يحتفل الوطن كل عام بمناسبة خالدة وهي مناسبة معركة الكرامة التي سطر خلالها نشامى الجيش العربي أروع البطولات وأجمل الانتصارات على ثرى الأردن الطهور وفي ذكراها الثاني والأربعين يحلو الفرح وتسمو معاني النصر، حيث تحوم أرواح الشهداء في فضاءات الأردن، فوق سهوله وهضابه وغوره وجباله، وتسلم على المرابطين فوق ثراه الطهور ويتفتح دحنون غور الكرامة على نبع دمائهم الزكية، وتجري في العروق رعشة الفرح بالنصر ونشوة الافتخار بهذا الجيش العربي الهاشمي لتطمئن القلوب بذكر الله وهي تقرأ قول الحق على روح قائد الكرامة الحسين ... رحمه الله.
قال جلالة الملك عبد الله الثاني في الذكرى الأربعين لمعركة الكرامة أنه من الوفاء والاعتزاز بتاريخنا أن نقف اليوم إجلالاً واحتراماً لشهدائنا في معركة الكرامة وسائر المعارك التي دافع فيها جيشنا العربي عن الأرض والكرامة العربية في فلسطين وفي أي مكان في الوطن العربي الكبير.
وأكد جلالته خلال احتفال القوات المسلحة بهذه المناسبة أن تضحيات جيشنا العربي ومعاركة التي أعادوا فيها للأمة كرامتها وثقتها بنفسها هي أوسمة فخر واعتزاز على صدر كل مواطن أردني لأنها تاريخنا وهويتنا التي لا يمكن أن ننساها ولا نقبل المساومة عليها أو إنكارها أو الانتقاص منها من أي جهة كانت.
وقال جلالته أن الدرس التاريخي المستفاد من هذه المعركة، والذي يجب أن يفهمه العالم وأطراف الصراع في القضية الفلسطينية هو أن الحل يكمن بإعادة الحقوق إلى أصحابها، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني، بإقامة دولته المستقلة على أرضه، بإعتباره طريق الخلاص من الحروب وآثارها المدمرة التي عانت منها شعوب المنطقة منذ أكثر من ستين عاماً.
ويشكل يوم الكرامة التي وقعت في الحادي والعشرين من آذار عام 1968 أول نصر مبين يحققه جيشنا المصطفوي للعرب عبر الصراع العربي – الإسرائيلي الطويل ليثبت أن النصر العسكري العربي على إسرائيل ليس مستحيلاً وإنما مؤكد.
جاء الهجوم الإسرائيلي مفاجئاً في الساعة الخامسة والنصف من صبيحة يوم 21 آذار 1968م على الأراضي الأردنية بقوة عسكرية كبيرة مدعومة بسلاح الجو والمدفعية، وذلك على ثلاث محاور رئيسية، بغية تحقيق أهداف استراتيجية تتمثل في احتلال المرتفعات الغربية من الأردن للوصول إلى عمان العاصمة لكي يفرضوا على الأردن القبول بتسوية معهم على عكس ما أعلنه الإسرائيليون أن هدفهم من الهجوم هو القضاء على قواعد الفدائيين في قرية الكرامة.
تصدت قوات الجيش الأردني للعدو، ومنذ الدقائق الأولى أخذت تطلق النار على قواته، وأوقعت بهم خسائر فادحة وقدم الجيش العربي الأردني بطولات رائعة في الدفاع عن حمى الأردن الغالي، مما اضطر إسرائيل لأول مرة في تاريخها العسكري أن تطلب وقف إطلاق النار، إلا أن الملك الحسين رحمة الله رفض ذلك ما دام هناك جندي إسرائيلي واحد شرقي النهر، وقد أجبرت القوات الإسرائيلية على الانسحاب تاركه وراءها 250 قتيلاً و450 جريحاً بالإضافة إلى عدد من الآليات والدبابات على أرض المعركة، وقد قدم الجيش العربي الأردني 61 شهيداً و108 جريحاً، وفي تلك المعركة تحطمت الأساطير الإسرائيلية حول عقدة التفوق العسكري الإسرائيلي.
لقد كان صمود الجيش العربي الهاشمي في معركة الكرامة بمثابة نقله نوعية في تنامي الروح المعنوية العالية، والقدرة القتالية النادرة التي يتمتع بها الجندي الأردني، وهذا الصمود والنصر كانا منعطفاً هاماً في حياة الأمة العربية حيث أبرزت للعالم أن في هذا الوطن جيشاً يأبى الضيم ويدحر العدوان ويذود عن حماه بالمهج والأرواح ويدافع عنه بكل ما أوتي من قوة.
لقد كان صمود الجيش العربي الهاشمي في معركة الكرامة بمثابة نقله نوعية في تنامي الروح المعنوية العالية، والقدرة القتالية النادرة التي يتمتع بها الجندي الأردني، وهذا الصمود والنصر كانا منعطفاً هاماً في حياة الأمة العربية حيث أبرزت للعالم أن في هذا الوطن جيشاً يأبى الضيم ويدحر العدوان ويذود عن حماه بالمهج والأرواح ويدافع عنه بكل ما أوتي من قوة.
ومهما كان احتفالنا بهذه الذكرى الخالدة فإننا لا نستطيع أن نفيها حقها لأنها أكبر من كل الكلمات وأكبر من كل الاحتفالات فهي معركة أعادت إلى الأمة احترام الذات بعد نكسة حزيران وأن النصر الذي حققه جيشنا الباسل البطل في هذه المعركة جاء في وقت كنا فيه بأمس الحاجة إلى ملامح نصر وعزة وكرامة وإلى وقفه كلها شرف وإباء وكانت معركة الكرامة.
واحتفالنا بمعركة الكرامة العربية في الأردن هنا أمر طبيعي لأنها جزء من تاريخنا العسكري الذي نفخر ونعتز به حيث أنها لم تكد مجرد معركة استبسل بها الجيش العربي بل أنها قد أعطت المعتدي درساً واضحاً بأن حروبه معنا ليست نزهة وإنما لم تهزم عدواً طامعاً حاقداً فحسب بل ضمدت جرحاً عربياً مكلوماً بسواعد أبناء الأردن البررة وقوتهم النافذة يوم تثبتوا بأرضهم المباركة الطاهرة التي هي موطن الآباء والأجداد يتمنون إحدى الحسنيين وهم يعلمون تماماً أهمية الموقف الأردني المشرق الذي ترسمه البطولة والتضحية والرجولة.
فالكرامة تعد عنوان لأمة لها في التاريخ كرامة وعنوان حيث ضعت المجد يوماً ولا زالت إذا أرادت فنصر كهذا ليس كمثله أي نصر لا في مجرياته أو نتائجه الميدانية ولا في شروطه وظروف تحقيقه ولا في معانية ودلالاته حيث كان النصر الأول الكامل، العربي، الأردني بإمتياز وتصنف معركة الكرامة بأنها الحرب الرابعة، بعد ثلاث هزائم متتالية في الـ48، والـ56، والـ67 لتأتي الكرامة وتعيد التوازن النفسي والمعنوي للأمة بأسرها.
وفي يوم الكرامة يهتف الشعب كله والأمة كلها تردد من ورائه كل ما حوى قاموس اللغة من تحايا وإعجاب وإكبار لجيش الأردن العربي صانع نصر الكرامة ولقيادته الهاشمية ولشهداء الوطن والأمة الذين خلد أسماءهم نصب تذكاري على أرض الكرامة وهنيئاً للوطن بشعبه وقيادته ليكن يوم الكرامة ذكرى لا تزول وجرس يرن في أسماع الأمة وأجيالنا القادمة.
لقد كان يوم معركة الكرامة أغرً محجلاً في تاريخ العسكرية العربية بعامة والأردنية بخاصة، حيث أثبت الجندي الأردني بأنه قادر على انتزاع النصر بقوة، وأثبت كفاءته وقدرته على تحمل الصعاب والمشاق من أجل وطنه، لقد كان يوم الكرامة يوم الجندي الأردني الذي جسد خلاله قوة بأس وصلابة الجيش العربي الأردني.
وأبرزت معركة الكرامة دروساً في التلاحم الوطني وقيادة أردنية هاشمية من طراز فريد، مثلما أبرزت تعاوناً بين صنوف الأسلحة المختلفة وسطر شهداء الجيش العربي الأردني بدمائهم الزكية صفحة مشرقة في تاريخ وطنهم وأمتهم يخلدها لهم التاريخ على مدى الزمن، فيا شهداء الكرامة ويا شهداء كل مواقع العز والشرف والرجولة ستبقى سيرتكم العطرة قناديل هدى لمعاني الحرية والسيادة ومشاعل حق لمعاني النصر والإرادة وسيبقى الأردن بقيادته الهاشمية المطفرة المكان الأمن بإذن الله والموئل العزيز للأحرار ومشعلاً للحرية والعدل والمساواة وبوابه الفتح والنصر والكرامة وسيبقى الجيش العربي الذي صنع نصر الكرامة عنواناً للأمن والسلام فمن الحسين إلى أبي الحسين رايات عز وفجر تبشر بمستقبل مشرق وأمل كبير وعطاء بلا حدود.