الفلسطينيون في ربيع العرب

mainThumb

24-07-2012 02:23 AM

 المسكوت عنه هي الإجابة عن سؤال مركزي يدور في خلد المتابعين للحركة العربية الواسعة التي تسمى اليوم «ربيع العرب».. أين الفلسطينيون؟ وهو سؤال تهتم به أوساط مختلفة، وعلى رأسها الفلسطينيون أنفسهم. من يعتقد أن مشكلات الشرق الأوسط سوف تحل بسبب تغيير النظام في مصر أو تونس أو اليمن أو ليبيا أو حتى سوريا، فهو قريب إلى الوهم! صلب المشكلة هي فلسطين! يخطب ودها مغامر، ويسعى لها مستفيد، ويتوقع أبناؤها الفرج حتى ولو كان الطريق مسدودا.

 
خالد مشعل يخطب في مؤتمر النهضة الأول في تونس؛ ومنها إلى المغرب حيث يخطب من جديد في مؤتمر الحزب الحاكم أو صاحب الأغلبية في الحكم.. كلا المؤتمرين ذو نكهة إسلام سياسي، ثم ينتهي الأمر بلقاء خاص مع رئيس الجمهورية المصرية لم يحدث من قبل. إسماعيل هنية من غزة يقول إن «هبة الربيع العربي قد بدأت، ولن تنتهي إلا بتحرير القدس عن طريق عودة الخلافة»!!
 
يصر الفلسطينيون (معهم بعض العرب) على انتظار الخلاص من مكان بعيد، دون النظر إلى موقع أرجلهم. قبل ذلك، كان عبد الله عزام، مهندس التيار الجهادي في أفغانستان، يسعى من أقصى الدنيا إلى أقصاها في ثمانينات القرن الماضي لحشد الأنصار وجمع الأموال من أجل تحرير أفغانستان؛ فهي الطريق إلى فلسطين. صالح سرية مؤسس ما عرف بـ«جماعة الفنية العسكرية»، كان فلسطينيا يدرس في بغداد ثم تحول إلى الراديكالية الدينية، ضاق به أمره في بغداد فتحول إلى مصر، وقد حاول في بداية سبعينات القرن الماضي وضع خطط لاغتيال عدد من رجال السلطة ونسف مؤسسات عامة من أجل إقامة «دولة الخلافة» التي وضع أسسها في كتابيه «رسالة الإيمان»، طريقا إلى فلسطين. شخصية فلسطينية أخرى لعبت دورا في ثمانيات القرن الماضي في الخليج هو عصام البرقاوي أو أبو محمد المقدسي.. وظف عدم الرضا في مجتمعات عربية تواجه أزمة هوية عميقة باتجاه الخروج على الأنظمة السائدة للوصول إلى الحلم، وهو إقامة الخلافة، أيضا وصولا إلى تحرير فلسطين.. هذه الشخصية التي انتقلت طفلا من فلسطين إلى الكويت إلى العراق، هو من أكثر المنظرين للجهاديين تأثيرا؛ لا على العرب فقط؛ بل قد ظهر له أتباع حتى في أوروبا. وقد صدر كتاب بالألمانية عن حركة «المقدسيين الألمان»!
 
سجون مصر تفتح فجأة إبان الخلل الذي أصاب الدولة المصرية بداية عام 2011، ويخرج منها كثير من المساجين، ولكن من بينهم عدد من الفلسطينيين، وأعضاء في خلية حزب الله في مصر، ثم في أقل من ساعات يصلون إلى غزة؛ بل وإلى بيروت
 
الجهاد ضد «اليهود والنصارى» الذي أعلنه بن لادن والظواهري وجُند له العديد من العرب وغيرهم - تقريبا - من مشارق الأرض ومغاربها، كان يستهدف - على الأقل في العلن - جلب الحق لأصحابه في فلسطين. تقي الدين النبهاني مؤسس حزب التحرير في القدس، عام 1953 من أجل إقامة «الخلافة الإسلامية» وما قام به ناشطو هذا الحزب أو من خرج منه للدخول في نشاط سياسي آخر، دافعه الأساسي «الانتقام لضياع فلسطين». حركة الإخوان المسلمين والتنظيمات الدولية والمحلية في صلب برامجها الموضوع الفلسطيني.
 
لقد انتشر عشرات الأساتذة الفلسطينيين في أرياف ومدن العرب بعضهم يدعو، والآخر ينظم الشباب؛ إما بأسلوب واضح كالتذكير ببلاد عربية فُقدت وحاق بأهلها ظلم عظيم، أو من خلال الانخراط في دعوات أو إقامة تنظيمات في سترة دينية، كلها تتوسل النصوص وتدبج الأفكار من أجل الهدف الأخير.. فلسطين.. أسماء مثل الأخوين عمر ومحمد الأشقر، عبد الله أبو عزة، وحسان حتحوت، وأكرم حجاري، من بين كثيرين من الفلسطينيين الذين نشطوا في حركات الإسلام السياسي في عدد من دول الخليج، يداعبهم مفهوم غامض هو إقامة الخلافة الإسلامية التي سوف تحرر فلسطين تلقائيا.
 
الشر المحض الذي واجهه الفلسطينيون جراء طردهم من بلادهم أو الزج بهم في مخيمات لجوء، جعل من بعضهم يتوسل تقويض الأنظمة من خلال الدعوة إلى قلب الأنظمة العربية التي وجدوا أنها قد بخستهم حقهم في النصرة، فكان - وذلك الأمر من الطبيعي - أن يتوجه «الفلسطيني» إلى محاولات دائبة لإيجاد مخرج له من هذا الظلم البين الذي يفترس ضميره يوميا، كما يفترس أهله في المخيمات والمنافي غارقين في الفقر ومحاصرين تحت الطغيان. فكان المخرج لبعضهم التوجه إلى الدين من أجل احتكاره وتوظيفه في المعركة، كان ذلك من أخطر المزالق، حيث لا يغني عن التفكير السياسي الذي جُنب حتى الساعة.
 
طبعا كان أحد المخارج السياسية قيام منظمة التحرير، إلا أن قيامها كان صعبا وعسيرا، كما أن استمرارها ثبت أنه أصعب وأعسر. فتفرق البعض إلى أماكن اعتقدوا أنها الطريق الثاني إلى فلسطين، بوضع هدف بعيد هو إقامة الخلافة الإسلامية، ومنها يكون حل الموضوع الفلسطيني هو تحصيل حاصل. تلك قناعة تجدها منتشرة في أدبيات الفرق الفلسطينية؛ لعل آخرها ما أشرت إليه سالفا من تحرك وتصريحات.
 
تعددت الاجتهادات للمسيرة الفلسطينية.. اختلفت نقاط الانطلاق، وتلوى المسار بين أضراس «الأصدقاء» وفتك الأعداء، اعتلى كثيرا من الأهداف ضباب داكن وكثيف من الشعارات، وتكثفت النيران الصديقة أكثر من النيران العدو في بعض الأوقات على الجسم الفلسطيني. إلا أن كل ذلك هو نتيجة طبيعية لما سماه تاريخ العرب الحديث تخفيفا «نكبة» وهو في الحقيقة «هزيمة حضارية» أشد من الهزيمة التي منيت بها شعوب المنطقة جراء الاستعمار المباشر. الاحتلال الإسرائيلي وما خلفه من الفحش والصلف، وما تلاه من موقف دولي سادر في الغي، جعل بعض الفلسطينيين يبحثون عن مخارج تقودهم إلى تخفيف ما هم فيه، أو طريق للعودة الكريمة إلى أوطانهم، حتى لو كانت مشوبة بالخيال.
 
وقفت بعض القوى الفلسطينية بباب الثوار في كل مكان.. هرعت إلى ضباط الانقلابات العسكرية في عواصم العرب، فلم تقبض إلا الريح والسجون، كما سارعت إلى أبواب طهران في فورة عاطفية بعد الثورة الإيرانية، فعادت أدراجها من جديد بخفي حنين، ثم وقفت بعض قواها اليسارية طويلا تتجرع المرارة على أبواب «البعث العربي» في بغداد أولا، فاستفاد منها حاكم العراق دون أن يفيدها، واستخدم بعض رجالها «أدوات قتل شبه مأجورة لتصفية الآخرين، ثم يُصفّوا»، كما حدث لأبو نضال وغيره الأقل شهرة. كما وقفت حماس بباب دمشق طويلا من أجل ممانعة لفظية، فوجدت أنها تُستخدم أكثر مما تستفيد، ثم بدأت تصفية رجالها من أجل دفن الأسرار تحت جثثهم، بالضبط كما حدث في بغداد سابقا.
 
هذا الفلسطيني التائه والمعذب في الأرض يبحث اليوم بلهفة عن ظل في ربيع العرب، الذي كان جزءا من محرك دوافعه، أمامه اليوم احتمالان: الأول أن يضع كل بيضه في سلة الربيع «فيعود التاريخ إلى تكرار أحداثه التي كانت مع العسكر، ومع التسلط» فيكون الخسران من جديد أفدح. أو أن ينظر إلى قواه الذاتية، ويفعل كما حاول قبله رجال عرفات - إن صحت التسمية - بإعادة ربط سلسلة المتضررين وهم الفلسطينيون سواء في فتح أو حماس أو غيرها من المنظمات في رباط واحد.. ربط تلك السلسلة معا على أساس أن «ما حك جلدك غير ظفرك» هو الأقرب إلى المنطق العقلاني، والأكثر قربا للوصول إلى الهدف، مهما كان صغيرا اليوم. الانفلات في العواطف ونقل البندقية الآيديولوجية من كتف إلى آخر يطيل الطريق على الفلسطينيين في الشتات، مهما سمعوا اليوم من كلام معسول! واجب النظر تحت الأقدام لا في الأفق البعيد.. هي النصيحة المثلى التي يجب أن توجه للفلسطينيين، تمسكوا بالعروة الوطنية التي تضبط الاختلاف، فلا طريق غير وحدتكم الوطنية للحفاظ على زخم القضية.
 
آخر الكلام:
 
العدوان عند الذئاب لا يدوم، مثلما يدوم العدوان بين الإنسان.. الذئاب تتقاتل بشراسة، ولكن عندما يشعر أحدهم بالهزيمة، فإنه يقوم في الحال بعمل حركات استرضائية لينهي القتال، ليس في العادة أن يستمر القتال بينها حتى الموت!، أو - في الحالة الفلسطينية - حتى ضياع القضية!!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد