الأوراق الملكية إرادة القرار وإلاقصاء المتعمّد

mainThumb

07-03-2013 10:39 PM

 الورقة الملكية الثالثة وضحت رؤية النظام لمستقبل العملية الإصلاحية التي بدأها بالتعديلات الدستورية الصورية حيث تضمنت أكثر من بعد ، وأولها العامل الزمني المقرون بإقرار النظام لما كان يطلقه من تصريحات بأن الشعب الأردني غير قادر على حكم نفسه وبالتالي يحتاج إلى الكثير من الوقت لتطوير ثقافته وسلوكه لبناء المؤسسات السياسية الحزبية وبناء برامجها وانتشارها الشعبي والتي تحتاج إلى سنين طوال لصعوبة انتقال المفهوم الشعبي للعمل السياسي من منطلق الفرد والعشيرة والمناطقية إلى مفهوم العمل المؤسسي البرامجي للوصول إلى حكومات برلمانية حقيقية قائمة على أساس حزبي برامجي تنافسي ، وقد كان الخطاب الموجه للخارج تدور حول ذلك مترافقاً مع أحداث ميدانية في الأردن كان النظام السبب الرئيس في افتعالها لتأكيد هذه النظرة وهذا الوصف ، ونكتفي بالتذكير بما حدث زمن حكومة معروف البخيت وقانون البلديات.

تضمنت الورقة بعداً آخر من رؤية النظام للمؤسسة الحزبية السياسية التي سيمارس المواطن من خلالها دوره من المشاركة في صناعة القرار والبناء بالمفاضلة بين البرامج المقدمة بوساطة صناديق الاقتراع ، وتكون المرجعية في الحكم على مدى نجاح أي توجه من خلال مدى رضا الشعب على أداء الحكومة من خلال الرضا عن أداء المجلس النيابي ، ولا اختلاف بين النظام وبقية من يطالب في الإصلاح بهذه الآلية وإنما ما يتم مشاهدته في الرؤية الملكية الثالثة (رؤية النظام) أنه قام بإقصاء كل المؤسسات السياسية الحزبية القائمة حالياً على الساحة الوطنية وبكل إيديولوجياتها ، وقد كان ذلك صريحاً من خلال ما يطرحه في الورقة الثالثة وأقبس منها التالي: " ثانيها، أن يكون إشراك النواب في الحكومة متدرجاً، وبالتوازي مع نضج العمل السياسي النيابي الحزبي، ممثلاً في مأسسة عمل الكتل النيابية وتطورها، بحيث تبنى على أسس برامجية وأكثر صلابة وتتطور تدريجياً إلى كتل حزبية، وهذا يرتبط زمنياً بقدرتنا على تطوير أحزاب وطنية وبرامجية فاعلة وذات امتدادات شعبية."..انتهى الاقتباس... وعليه فإن ما يتم الآن من تشاور بين القصر والكتل البرلمانية لإختيار رئيس الوزراء بأن النظام يريد لهذه الكتل أن تتحول إلى أحزاب سياسية برامجية بدلاً من التجمع على أساس مصلحي ومحاصصة سواء فردية أو مناطقية أو فئوية ، وهنا نتوقف عند تجاوز النظام من خلال رؤيته فيما طرح لما هو قائم من الأحزاب السياسية التي قام بإقصائها من المشهد ، فكان لقانون الانتخاب المشوه والمرفوض شعبياً دور كبير في ذلك فأبعد الإسلاميين عن طريقه ودفعهم إلى المقاطعة والبقاء في الشارع بعيداً عن العمل التأسيسي للمرحلة القادمة ، حتى أن القوى السياسية التي قامت بالمشاركة في الانتخابات قد تمت عملية إقصائهم من خلال النتائج والتلاعب في عملية الفرز وقضية حازم قشوع وعبله أبو علبة لا زالت ماثلة أمامنا.
النظام إذن يؤسس لمرحلة إستطاع حتى اللحظة من خلق حالة جديدة غير ثابتة في المستقبل من ديمومتها _حتى وإن كانت غير مرضية للحد الأدنى من الطموح_ فليس من تشريع دستوري يمنح المجلس النيابي مسؤولية تشكيل الحكومات ، حيث أن الممارسة الحالية من قبل النظام في التشاور مع المجلس النيابي هي زيادة لعملية التشظي السياسي واعطاء دليل من عدم وجود قوى سياسية قادرة على حيازة الاغلبية البرلمانية أو حتى تكوين إئتلاف متماسك للعمل من خلاله ، أما الرؤية للمستقبل هي صناعة مؤسسات حزبية تابعة للنظام ومرتبطة عضوياً بمصالحها الفردية المناطقية لتطغى على ما هو قائم من أحزاب سياسية ذات العمق التاريخي النضالي ما يؤهلها نوعاً ما لتكون صاحبة دور ريادي في تطبيق الديمقراطية الحقيقية.
المرجعية الحقيقية في السياسة الأردنية هي معاهدة وادي عربة وبالتالي أمن وديمومة إسرائيل ، وإذا نظرنا إلى القوى السياسية القائمة على الساحة الأردنية والتي تم إقصائها بطرقة ذكية بأنها تشترك في عدائها لإسرائيل وترفض الاعتراف به ، ونعلم أن هذه الأحزاب ذات مرجعية ايديولوجية وبالتالي فإن ما قام به النظام خلال فترة الحراك وضغوطات الربيع العربي واستحقاقاته من قدرته على إدارة المرحلة وتلاعب بكل القوى السياسية والتي يعاني بعضها الضعف والهشاشة في عمقها الشعبي باستثناء الإسلاميين ، أما الاطراف الاخرى غير المؤطرة والتي اندفعت في معطيات الربيع العربي لأجل نيل الحرية والكرامة فقد تعامل معها من خلال أطراف إما وظّفها أو إستغلّها لاحتوائهم وتحييدهم عن دائرة الفعل الحقيقي نحو التغيير تحت مبررات كثيرة لم يكن وقت تناولها ، حيث لا زالت هذه القوى تقوم بنفس الدور الذي رسمه النظام لها لاستمرارية التشظي والاختلاف والانقسام واستحالة التلاقي على أهداف واضحة تؤدي إلى الدولة المدنية ، دولة المؤسسات وسيادة القانون الضامنة للعدالة والمساواة والمسائلة.
إذن في النهاية فإن كل القوى التي تحمل الحدّ الأدنى من مشاعر سلبية عدائية تجاه الكيان الصهيوني تم إقصائها وإبعادها عن مشهد الفعل السياسي والبناء للمرحلة القادمة والذهاب نحو إنتاج أطراف سياسية جديدة من داخل التحالف المتواجد بين النظام المتمثل في البيروقراط ورأس المال لضمان المرحلة القادمة التي ستكون مسؤولة عن إنتاج أجيال قابلة للتعايش والتعامل على أساس الأمن والديمومة مع دولة الكيان الصهيوني ليصل النظام في نهايتها إلى إختفاء عقلية تحرير الأرض وتقرير مصير شعب.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد