البلطجة بين الأناقة والبوهيميّة

mainThumb

23-07-2012 02:34 AM

 في عامين هما الأسخن عربيا منذ عقود، أغرقنا الإعلام العربيّ بمصطلحات من قبيل البلطجة والشبّيحة وغيرهما الكثير، وتلقفناها لنتحدث وبإسهاب مكرّر عنها، بل أصبحت موسيقا جميلة تُسعد الأذن حين نطلقها على الآخر، وجميعنا مصاب بها ونُسعد لسماعها.

          وبما أن جمع المذكر السالم يخص العاقل وصفته،وجب جمع البلطجي على بلطجيّة أو بلاطجة لا بلطجيون، لبعدهم عن العقلنة وصفة صاحبها.والبوهيميّة استعرتها علّها تصلح أن تكون مضادّا لمعنى الأناقة في هذا المجال.
         البلطجة جزء من نظام اجتماعي موجود في ثقافتنا العربية، بل ومحميّ عرفيا منذ أمد التاريخ ونمارسه في يومياتنا ونحتضنه تحت مسميات مختلفة اجتمعت في معنى (الفزعة) و (المناصرة)،إلا أنها ظهرت وطفت على السطح وأخذت بعدا آخر يعبر عمن يفزع للحاكم في فترة ما سماه الغرب الربيع العربي.
 
         إذن هي نظام الفزعة ولكن بعد أن خرج من نطاقه الاجتماعي التقليدي بفعل المتغيرات السياسيّة والحراكيّة ودخل إطاره السياسي وأصبح يأخذ أسماء ومعانيا واهتماما كبيرا،تماشيا مع الواقع الجديد، ويكون سوؤه بمقدار فلـَتانه وفَلـَتان من يقف وراءه ومن يعمل على إنشائه ودعمه.
 
        والبلطجة أو الفزعة القائمة على التوجه السياسي أو العنصري أو الطائفي، وبدون وجه حقّ، وكحالة اجتماعية، تعيش في الكثير من العقليات العربية، وتمد جذورها في ثقافتها،وبمعنى آخر أصبحت نوع من المناصرة والاصطفاف كلّ وراء من يؤيد،وظهر بريقها بعد استخدامهم طريقة المواجهة الخشنة والعنف الدموي البربري.
 
        المناصرة مطلوبة ولكن الإيجابية منها، مناصرة المظلوم لإعادة الحقّ لأصحابه، على أن لا تتحول إلى حالة ظلم أخرى، تكرر نفسها في لوحات جديدة متولّدة،أما نصرة الظالم كما هي بكل القوانين وكما هي بالمفهوم الإسلاميّ (لا عند من يدعيه)، فأنها تكون بالحجز والمنع من ارتكابه لا بالبلطجة ونصرته ظالما، وبذلك تبقى ضمن التضامن والمناصرة الإيجابيّة . 
 
       الكاتب والإعلامي والسياسي وغيرهم الكثير، وراء أغلبهم بلطجيّة، يفزعون لنصرتهم بغير وجه حقّ،وتراهم يقومون هم أنفسهم بدور البلطجة الأنيقة، فتسمع إعلاميّا مرموقا يهدد أولّ ما يهدد بمناصريه،وتراه في سياسيّ كبير يهدد بأقاربه أمام أيّ موقف يواجهه،وبالفعل يجدوا من يناصرهم حتى وإن كانوا لصوصا ومفسدين، كما الحال عند بعض القرّاء أيضا الذين يبلطجون نيابة عن أنفسهم أحيانا، وبالوكالة عمن يصيبه الحديث أو الموقف أحيانا أخرى.
 
         فلو انتقدت مثلا وبصورة حضارية نظاما أو حزبا أو نقابة أو مؤسسة ما أو شخصية ما، فسترى جموعا من البلطجيّة يهبّون للتصدي لك وبصورتهم الهمجية،ولكي ترى بعضا منهم ما عليك إلا أن تنزل بفأرتك إلى أسفل.
         فهل نحن بلطجيّة بقدر ما تسمح به الظروف وأدواتها،وبقدر ما تُمس قناعاتنا ؟


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد