القنبلة النووية الإيرانية

mainThumb

14-07-2012 01:43 PM

 هذا العنوان لمقال موسع وضعته مجلة «فورين أفيرز» Foreign Affairs الأميركية ذات التأثير الواسع، على غلافها في العدد الحالي «يوليو/ تموز – أغسطس/ آب 2012» وكان الأول من جملة مقالاتها التي عادة ما تسلسلها حسب أهمية الموضوع. يتناول موضوعاتها كبار الكتاب من أجل وضع تصوراتهم وتحليلاتهم حول ما يواجه السياسة الأميركية من مخاطر أو فرص. غرضي من استعراض المقال باختصار، ينقسم إلى شقين: الأول موضوعي، والثاني ذاتي. أبدأ باستعراض الأفكار العامة للكاتب من أجل أن يعرف القارئ العربي كيف يفكر الآخر أو على الأقل بعض الآخر. والغرض الثاني استعراض فهمي الشخصي لتوقيت المقال ودوافعه وقد يفهمه غيري بطريقة أخرى.

 
لم أكن أعرف عن كاتب المقال «كينيث ولوتز» شيئا قبل أن أبحث عنه على شبكة الإنترنت، ووجدت أن الرجل من «الثقال»، بالمعنى الفكري، في مجاله، وقد وضع نظرية تسمى في العلاقات الدولية «الواقعية الجديدة»، فعرفت أسباب وضع المقال على الغلاف وأن يكون أول ما يُقرأ.. بسبب السوية التي يتمتع بها الأستاذ الذي غادر سنواته الثمانين، فمكانة الرجل العلمية تجعل لمقاله أولوية خاصة.
 
من استعراض المقال، نرى أن الكاتب يناقش فكرة مركزية مضادة لما يذهب إليه كثيرون من الكتاب والساسة الغربيين، ومفاد فكرته أن حصول إيران على القنبلة النووية ليس بالأمر الخطير كما يُطرح في كثير من المناقشات، بل على العكس، يرى الكاتب أن حصول إيران على التقنية وكذلك القنبلة النووية، سوف يزيد من استقرار الأمن والسلام في الشرق الأوسط.
 
يفسر الكاتب ذلك بأن أزمة برنامج إيران النووي يمكن أن تنتهي بأحد احتمالات ثلاثة:
 
الاحتمال الأول: من خلال دبلوماسية مترافقة مع ضغوط وحصار اقتصادي ومقاطعة دولية حقيقية، يمكن أن تقتنع إيران في النهاية بالتخلي عن خططها للحصول على سلاح نووي. لكن هذه النتيجة غير محتملة - في رأي الكاتب - فالتاريخ يقول لنا إن دولة على مقربة من الحصول على سلاح نووي، من النادر أن تقتنع بأن تتراجع عن ذلك، كما أن فرض حصار اقتصادي لا يبرر خروجها من سكة الحصول على السلاح النووي. يضرب مثالا على تجربة كوريا الشمالية، فرغم كل قرارات مجلس الأمن القاسية، فإنها لم تتوقف إلى أن حازت القنبلة. فإن كانت طهران مصممة على أن أمنها مرتبط بحصولها على القنبلة، فإن الحصار لن يغير رأيها، بل على العكس، فزيادة الحصار سيجعلها تشعر بالخطر على أمنها فتندفع أكثر في ذلك الطريق.
 
الاحتمال الثاني: أن تتوقف إيران قبيل أن «تجري تجربة» نهائية على سلاحها النووي، أي إنها تكون قد استطاعت مراكمة خبرة علمية وتقنية حتى مرحلة القدرة على التجريب، وتستطيع بعد ذلك وضع يدها على السلاح النووي وقتما تشاء في المستقبل وبسرعة.. لن تكون هي الدولة الأولى التي تفعل ذلك. يرى الكاتب أن اليابان لديها قدرة مدنية لإنتاج سلاح نووي، ويرى المتخصصون أنها تستطيع أن تفعل ذلك في وقت قصير. الوصول إلى مرحلة القدرة القريبة من التنفيذ قد يشبع الحاجة السياسية الداخلية الإيرانية من خلال التأكيد للمتشددين أن إيران تستطيع أن تحصل على الحُسنييْن! فتستفيد من جهة من تطوير القدرة التقنية الجاهزة للحصول على السلاح في أي وقت تشاء، ومن جهة أخرى دون أن تستفز المجتمع الدولي. الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون مهتمون بحيازة السلاح النووي، لا القدرة التقنية على حيازته، ومن المحتمل أن يقتنعوا بسيناريو «القدرة» لا التنفيذ، وربما بتعهد إيراني بالتوقف عند القدرة فقط، يرضي الغرب ولكن ليس إسرائيل التي ستكون دائما مستفزة من حصول إيران على القنبلة النووية بالفعل أو القدرة على ذلك. عدم رضا إسرائيل قد يجعلها مستمرة في خططها في التفكير في ضرب المنشآت النووية الإيرانية وقتل العلماء الإيرانيين، وهي مخاطرة كبرى.. مثل تلك الأفعال تجعل من إيران غير مقتنعة بمجرد الوصول إلى القدرة، لأنها لم تحقق الأمن الذي ترغب فيه، وبالتالي تستمر في برنامج الإنتاج النووي.
 
الاحتمال الثالث: أن تستمر إيران في برنامجها، وبالفعل تنتج السلاح النووي.. هذا قد يستفز القوى الغربية وإسرائيل، ويزيد الضغط عليها في المدى القصير، ولكن الضغط لغة تتجاهلها القوى الغربية عندما تحصل بالفعل دولة على السلاح النووي، فكلما دخلت دولة إلى «النادي النووي»، غير الأعضاء الآخرون في النادي تكتيكاتهم، وقرروا أن يتعايشوا مع الواقع.
 
السلاح النووي الإسرائيلي الذي لم يجد له منافس في الإقليم في الأربعين عاما الماضية، زاد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ولا يوجد في أي إقليم في العالم أن تتفرد دولة واحدة بهذا السلاح.. إنه السلاح الإسرائيلي، وليس رغبة الإيرانيين في الحصول عليه، هو الذي ساهم أكثر في الأزمة الحالية.. القوة تحتاج إلى توازن. ما هو غريب حتى الآن أن إسرائيل لم يوجد ما يوازن قوتها. إسرائيل ضربت بداية مشروع في العراق عام 1981 وكذلك في سوريا عام 2007.. هذا التخريب لا يمكن استمراره في المدى المتوسط والبعيد ولا بد من ظهور منافس قوي له، كما يرى الكاتب.
 
المقال طويل (لخصت هنا فحواه فقط) ويناقش المخاوف والاحتمالات، إلا أن النتيجة النهائية له تؤكد أن حصول إيران على السلاح النووي سوف يعيد التوازن للشرق الأوسط، ويمنع الحروب!
 
ما يهمني نقاشه في نهاية هذا العرض ينصب على ثلاثة موضوعات، تدخل تحت نطاق وجهات النظر:
 
الأول أن هناك في الغرب من يفكر خارج الصندوق، فالمقال ينسف فلسفة عميقة تبنتها السياسات الغربية منذ زمن وبُنيت عليها مواقف دولية وقرارات أممية، فأن يأتي مفكر في العلوم السياسية ليعرض وجهة نظر مخالفة تماما للسياق العام، قد تصح وقد تخطئ، ولكنها تقال وتُبرز، فتلك منهجية نفتقد مثلها في فضائنا الثقافي والسياسي العربي، أي التفكير في المحرّم، وقد تأتي صادمة للقارئ العربي، لا يريد أن يسمعها أو يرغب في أن يتداولها أحد، وذلك موقف معطل للتفكير، يشابه الجلطة في عروق التفكير العربي التي في النهاية تؤدي بالجسم إلى التعطل.
 
الثاني أن البعض سوف يفسر هذا المقال في توقيته وإبرازه، أنه رسالة إلى الإيرانيين للتفكير في الخيارات المتاحة، والتي قد يقبلها البعض في الغرب، وأرى أن هذا التفسير يقع في «نظرية المؤامرة» التي اعتاد كثيرون منا الانحياز لها عندما تتعطل ملكة التفسير العقلاني، وربما يربطها بالمحاولات القائمة لإدراج جهود إيران في التسوية للقضية السورية المرتقبة والقائمة على قدم وساق في أشهر الصيف الحالي، إلا أن ذلك احتمال قد تكون له نسبة بسيطة من الصحة.
 
الثالث أن التفكير الذي قدمه الكاتب يؤكد على أن جهود الإيرانيين للحصول على السلاح النووي هي جهود خاصة بالدولة الإيرانية ولمصلحتها وتحقيق أمنها، ومن أجل الحفاظ على الوضع القائم وتعزيز الفخر القومي الإيراني. من يعتقد غير ذلك، كأن تكون سلاحا لمحاربة تلك الدولة أو هذه بالنيابة عن الآخرين، فهو أقرب إلى أضغاث أحلام، حري بالعربي أن يصحوا منها.
 
آخر الكلام:
 
سوف يظل الفلسطينيون يبحثون عن أسباب وفاة ياسر عرفات، كما فعل قبلهم بعض الجزائريين في البحث عن أسباب وفاة هواري بومدين المفاجئة.. ذلك دأب الشعوب، فما زال الكتاب الأميركيون يبحثون عن قاتل جون كيندي الحقيقي؛ بل وقاتل إبراهام لنكولن قبله!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد