إن الحديث عن الرجل الموقف هو حديث عن سيادة الشريف عبدالحميد شرف باعتباره واحداً من ألمع رجالات الأردن، وسياسياً بارعاً من أقدر السياسيين العرب المعاصرين فقد كان ذا شخصية فذة جذابة تربت في المدرسة الهاشمية المعطاءة التي لا تعرف للسخاء حدود، إن الحديث عن عبدالحميد شرف هو حديث عن الإنسان وتكريم عبدالحميد شرف هو تكريم للإنسان فقد آمن عبدالحميد شرف أن الإنسان هو محور التنمية وهدفها ووسيلتها.
ولد الشرف عبدالحميد في بغداد عام1939م ووالده هو الشريف شرف بن راجح الذي كان اميراً على الطائف في عهد الملك الحسين بن علي وايضاً في عهد المملكة الهاشمية الحجازية. رحل الشريف شرف بن راجح إلى بغداد عام 1925وكان أحد رجالات الثورة وشارك فيها وساهم فيها وكان إلى جانب الأمير عبدالله بن الحسين الملك المؤسس وكان الملك عبدالله آنذاك هو قائد جيش الشرق الذي كان قاعدته في العيس الواقعة شرقي المدينة المنورة.
ينتسب الشريف شرف إلى فرع ناصر من ذوي عون من أشراف الحجاز ويعني ذلك أنهم من ذوي عون الأسرة الهاشمية التي تحكم الأردن حالياً، وكانت تحكم العراق قبل ذلك. أقام في العراق بخدمة الملك فيصل بن الحسين منذ سنة 1926 في هذه الفترة (فترة تأسيس المملكة العربية سواء بدمشق أو في العراق وحكم الهاشميين في هاتين الدولتين) أيضاً في هذه الفترة كانت ولادة الشريف عبدالحميد شرف عام 1939 حيث كانت الحرب العالمية الثانية والمنطقة في حالة قلقة مما يجري بها من أحداث من ضمنها حركة رشيد علي الكيلاني. وكانت من سياسة الشريف شرف هو المحافظة على عرش الهاشميين في العراق لذلك حاول أن يحافظ على العرش قبل أن يكون وصياً على العرش، لأنه صاحب رسالة وصاحب مبدأ ولذلك عندما انتهت هذه الحركة لم يكن هناك قبول عنه فخرج إلى إيران فترة من الوقت ثم ألقت القوات البريطانية القبض عليه ونفته إلى روديسيا، حيث ظل هناك طيلة فترة الحرب العالمية الثانية، ثم أطلق سراحه وعاد إلى بغداد. وفي بغداد عانى كثيراً وأودع السجن وظل فيه حتى عام 1947 عندما ارسل رفيق عمره الملك المؤسس عبدالله بن الحسين إليه ليقيم في الأردن وأكرمه خير كرم.
وقد تحدث دولة السيد أحمد اللوزي عن قدوم عبدالحميد شرف ووالده إلى عمان قائلاً: لا شك أن عميد الأسرة الهاشمية في الأردن جلالة الملك المؤسس استقبل سيادة الشريف شرف بن راجح وأبنائه في عمان أهلاً أعزاء وبنى لهم بيتاً بجوار الديوان الملكي الهاشمي واستمر جلالته يرعاهم ويكرمهم ويستقبلهم في أي وقت. ولهم مكانة خاصة في قلبه. والحقيقة أن الشريف عبدالحميد شرف منذ بداية مجيئة إلى الأردن وانفتاحه على الناس كان له من الحضور في صباه وأثناء دراسته الثانوية كان دائم الحضور ودائم الاتصال ودائم اللقاء مع جلالة الملك الحسين رحمه الله وجلالته كان يريد له أن يتعلم بعد انتهاء دراسته الثانوية ومن هنا كان ذهابه إلى الجامعة الأمريكية في بيروت.
واضافت السيدة ليلى شرف قائلة: هو التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت لدراسة الفلسفة لكن أول لقاء لنا، لم يكن في الجامعة بل كان في النادي الثقافي العربي الذي كان الواجهة الثقافية لحركة القوميين العرب وكان النادي يقوم بنشاطات ثقافية محاضرات، وندوات، ومعارض الكتاب، فمعرض الكتاب الذي يقام الآن في لبنان خرج من النادي الثقافي العربي وهو يمكن أن يكون أول معرض للكتاب في الوطن العربي. عبر هذا النشاطات التقينا وقد التقينا فكرياً أيضاً لأنني أيضاً انضممت إلى حركة القوميين العرب وكان نشاطنا ثقافياً عبر النادي وكان يدرس الفلسفة ولكن اهتماماته الأخرى كانت في العلاقات الدولية فعمل الماجستير فيها. وبما أن البكالوريوس كانت في الفلسفة كان مطلع على الفكر العالمي العربي القديم والحديث عن الفكر اليوناني والفكر العربي. وكان توجهه القومي من توجه الهاشميين من توجه والده وكان له اهتمام خاص بفلسطين.
كان نشاطه داخل الجامعة بالإضافة إلى نشاطه القومي والعربي والسياسي فقد انتخب رئيس لجمعية كلية الآداب والعلوم وهي اكبر جمعية طلابية في الجامعة الأمريكية ببيروت وأقام نشاطات عديدة واشرف على نشاطات مختلفة منها رياضية، وفنية، ومسرح. فقد كان له اهتمام بالمسرح منذ طفولته حيث كان يعمل نفسه مخرجاً ويجعل اصحابة يمثلون ويعمل لهم البسة خاصة حسب الدور ويقود المسرحيات في بدايات حياته قبل الجامعة وايضاً كان له اهتمامات بالرسم وأخذ دروس على يد اشهر فنان في الأردن اسمه إيلي روسي، وقام برسم لوحة لوجه الملك المؤسس وأهداه إياها.
فقد أحب الفن لذلك اسس في مرحلة متأخرة وزارة الثقافة والفنون بوزارة الإعلام. أيضاً هو من جيل الخمسينات وهذا شيء مهم لأنه نشأ على الفكر القومي وهو ايضاً من الذين تأثروا بهذا الفكر الذي اسسه الملك عبدالله الأول ونحن في الأردن نشأنا على فكر الثورة العربية الكبرى لذلك كل الأردنيين مع العروبة والعربية.
فقد تكون المدرسة التي تخرج منها عبدالحميد هي مدرسة قومية من الدرجة الأولى.
واضافت السيدة ليلي قائلة: عندي ملاحظة أن الجامعة الأمريكية في بيروت فيها حركة الفكر وحرية التعبير وحرية التحرك لذلك كانت التيارات العربية القومية كلها موجودة الحزب القومي السوري، والحزب الشيوعي، وحزب البعث، فكان من نشاط عبدالحميد واهتماماته الفكرية الخاصة بالإضافة إلى أنها كانت الحركة السرية فكان المناقش الأول لكل التيارات وكانت كل التيارات مدعوة للمناقشة وكأنه صلة وصل بينهم في المناقشات.
وأضاف المؤرخ الأردني الدكتور يوسف الغوانمة قائلاً: تخصص المرحوم عبدالحميد شرف كان بالفلسفة ومن ثم بالعلوم السياسية يمكن هذا التخصصان أثراً في تكوين وبناء شخصيته وفكره وفلسفته ووسعت مداركة وعقله. والسياسة علمته الكثير من أحوال الأمة وما حولها هذان التخصصان أيد مجامع بعضهما البعض فجعلا منه سياسياًَ ومفكراً لامعاً ولساناً متحرراً ليبرالياً ديمقراطي النزهة والهوى والأداء.
وأكدت السدة ليلى شرف قائلة: هذا وصف دقيق لشخصية عبدالحميد شرف وفكره وتوجهاته الفكرية.
تابعت السيدة ليلى شرف حديثها عن حيثيات عقد القران قائلة: كان جلالة الملك حسين رحمه الله مع وفد رسمي ذاهبين إلى الجزائر في زيارة رسمية وكانوا سيعودون إلى باريس لقضاء بعض الوقت فاختار عبدالحميد أن يطرح هذا الموضوع علي، وكنت أنا في ذلك الوقت أعمل بتلفزيون لبنان والمشرفه في قسم الأخبار فاستقلت على الفور من عملي وذهب معي جزء من عائلتي الوالد والأخوان وبعض الأقارب إلى باريس وعقدنا القران وكانت مصغرة ومختصرة في السفارة الأردنية وكان المرحوم عبدالله صلاح سفيراً وهو الذي عقد القران وذلك بحضور جلالة الملك حسين والأمير حسن والأمير رعد والمرحوم محمود الشريف. الذي كان ذاهباً بوفد صحفي إلى باريس وكان موجود. وهو تمثيل متكامل وأمضينا في لندن يومين وجرى تعديل على وزارة المرحوم التل ودخل عبدالحميد وزيراً لإعلام وأُبلغنا بهذا وعدنا إلى عمان.
أما عن تأثر عبدالحميد شرف بالملك الحسين رحمه الله فقد تحدث دولة أحمد اللوزي قائلاً: برأيي له قربه من جلالة الملك الحسين رحمه الله سواء في المجلس الوطني الاستشاري أو مجلس رئاسة الوزراء أو في الإذاعة أو في وزارة الخارجية أو في هيئة الأمم أو في واشنطن هذه عبارة عن موسوعة كونت فيها شخصية عبدالحميد لكن كونت عطاءه أكثر وخدمة المجتمع اكثر وخدمة الفكر.
واضاف الدكتور يوسف غوانمة قائلاً: أن قربه من جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه اثر كبير في شخصية وفكره خاصة في رئاسة الديوان حيث أنه الأقرب لجلالة الملك فنهل من فكره وأدبه وثقافته وروحه الطيبة المجبة للجميع الملك الحسين كان يحب كل الناس ويعطي كل الناس وقلبه كبير يتسع لكل هؤلاء حتى للأعداء كان يسمح عنهم بسهولة وانتمائه الصادق لوطنه وشعبه العروبي وأمته العربية الواحدة كان عبدالحميد خير رفيق لقائد البلاد في هذه المرحلة ولا شك أن ذاك كان له أثره الكبير في عبدالحميد شرف وصقل فكرة وكان أحد الذين تخرجوا من مدرسة الحسين العظيمة وبعد ذلك كلفه بتكشيل الوزارة أنا باعتقادي أن عبدالحميد شرف كان رجل دولة من الطراز الأول يحترم الرأي والرأي الآخر وهذا شيء ممتاز في الإنسان السياسي.
ووصفه دولة السيد أحمد اللوزي قائلاً: الحقيقة أن عبدالحميد كان منفتح الفكر ويحمل الأمانة والرسالة بمنتهى الصدق والشفافية، ولذلك كان عندما يتحدث وهو رئيس الديوان الملكي أو وهو رئيس لمجلس الوزراء يتحدث ويعبر عن سياسة الأردن كاملة سياسة الوطن سياسة الملك والمؤسسات التي يؤمن بها إيماناً مطلقاً الديمقراطية، الثقافة ، الفكر، السياسة، الرأي الاخر ثم هو يدافع عن الأردن وسياسة الأردن.
واضاف الدكتور يوسف غوانمة قائلاً: عبدالحميد شرف كان صفحة ناصعة في التاريخ السياسي الأردني وكان نقطة تحول مضيئة في العمل القومي قد خسرناه وخسارته لا تعوض رحمة اللة عليه.
واضافت السيدة ليلى شرف قائلة: أنا أقول أنه كان سياسياً ولكن كانت له نظرة تنموية شاملة، نظرة تنموية تعتمد الإنسان وتطوير الإنسان العربي لصنع هذه التنمية.
لقد كان عبدالحميد شرف بحكم النسب والتجربة والموقف والمسؤولية يشعُر أنّ لشعبه، ولأمته، ولرسالته ديناً في أعناق الرجال، وهو في الطليعة منهم، وهو دين لا يوفّيه إلا السير بالأمة نحو وحدتها وتقدمها أوالموت بهمها وقد كانت له الثانية بعد أن سار على درب الأولى رحم الله سيادة الشريف عبدالحميد شرف. وتغمده بواسع رحمته ورضوانه.