يعد الحديث عن سماحة الشيخ عز الدين التميمي هو حديث عن شخصية عالم جليل قلما يجود الزمان بمثلها فالعظمة ليس لها مقياس خاص فقد يكون العظيم عالماً، أو فاتحاً أو مخترعاً أو مربياً روحياً أو زعيما سياسياً، ولكن أجدر العظماء بالخلود هم الذين يبنون الأمم وينشئون الأجيال، ويغيرون مجرى التاريخ.
وعز الدين التميمي كان أحد هؤلاء الخالدين، بل هو أبرز الخالدين في تاريخ الإسلام ليس لأنه كان عالماً أو خطيباً، ففي معاصرية من كانوا أكثر منه علماً، وأنصع بياناً ولكن لأنه الرجل الذي أنشأ جيلاً صالحاً.
ولد الشيخ عز الدين بن عبد العظيم بن إسماعيل بن عبد الفتاح بن عبد الحي بن أحمد بن عبد الغني بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي أبو الوفا الخطيب التميمي الداري الخليلي الحنفي في مدينة الخليل سنة 1347 هـ / 1928م وقد نشأ في بيت علم ودين حيث كان والده الشيخ عبد العظيم إمام وخطيب الحرم الإبراهيمي.
تلقى الشيخ عز الدين التميمي تعليمه الأولي في المدرسة الرشيدية في الخليل ثم انتقل إلى الأزهر الشريف وهناك حصل على الشهادة العالية لكلية الشريعة (ليسانس) وذلك سنة 1369هـ - 1949م بعدها حصل على شهادة العالمية مع الإجازة في القضاء الشرعي سنة 1371هـ- 1951م ثم حصل على الشهادة العالمية أيضاً مع الإجازة في التدريس سنة 1372هـ - 1952م.
بدأ حياته العملية معلماً لمادة اللغة العربية والتربية الإسلامية في الأردن ومصر وليبيا وذلك خلال الفترة 1951 – 1963م بعد ذلك عمل في مجال الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، مفتشاً فمديراً خلال الفترة 1963 – 1976م ومحاضراً غير متفرغ في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية ثم تولى منصب وكيل وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية خلال الفترة 1976 – 1982م.
ثم جرى تعيينه عضواً في المجلس الوطني الاستشاري وعميداً لكلية القدس، ثم تولى منصب مفتي عام المملكة الأردنية الهاشمية خلال الفترة 1983-1991م ثم عين وزيراً للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية مرتين خلال الفترة 1991-1993م بعد ذلك عُين قاضياً للقضاة ومستشاراً للشؤون الإسلامية لجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه ثم لجلاله الملك عبد الله الثاني بن الحسين.
وقد تحدث الأستاذ محمود الزهيري في شخصية الشيخ عز الدين التميمي قائلاً: كان يلاقي الناس جميعاً بوجه مشرق وسمت العلماء، وتواضع البسطاء بابه مفتوح على مصراعية لكل مراجع أو مستفتٍ، أو متعلم، لم يغلق قط في وجه الناس يدخل عليه العلماء فيلقاهم بابتسامة عذبة هشة وإجلال، عرف قدرهم وأجل علمهم، وأكبر فيهم مجيئهم لزيارته ويغشى مجلسه رجال الدولة فيقدر فيهم خدمتهم للناس إجلالاً لهم مرحباً باسماً قاضياً لهم ما أرادوا دون محاباه أو تملق. يتدافع البسطاء والفقراء والعامة إليه فيكلم كلاً منهم على قدر ثقافته وعلمه، ويقضي لهم مصالحهم دون تذمر أو ترفع عنهم، بل إنه ليرى نفسه خادماً لهم فهم الذين جاءوا مؤملين به رجاءً لا يريد قطعه أو تحطيمه هادئ النفس والروح تعامله معهم ينم عن شخصية ونفسية عالية عظيمة القدر.
يراعي الصغير والكبير ويلاطف الغني والفقير ويجالس العالم النحرير، كلٌ يراه قريباً إلى روحه، فلو لم يقضِ لهم شيئاً مما طلبوه كفاهم لطفه وخلقه، ومشاهدة بشاشة وجهة، إنه لأستاذ مدرسة في الأخلاق لم يحدث ولو لمرة واحدة أن خاض صراعاً أو معركة مع أحد من العلماء أو الناس أو التيارات، ولم يعهد عنه أن خرج من فمه كلمة تسيء إلى أحد، أيا كان, إن أعجب بعلمه أثنى عليه وإن لم يعجبه أمسك عنه.
عرفه الناس بأسلوبه الجميل وعطفه على الضعيف ومواساته للمكلوم ويرأب صدع المنكسر ويجدد ثقته بمن أخطأ ثم رجع عنه، ما رفع صوته على أحد ولا عنفه، بل يسعه بخلقه ويقدر له غضبه "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بسعة صدوركم".
لقد كان حاملاً لفكر نير من علم بالشريعة ومقاصد التشريع نابعاً من صميم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة فكر يحمل آفاقاً ويفتح أبواباً للدارسين، عسى الباحثون يدركون ذلك ويقرءون فكره ومنهجه، ودقته في تناول العلم وتسهيله للناس في الفتوى وتيسير الدين للناس، كما أراد الله لهذه الأمة.
وللعالم الجليل عز الدين التميمي رحمه الله مؤلفات علمية عديدة ومنشورة، وقد شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لوزارة التربية والتعليم في المملكة الأردنية الهاشمية، وله حضور علمي واسع في اللجان والندوات والمؤتمرات العملية، ومن أهم مؤلفاته العلمية: الشورى بين الأصالة والمعاصرة، الدفاع الاجتماعي في مرآة الإسلام، أقلام دخيله على الإسلام، العمل في الإسلام مفاهميه وأخلاقياته، فقه الأسرة في الإسلام، دور الإسلام في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للأسرة، صلاة الجمعة أحكامها، سننها، آدابها، فضائلها، خطبة الجمعة أحكامها، آدابها، أهدافها، من أحكام الزكاة في الإسلام، أحكام الصيام في الإسلام، رسالة الواعظ، القدس في ضوء العقيدة الإسلامية، الفرائد والآلى في الدين واللغة والأخلاق، أدب المسلم مع القرآن، الفتوى وعلاقتها بالمجتمع، رعاية الإسلام للأمومة والطفولة، تأليف مساقات الفقه لتأهيل الوعاظ، كتاب نظرات في الثقافة الإسلامية (مشارك في التأليف) سلسلة كتب التربية الإسلامية للمدارس الابتدائية والإعدادية في الأردن إسهامات في الفكر الإسلامي (نشر في جريدة الرأي في سلسلة من المقالات الأسبوعية خلال عامي (1999-2000).
وله العديد من المقالات المنشورة في المجالات العلمية ووسائل الإعلام تعالج قضايا هامة، كما كان عضواً في اللجان والمجالس العليا مثل اللجنة الملكية لجامعة آل البيت، واللجنة الملكية لشؤون القدس ومجلس التربية والتعليم، ومجلس التعليم العالي، ورئيس مجلس الأمناء ورئيس مجلس مؤسسة إدارة وتنمية أموال الأيتام.
لقد كان للمرحوم التميمي إسهامات كبيرة في خدمة الدين الإسلامي الحنيف وإيصال صورته الوسطية والمعتدلة إلى العالم، كما مثل الأردن في عدة مؤتمرات إسلامية كان له دور كبير في إثرائها وتحقيق أهدافها.
وفي الذكرى الأولى لوفاة سماحة الشيخ عز الدين التميمي بعث أبناؤه وزوجته برسالة إلى جريدة الدستور يستذكرون فيها فقيدهم الغالي بتاريخ 4/7/2009 يقولون فيها:"انقضى عام على ر حيل والدنا سماحة الشيخ عز الدين عبد العظيم الخطيب التميمي ومن حقه علينا أن نكتب هذه السطور في ذكرى وفاته، برا به، وتعبيراً صادقا عن مشاعر الحزن والألم التي تفارقنا منذ ذلك اليوم الحزين، يوم الرابع من شهر تموز سنة ثماني وألفين، وهو اليوم الذي شاركنا أحزانه كل معارفه ومحبيه داخل الوطن وخارجه. كيف لا، وهو العلامة الشيخ الجليل الذي أحبه عامة الناس وخاصتهم، فقد كان – رحمه الله- مربياً حكيماً سمحاً شجاعاً، غمر كل من عرفه بكرم أخلاقه، وسعة صدره وعظيم حلمه.
كان رحمه الله عالماً واسع المعرفة، مستنير الفكر، محبا للبحث استناذا متميزا يحيط بعلوم الشريعة الإسلامية السمحة، فقيها، ذكيا، ذا قدرة متميزة في مخاطبة العامة والخاصة، داعية مقنعاً في حواره مع الآخرين، ذا جاذبية نادرة لمن يستمع إليه في كل موضوع كان يتحدث فيه، في الشريعة والأدب واللغة، وفي سائر الفكر والثقافة.
ما اشد وقع فقد العلماء في العالم الإسلامي، ولذلك كانت الفاجعة كبيرة بوفاة سماحة الشيخ عز الدين الخطيب التميمي وكان وقع خبر وفاته مؤلماً لكل من عرفه – رحمه الله- لأن الفقيد الراحل لم يكن شخصاً عاديا، بل كان يحتل موقعا على جانب كبير من الأهمية، أنه موقع العالم الفقيه الذي كان يحتل مرجعا من المراجع البارزة في الفتوى والقضاء وفي حمل دعوة الإسلام وفي استنباط الأحكام، وبيان الحلال والحرام، وكان بهذا منارة من المنارات التي يستضيء بها الكثير من الناس، وهو لم يبخل على أحد بعلمه، ولم يحرم سائليه من الإجابات الشافية النافعة في حياتهم ولم يغلق بابه أمام المحتاج، ولذلك كان فقده خسارة يتعذر تعويضها.
وقد عُد سماحته من القلائل الذين يحتج بعلمهم في الفقه الإسلامي فقد تتلمذ على يديه الكثير من طلبة العلم، وقد خلف الشيخ رحمه الله وراءه مجموعة متميزة من البحوث والدراسات في كتب ألفها أو حققها أو راجعها وشرحها وعلق عليها، وأحدث فقده ثغرة في جدار الدعوة إلى الله، ونسأله تعالى أن يعوض الأمة بعد فقده بأمثاله من العلماء ولا سيما أولئك الذين تتلمذوا على يديه، ليواصلوا المسيرة الخيرة لهؤلاء الأفذاذ.. وصدق الشاعر:
وأحسن الحالات حال أمرىء
تطيب بعد الموت أخبارهُ
يفنى ويبقى ذكره بعدهُ
إذا خلت من شخصيته دارهُ
وهو الأمر الذي يصدق على شيخنا الراحل – رحمه الله- في حياته وبعد موته فقد أحبه القريب والبعيد وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه البخاري أنه قال: أن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل أن الله قد أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في السماء أن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في أهل الأرض.
وكان رحمه الله عبداً شكوراً - ولا نزكي على الله أحداً فقد صبر على بلاء المرض الذي رافقته أوجاع وآلام فوق طاقة البشر، ومع ذلك لم يتخل عن اداء رسالته في الفتوى وتقديم النصيحة حتى في أحلك الظروف الصحية، وهذا دأب الصالحين من عباد الله. ونسأل الله تعالى أن يكون منهم...
سكنت يا والدنا عيوننا وأنت العين والنبع، تذوقنا نعيم قربك، فسكنت المهج، تربعت على ضلوع الوطن فأصبحت نسيجا وسياجا أما نحن فقد قضينا أياما وليال نتأمل سحرك، في أسرار النظم في عقد اللؤلؤ فتزداد حيرتنا كلما غيبنا الحلم وجدنا فيك توأم وجعنا ومفرداتك بلسما يسكن الألم... غبت عنا، وما زلنا نتحسس من حولنا الظل كنت كلما سافرت عنا في دنياك، على وقع اللحن، على نبر الصوت، نعود فنلقاك على صفحات الكتب وكأنك عدت للتو من سفر.
اللهم أجزل له المثوبة والأجر وباعد بينه وبين خطاياه كما باعدت بين المشرق والمغرب واجعل قبره روضة من رياض الجنة وأبدله دارا خيرا من داره اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم جازه بالإحسان إحسانا وبالسيئات عفوا وغفرانا.
وبعد لا نقول إلا ما يرضي الله جل وعلا "إنا لله وإنا إليه راجعون" نتأسى بهدي رسولنا الكريم صلوات ربنا وسلامه عليه ونقول أن العين لتدمع والقلب ليحزن وإنا لفراقك يا شيخ عز الدين لمحزونون، أحسن الله عزاءنا في شيخنا وعوض الأمة خيرا في فقده".
كان الشيخ الجليل عز الدين التميمي – حيث حل – يترك وراءه أثراً صالحاً، وما لقيه أمرؤ في نفسه استعداد لقبول الخير إلا وأفاد منه، ما يزيده صلةً بربه، وفقهاً في دينه وشعوراً يتبعه نحو الإسلام والمسلمين، والرجل الذي يشتغل بتعليم الناس لا يستطيع في أحيانه كلها أن يرسل النفع فيضاً غدقاً، فله ساعات يخمد فيها وساعات يتألق وينير. فالإشعاع الدائم طبيعة الكواكب وحدها ... وقد كان الشيخ عز الدين التميمي في أفقه الداني البعيد من هذا الطراز الهادي بطبيعته لأن جوهر نفسه لا يتوقف عن الإشعاع. رحم الله الشيخ عز الدين التميمي وأسكنه فسيح جنانه.