الإصلاح المرجو في الكويت

mainThumb

27-10-2012 01:26 PM

 ليس مهما ما تتصدره عناوين الصحف في الأيام والأسابيع القادمة حول الكويت، المهم ما سوف يكتبه التاريخ! اليوم بلا شك هناك شبه انقسام في المجتمع، تجمعت ظروفه وتراكمت أسبابه، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، من معسرة سياسية، فكانت المسيرة مساء الأحد الماضي، وهي مسيرة جمعت أطرافا مختلفة من الاجتهادات السياسية والاجتماعية، ليست بالضرورة موحدة الأهداف وإن بدت موحدة المطالب الآنية، وليس من المحتم أن تكون كما يقال على قلب رجل واحد، ولكن تجمعت تلك الأسباب المعسرة في السياسة الكويتية على مر زمن ليس بقصير، إلى أن أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه من انسداد أفق. العنوان الجامع الذي يمكن أن يكون تفسيرا لكل الحدث هو غياب الدولة بالمعنى الرمزي للغياب. فعلى سبيل المثال، كانت البيروقراطية في معظمها خاضعة للابتزاز السياسي، بمعنى تأثير النائب أو النواب في البرلمان على الوزير أو الوزراء، حيث كان ذلك الضغط في جزء منه ربما محق، وفي كثير منه غير محق. فاستخدمت «الواسطة» لتمرير مصالح - صغيرة أو كبيرة - حتى خلق في المجتمع على مر الوقت ما يمكن أن يسمى بـ«الزبائنية»، فحرم المستحق وتقدم غير المستحق، وترك ذاك الفعل نوعا من عدم الرضا لدى الكثيرين، خاصة الشباب المتعلم، والأكثر ألما أن الأصوات الأكثر علوا في السدة البرلمانية هي التي تحقق لها البيروقراطية مطالبها، وبعد طول تجربة غدا فيها منصب الوزير في الكويت تكليف مشقة في كثير من الأوقات، قبل أن يكون تشريف إنجاز، يبقى الوزير دون أن تثار حوله المشكلات، ما دام يحقق لأصحاب الصوت الأعلى مطالبهم، أما من يرى تطبيق القانون السائد فهو مبشر بمغادرة منصبه مبكرا غير مأسوف عليه.

 
تعطلت التنمية بكل أشكالها، في التعليم وهو الأهم، وتقاعست الإدارة العامة إلى حد العجز وفي الخدمات الصحية والإسكانية تباطأت الخدمة، وأصبح المواطن العادي ينظر إلى ما يحقق في بلاد الجوار على اختلاف أشكال الإنجازات بحسرة وغصة.
 
لذا، فإن ما يحدث في الكويت يحتاج إلى خطوات إصلاحية نابعة من خطة واضحة المعالم ومتزامنة. ربما يكون الإصلاح في طريقة اختيار أعضاء مجلس الأمة خطوة صغيرة في مسيرة مستحقة منذ زمن، وقد يكون التردد والأخذ بالخواطر –التي هي في كثير منها متناقضة - تحقق خسارة لجمهور المواطنين أكثر من المنافع. مما سمعت من مواطنين، ليس لهم بالشأن السياسي في العادة، دعوة أن يحفظ الله الكويت، وهي دعوة يرددها حتى قطاع كبير ممن شارك في مسيرة الأحد الماضي، كما أن جوا من الاستنكار ظهر في وسائل الاتصال الاجتماعي تجاه من أراد التدخل من خارج الكويت تحت الغطاء الديني، الذي يرى كثيرون أنه قد يكون المستفيد الأكبر من خلق الفوضى، حيث إن ذلك التوجه هو الأكثر تنظيما من أي قطاع آخر في البلاد. كما مال البعض لاستثمار ما حدث ويحدث في الكويت لدق إسفين طائفي، كان يجول في الأفق السياسي الكويتي منذ زمن، نتيجة غياب الدولة بالمعنى الإيجابي أو الاعتقاد أنه سوف يختفي بمجرد التمني.
 
فالمرجو من أهل الرأي، بعد أن حدث ما حدث، أن يبنى عليه للسير نحو التقدم في طريق الإصلاح الشامل بإنجاز تصور كامل/ شامل يعرض على الناس، وتكون له نتائج إيجابية ملموسة، ولعل أول الخطوات التي يتوقعها الناس هي تشكيل المجلس القادم. هذا التشكيل يحتمل أحد احتمالين لا ثالث لهما؛ إما أن يبتعد كثير ممن يتوسم فيهم الشعب الكويتي القدرة على الإصلاح، وبالتالي يتقدم إلى الصفوف الأمامية عينة من المواطنين ناقصي الخبرة، فيقع الجميع في دوامة جديدة من التصعيد، أو أن يقرر بعض من يمتلك الخبرة والرأي المبادرة بمسيرتهم إلى الترشيح القادم، رغم كل تيار الغضب الآني، فيُستكمل بالتالي الحراك نحو التغيير. ومن هنا تأتي أهمية العمل الجاد في الأسابيع القليلة القادمة على إقناع قطاع واسع من المستقلين أهل الخبرة والرأي عرض أنفسهم على الناخب الكويتي، على أمل حسن الاختيار عند توفر البدائل المناسبة. إن نجاح التشكيل المقبل في مجلس الأمة هو الخطوة الأكثر إلحاحا اليوم، يأتي بعدها تشكيل لأعضاء الوزارة يستقطب احترام الناس ويكون محط أمل لهم في جهود الإصلاح المبرمج، هذا كله لا يغني عن كف يد التدخلات السلبية في أعمال فروع الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأيضا تقديم تصور حديث لتقنين التعددية - أي الجماعات السياسية ذات البرامج الحديثة - بعيدا عن التكتلات التقليدية التي أدت اليوم إلى محاولات العزل والتهميش للآخر، وكما أدت إلى استقطاب حاد على خلفية طائفية.
 
من هنا فإن المهم في الأيام والأسابيع القادمة أن تقوم مؤسسة الدولة بتحقيق عدد من الخطوات التنفيذية تبعا لقاعدة الأصلح والأنفع والأكفأ، بدلا من المحاصصة التي فشلت وتركت إرثا من الشروخ المجتمعية، إن أردنا أن نبني على ما تم، وإيجاد خارطة طريق تخرج المواطن العادي الذي وصفت حاله في الأسبوع الماضي - في مقال هنا - بالهلع؛ وأن يخرج هذا المواطن دون تخوين الآخر أو إخراجه من معادلة التوتر السلبي إلى المواطنة وهي بر أمان للجميع، من خلال إعلاء فكرة المواطنة ونبذ فكرة المحاصصة، التي أدت إلى الأخطاء السابقة، والتي تبنت الاسترضاء والمجاملة والتوظيف السياسي السلبي فأدت إلى تفاقم السلبيات إلى حد الانفجار.
 
ليس كل من خرج الأحد الماضي مغررا به، وليس كل من خرج له أجندة غير وطنية، ولكن في نفس الوقت بعض من خرج كان جزءا من المشكلة، وليس من المنطق أن من يكون جزءا من المشكلة هو أيضا جزء من الحل! منطق الأمور أن تقود الدولة الحل بالاعتراف أن هناك كثيرا من المشكلات تم تجاهلها على أنها ثانوية، حتى تراكمت لتصبح جوهرية. والاعتراف بأن في كل مجتمع صراع، وأن حل الصراع سلميا بتبني آليات حديثة لها قدرة الفصل بين الصالح والطالح.
 
أرى أن هناك احتمالا قريبا إلى التحقق.. هو أن خطوة أمير الكويت الأخيرة - التي وجد البعض نفسه معارضا لها الآن - في حال إتباعها ببرنامج إصلاحي متكامل، أن تكون في نظر التاريخ الخطوة الأصح، حتى لو قابلتها مانشتات الصحف اليوم بالتحفظ، فالرجال الكبار ينظرون إلى ما يكتب التاريخ لا ما تقوله عناوين الصحف.
 
آخر الكلام:
 
على ارتفاع ثلاثين ألف قدم في الطريق إلى مكة، فتح قائد الطائرة الكويتية المذياع الداخلي وهنأ الحجاج، ثم أردف: أوصيكم أن تدعو أن يمن الله على الكويت بالأمن ويوفق أهلها إلى الصلاح. هذا الرجل الوطني هو مثال لكل المواطنين الصالحين، كل عام وانتم بخير من مكة المكرمة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد