اطبخوا لنا جُبّة وقميصاً

mainThumb

15-07-2012 08:43 PM

 دخل الأعرابي مطعما وقد بلغ به الجُهد مبلغه، وفي القوم نخوة ومروءة، فخيّروه ما يشتهي ليكرموه، لكنّ أولوِيَّتَهُ كانت غيرَ الطعام فقال:

قالوا: اقترح شيئاً نُجِدْ لك طبخَه *** قُلْتُ: اطبخوا لي جُبّة وقميصاً
 
إن حالنا مع النظام ورموزه - في زاوية من زواياها - كحال الأعرابي مع مُضيفيه، إذ نطلب منهم حاجتنا، ونقترحها عليهم منذ سنة وثمانية أشهر، وهم يراوغوننا عنها، ويقترحون علينا غيرها.
 
الشعب لا يستجدي النظام ولا يتسوله؛ لأنه يطالب بحقوقه، ويصرّ على إنهاء فترة الوصاية القسرية التي مورست عليه منذ 60 عاما، ويصر أيضا على تطبيق الدستور واحترامه، وتعديله بالاتجاه الصحيح الذي يكفل له تلك الحقوق، والتي على رأسها أن يكون هو (الشعب) مصدرا للسلطات، وهو الذي له كل الحق في منحها لمن يشاء، ونزعها ممن يشاء، وله الحق بعد ذلك في محاسبة الذين ولاّهُم أمره، ومساءلتهم أمام القانون في حال إخلالهم بعقد الولاية العامة معه.
 
قانون الانتخاب هو العنوان الأبرز لتحقيق هذه المطالب، وكل خطوة تتجاوزه، أو تتلاعب في شكله، أو تفرغه من مضمونة تعد شكلا من أشكال الاعتداء على الحق، والانتهاك للدستور، التزوير للإرادة.
 
ما زالت طبخة قانون الانتخاب في أيدٍ غير أمينه، وهي غير مؤهلة لا أدبيا ولا أخلاقيا ولا مهنيا، لتقدم شيئا معتبرا، يُحقق العدالة، ويُرضي المزاج الشعبي، ويُنفس الاحتقان.
 
إصرار أدوات النظام على إنتاج قانون انتخاب يُحاصرُ قوة مجتمعية، ويُهمش أخرى، ويُعاظم ثالثة، ويُمزق ويُفتت رابعة - سَيؤدي لا محالة تكرار الأزمة وتصديرها للأمام، وسيُفضي إلى منتج بالغ الرّداءة والقرف، عافه الذوق السياسي والشعبي على السواء، وما زال أُنموذجُه ماثلا يَتحاور بالأحذية، ويَكيلُ الشتائم، ويُشهرُ السلاح، ويَظهرُ على ذراعه وشمُ البلطجة، وعلى جبينه سيما التزوير.
 
قراءة سريعة لنبض الشارع الاردني، وهمسات المارّة، وصالونات السياسة، والصُّحف اليومية والمواقع الإلكترونية، وفضاءات الإنترنت - تؤكد أنّنا ذاهبون إلى لحظة حرجة متشابكة الخيوط، معقدة التركيب، مفخخة بانعدام الثقة والشعور بالإحباط، مسكونة بالريبة والتشكك، ولن تستطيع أدوات النظام مهما بلغت ثقتها بنفسها أن تحتويها أو تسيطر عليها.
 
أعطوا الأردني حقوقه، ولا تماطلوه مدة أطول فقد ضاق بحالة التهميش، وآذاه التجاهل، واستفزه الاستخفاف وإدارة الظهر، وربما بات على شفا فقدان القدرة على ضبط النفس، أو كبت البركان الذي بدت بعض ملامحه بانفجارات وتوتُّرات مع مؤسسات النظام على خلفيات متباينة على امتداد الوطن.
 
لقد أبدى القوم كرما أصيلا ومشاعر نبيلة تجاه الأعرابي، وأبدى هو قدرا كبيرا من الوعي بالذات وتحديدِ الحاجة، مع أنّ كلا الطرفين لم يكن ملزما تجاه الآخر بشيء.
 
 لكن النظام الرسمي - إلى اللحظة - لا يبدي كرما ولا مروءة تجاه الشعبِ، مع أن الشعبَ صاحب الحق، والمالك الحقيقي للمطعم السياسي والتشريعي ، ويصر (النظام) على نهجه القديم بنكران الحق وتعطل الدستور بمبررات واهية، وخُدع جديدة أسماها حزمة الإصلاحات الدستورية والقانونية التي تم إنجازها وتمريرها بسيرك الأفواه والأيادي القاذفة.
 
اطبخوا للشعب ما يرد، وقدموا له حاجته، واستمعوا لمطالبه، ولا تلهوه عن حقه بطبخ الحصى لأنه لن يخدع بعد اليوم، ولن تستطيعوا إكراهه على تناول ما تطبخون في العتمة، فهو قد خرج عن الطوق ولا سيطرة لكم بعد اليوم على إرادته ولا على قراراته.
 
ولا تصرُّوا على طبختكم، فقد شاطت واحترقت على موقد الفساد والفاسدين، وسيدلُقها الموقف الشعبي على رؤوسكم قريبا، فاحتاطوا لأنفسكم بمستحضرات الحروق الميدانية، وصحتين وعافية.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد