العلامة محمد عدنان البخيت

mainThumb

03-04-2012 12:05 AM

 تقاس حضارة الشعوب والأمم بما لديها من مفكرين ومبدعين وعلماء. لذالك فإن تاريخ الأمم هو مستودع ذكرياتها، وهو مخزونها الوطني والقومي والتراثي، إليه تعود لشحذ الهمم ووصل الحاضر بالماضي استشرافا لمستقبل أفضل وإغناء لمسيرة الوطن ورفدا لها.

تزخر الأرض الأردنية المعطاءة بنخبة من العلماء والمفكرين والمبدعين الذين حرصوا على مواصلة ليلهم بنهارهم لإعلاء الصرح في بلد العزة والكرامة في أردن الخير والعطاء فهؤلاء النخب لهم منا كل الاحترام والتقدير ولا بد من الوقوف عند بعض انجازاتهم والتعريف بها.
ينعقد في رحاب الجامعة الأردنية هذه الأيام المؤتمر الدولي التاسع لتاريخ بلاد الشام والذي يحمل عنوان"الزراعة في بلاد الشام منذ أواخر العهد البيزنطي إلى نهاية العهد العثماني 1920" بمشاركة ثمانين عالماًَ ومؤرخاً وبالتعاون مع جامعتي اليرموك ودمشق.
وبيّن مدير مركز الوثائق والمخطوطات بالجامعة الأردنية العلامة الأستاذ الدكتور محمد عدنان البخيت أن المشاركين في وقائع المؤتمر سيناقشون على مدار خمسة أيام ما يزيد على ثمانين بحثا موزعة على اثني عشر محوراً يتناول فيها المشاركون في المؤتمر المادة المتوفرة في المصادر المطبوعة منها والمخطوطة والسجلات والدراسات المعاصرة، وستبحث هذه الأبحاث في مصادر الأمطار والمحاصيل الشتوية والمحاصيل الشتوية والمحاصيل الصيفية ووحدات الكيل والأوزان والمقاييس والأشجار المثمرة والضرائب، كما تتناول الثروة الحيوانية والأوبئة والجوانح والكوارث الطبيعية وتربية الحيوانات والتقنيات الزراعية في بلاد الشام وتطورها بالإضافة إلى القوى البشرية العاملة في الزراعة.
هذا وقد تناولت جلسة الافتتاح والتي عقدت صباح يوم الأحد الماضي 1/4/2012 كلمة رئيس جامعة اليرموك الأستاذ الدكتور عبد الله الموسى والتي أكد فيها على: "إن المؤتمر عالج في دوراته السابقة موضوعات تاريخية سياسية واجتماعية وثقافية لبلاد الشام، لإبراز تأثير هذه المنطقة من العالم على الحضارة الإنسانية، وأن المؤتمرات أولت التاريخ الشامي كل الاهتمام وركزت على مفاصل هامه في تاريخه، وأفردوا لفلسطين وتاريخها حيزاً تستحقه جلاء الحقائق وتذكيراً بها منعاً لتشويهها وطمسها".
ويعد العلامة الدكتور محمد عدنان البخيت من أبرز العلماء العرب المعاصرين حيث تزخر سيرته الذاتية بنتاج علمي زاخر أثرى المكتبة العربية بصنوف من روائع كتب التاريخ والثقافة والمعرفة.
ولد الدكتور محمد عدنان البخيت في بلدة ماحص الواقعة إلى الغرب من العاصمة عمان عام 1941 وتلقى تعليمه الابتدائي في بلدته ماحص ثم تابع دراسته في صويلح لينتقل بعدها إلى كلية الحسين في العاصمة عمان، هذا وقد حصل الدكتور البخيت على درجتي البكالوريوس والماجستير من الجامعة الأمريكية في بيروت في العامين 1963-1965، ونال درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من أكاديمية الدراسات الشرقية والإفريقية من جامعة لندن عام 1972.
عمل الدكتور البخيت في بداية حياته العملية مساعد باحث في الجامعة الأمريكية ببيروت خلال الأعوام 1963-1966 ثم معيداً في قسم التاريخ/كلية الآداب في الجامعة الأردنية ثم مدرساً وأستاذاً مساعداً إلى أن رقِّي إلى رتبة أستاذ عام 1983.
وخلال مسيرة حياة الدكتور البخيت الحافلة بقصص النجاح تقلد العديد من المناصب والمسؤوليات الأكاديمية والإدارية فهو مدير مركز الوثائق والمخطوطات ومؤسس مؤتمر بلاد الشام وعميد البحث العلمي ونائب رئيس الجامعة الأردنية، ورئيس جامعة مؤتة، وقام بتأسيس ورئاسة جامعة آل البت عام 1993.
