدريبهم وإعادةتأهيلهم..
إننا نعي تماماً أننا حين تسأل عن واقع المعلمين في حاضرنا .. نجد اتهامًا لهمبالتقصير أو التقاعس .. وغرقًا في الإحباطات وزهدًا في أدوارهم .. وتطاولاً علىمهنتهم ومكانتهم.... فالحياة العصرية أصبحت مليئة بالتغيرات السريعة في مختلفالميادين.. تلك التغيرات لا تدع فرصة لوضع سياسات تعليمية مستقرة..ولا تترك فرصةللمتعلمين لأن يجنوا ثمار تعليمهم.. وهي تنتقص - بشكل مستمر- من مستوى تأهيلالمعلمين وتسفه مهاراتهم ومعلوماتهم.. وتعقد ظروف عملهم.. أو حتى ظروف معيشتهم..نتيجة ما فرضته التطورات العالمية من تحديات على العملية التعليمية.. وما ترتب علىذلك من زيادة في والأعباء والمسؤوليات .. وبذلك لا بد لنا من التعامل مع كلالمواقف بكل همة ومسؤولية .. خاصة الجانب المهني .. وهذا يتطلب منا أن نعرج علىبرامج إعداد المعلمين التي ما زالت تحرص على ضرورة إعداد وتأهيل المعلمين بحيثيمتلكون ذخائر المعرفة بكافة فروعها التي ترى أنها مطلوبة وضرورية لكي نخرج معلمًامتمكنًا وفعالاً.. والابتعاد عن كم المعرفة - دون الكيف - في برامج الإعداد التيكان سببًا رئيسًا فيما آل إليه فهم المعلم للعلوم التربوية.. والتي أصبح يرى أنهاعلوم تسيطر عليها اللفظية والكلام النظري أكثر من التطبيق والإجرائية.
خاصة ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين قرن التحديات والتطور المذهل والسريع فيمجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وهذا يتطلب توظيف هذه التقنيات في العمليةالتعليمية .. وبحيث لا يصبح المعلم ناقلاً للمعرفة بقدر ما يصبح ميسرًا للحصولعليها من مصادرها المتعددة.. ولكن ما هو مدى اقتناع المعلمين بذلك ؟.. وما جدوى ماتم إنفاقه على تأهيلهم ؟ أو حتى ما تمت دراسته من نظريات التعلم وأصول التربيةوطرائقها .
إن غياب تحديد دقيق لطبيعة أدوار ومهارات وكفايات المعلمين وغياب القدرة علىمراجعتها والاستمرار في بنائها وتطويرها. أدت إلى وجود جحودٍ مجتمعي لأهميةولأدوار المعلمين وإنجازاتهم التي باتت مخفية وهامدة بشكل غير مقصود في بعضالأحيان .. وبشكل مقصود في البعض الآخر.. كما وأدت هذه النظرة إلى رفض الصورةالاجتماعية الموروثة عن المعلمين ومكانتهم في الأوساط الشعبية وفي الأوساط العلميةأيضًا .
لذلك يتطلب منا هذا أن ننظر إلى مهنة التعليم على أنها عمل له مواصفات ومعاييرخاصة به..مع مراعاة طبيعته المتغيرة تبعًا لتغير ظروف العمل داخل كل مدرسة..فبوجود هذه المعايير قد يخفف من حدة بعض المشكلات التي تحدث في المدرسة ويقدم لهاحلولاً تقنية أو كمية أو إدارية.
لذلك يجب ألا ننسى أن الهدف الرئيس الذي يعمل تحت ظله المعلمون هو تحقيق المطلبالمجتمعي في تخريج منتج تعليمي جيد..ومع ذلك فنحن لا نساعد المعلمين على تحقيق هذاالمطلب.. فهم يتعاملون مع أعداد كبيرة من الطلاب داخل الغرف الصفية الواحدة .. ممايشكل عبءً تدريسياً كبيراً عليهم.. فكل هذه الظروف تجعلنا نرى تناقضًا بين ما نسعىإليه وبين الواقع.. هذا بالإضافة إلى أننا شحنا عقول المعلمين بمزيد من الروتينوكثير من عادات العمل السلبية مثل : الشكلية والإتباع الصارم للتعليمات ..والالتزام بتنفيذ خطة تدريس المقرر من حيث الانتهاء من عدد من الدروس في وقت معينوبتتابع معين.. بغض النظر عن أي اعتبار لقدرات الطلبة أو رغباتهم.. فكان لذلكتأثيراته التي أكسبت المعلمين سمات معينة أصبحت معروفة ومنتشرة.. وأبعدتهم عنالتفكير في التجديد والابتكار.. وجعلتهم يفكرون على أنهم موظفون في القطاع العامالتابع للدولة كغيرهم من باقي موظفي ذلك القطاع.. يؤدون عملاً روتينيًا مطلوباًمنهم ..
إن وصف وتشخيص التدريس بوصفه شكلاً من أشكالالعمل يثير الكثير من التساؤلات حول أوضاع المعلمين كموظفين رسميين .. عملهم كعملأي موظف في أي دائرة حكومية أخرى بغض النظر حول الطريقة التي يعملون بها ومقدارالجهد المبذول .فهل نحن بحاجة إلى إعادة غربلة هذه الوظيفة وتصنيفها وفق معاييرترقى بالمعلم مهنيا وأكاديميا ؟
إن الحديث عن التنمية المهنية للمعلمين - في ظل كل القيود السابقة - حديثًادعائيًا .. فأصبح الكثير منهم ينظر إلى الجهود المبذولة والدورات والبرامج المقدمةعلى أنها فرصة للابتعاد قليلاً عن جو المدرسة وأخذ قسط من الراحة.. ولذلك فإن معظمالبرامج التدريبية لا تأتي بمردود يتناسب مع أهدافها ولكنها محسوبة كخطط تطويريةولكن واقعها الملموس لا يسمن ولا يغني من جوع .
وفق ما تقدمت به فأنني أقول ومن وحي تجربتي الشخصية في مجال التربية والتعليم :أننا وبكل صراحة بحاجة إلى ثقافة تربوية جاذبة ذات بعد كاريزمي تدفع بعض الزملاء المعلمينإلى حب مهنتهم ولن يتحقق ذلك إلا عبر إعلام مرئي موجه حيث سبق وتحدثت في مقالةسابقة على ضرورة إنشاء قناة فضائية تربوية أردنية تخاطب مجتمعات التربية والتعليمبكل فئاتها ليمكن استثمارها بشكل يثري العملية التعليمية التعلمية وكذلك إبراز دورالمعلم على كل المستويات .. وتجنيد واستنفار الطاقات الإعلامية لخدمة قضاياالمعلمين والتحديات التي تواجههم وإعلاء شأنهم وإجراء المقابلات معهم.. وإشراكهمفي الندوات والحلقات والحوارات التي تهم المجتمع وتزيد من التوعية بأهمية دورهمالطليعي في بناء هذا النسيج الاجتماعي ..
إننا بحاجة ماسة لدعوة الجميع إلى بناء اتجاهات إيجابية لدى المعلمين نحو دورهمكقادة تربويين صانعين للتغيير.. وساعين إلى تجويد التعليم بالابتعاد عن ممارسةالتعليم بأساليب تقليدية.. والأخذ بأيديهم إلى أعلى درجات التحصيل والتفوقوالإبداع العلمي والأدبي.. ليعملوا جميعاً على الارتقاء بأنفسهم والحفاظ علىكبريائهم والفخار بكيانهم والعمل على مواجهة التحديات والمعيقات أمام ذلك ..بأسلوب حضاري راق ..بحيث يُحفظ للمهنة هيبتها وكرامتها .
اعذروني إن أطلت عليكم ولكن تبقى شروط النجاح بالأخذ بالاعتبارات السابقة معتمدةعلى وجود دعم قوي من جميع الأطراف .. وللموضوع بقية
وفقنا الله لخدمة وطننا ومهنتنا التي أحببنا والتي ما زالت محدودة جدًا بكلالمقاييس..
Fsltyh@yahoo.com