ولأنه لكل مجتهد نصيب فقد حصد الدكتور البخيت العديد من الأوسمة والدروع والشهادات التقديرية نظراً لجهوده المميزة التي قدمها في سبيل البحث العلمي التي يصعب إحصاءها أو استعراضها، ومن أبرزها وسام الاستقلال من الدرجة الأولى من جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه عام 1992 ووسام الحسين للتميز والعطاء من الدرجة الأولى من جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين عام 2008 ووسام الحكومة الفرنسية من رتبة فارس للآداب والفنون للعام 2010.
ويُسجل للدكتور البخيت أعظم إنجاز علمي فكري ثقافي إستغرق منه أربعة عقود من الزمن وهو "موسوعة القدس" أو "مدونة القدس" وهو عبارة عن إنتاج علمي يضع تاريخ القدس بالوثائق والدراسات منذ العهد العثماني في يد أي باحث أو مهتم حيث يتناول الحديث عن سكان ومحلات وأسواق ودكاكين وبوابات القدس وسورها وحماماتها حيث يعد هذا العمل توثيقاً لتاريخ فلسطين، بالإضافة لهذا العمل التاريخي فقد قام العلامة الدكتور البخيت بإنشاء لجنة تاريخ بلاد الشام في الفترة مابين عامي (1972-1973) ليتم تناول تاريخ بلاد الشام من خلال إقامة مؤتمرات علمية موضوعية وإعداد ونشر دراسات علمية في مختلف الجوانب المتعلقة بتاريخ الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان في مختلف العصور من النواحي السياسية والتاريخية والاقتصادية والمالية والمعمارية والاجتماعية، وقد صدر عنها ثلاثة وأربعون مجلداً باللغتين العربية والانجليزية وقد أنجزت اللجنة عقد ثمانية مؤتمرات دولية بالتعاون بين الجامعة الأردنية وجامعة اليرموك وجامعة دمشق ومن أبرز المهام الموكلة لهذه الجنة تنظيم عقد المؤتمرات الدولية والندوات العلمية وجلسات  عمل تهتم بتاريخ بلاد الشام وآثارها في مختلف الحقب والقيام بنشر الأعمال العلمية المقدمة للمؤتمر بعد تقويمها حسب الأصول العلمية المعتمدة في الجامعة الأردنية ونشر النصوص المحققة والدراسات عن تاريخ بلاد الشام وآثارها بعد تمييزها حسب الأصول العلمية وقبول الترجمات للدراسات العلمية الرصينة عن تاريخ بلاد الشام وآثارها وطباعاتها باسم اللجنة، بالإضافة لذلك تقوم اللجنة بترجمة الوثائق العثمانية المتعلقة بتاريخ بلاد الشام حيث تعتبر هذه الوثائق في غاية الأهمية كونها غنية بمعلومة قيمة لا تتوفر في المصادر ونشرها لتكون في متناول الباحثين، ومما يجدر ذكره أن المرحوم الدكتور عبد العزيز الدوري كان أول رئيس للجنة تاريخ بلاد الشام ثم ترأسها الدكتور محمد عدنان البخيت الذي يعد عضواً فاعلاً في ما يزيد عن ثماني وخمسين لجنة تتبع مراكزه وهيئات عديدة داخل الأردن وخارجه.
يعد الدكتور محمد عدنان البخيت واحداً من جيل العمالقة ورجلاً أصيلاً ووفياً، فذكائه الوقاد وأخلاقه العالية وإخلاصه المطلق ووطنيتُه الصادقة جعلت منه نموذجاً يجدر بالجميع السير على خطاه ولأنه المعلم ومربي الأجيال وصاحب الرؤية المستنيرة فقد استشرف المستقبل قائلاً: "إننا نجتمع اليوم والبلاد العربية جمعاء مرت وتمر بهزات اجتماعية وسياسية تهاوت نتيجة لها عدد من الأنظمة فيما تتدارك البقية نفسها إزاء هذا الزلزال الكاسح والعبرة المستخلصة من كل هذه الأحداث أن الأمة العربية واحدة في مشاعرها وعواطفها وأمانيها. وان الهزات الاجتماعية أثبتت أن العروبة حقيقة، وان الدين حقيقة، وان التنوع والتعدد حقيقة، والحكمة في إدارتها هي المطلب والمحك، وان الثقافات الرافدة لنهر الحركة العربية الكبير هي حقيقة تمثل إضافة نوعية لحضارتنا".
أطال في عمر العلامة والأستاذ الجليل الدكتور محمد عدنان البخيت ليبقى منارة شامخة ورافداً لكل الأجيال تنهل من علمه الغزير الذي لا ينضب ووفائه وإخلاصه لعلم التاريخ والتوثيق التي يحدد مستقبل هذه الأمة، فالماضي يصنع الحاضر ويوثق المستقبل فلا خوف على صناعة التاريخ ما دامت بأيدي العلامة والشيخ الجليل الأستاذ الدكتور محمد عدنان البخيت.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد