الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعد :
لقد تكلم أهل التاريخ والنسب عن القبائل العربية في بئر السبع ، وقد صنف عارف العارف المقدسي فيهم كتاب مستقل جمع تاريخهم وأخبارهم وحروبهم ، وزاد على ذلك بأن قام بتأليف كتاب في القضاء عندهم باسم ( القضاء عند البدو ) .
وجاء المستشرقين وكتبوا عن هذه القبائل العربية في مصنفاتهم وأطالوا النفس فيها ! .
ولتكملة ما دونه العلماء من أخبار هذه القبائل ، أحببت بأن أفرد رسالة في ألعاب هذه القبائل العربية كي تعم الفائدة بإذن الله .
وقبائل بئر السبع تُعد من كبرى قبائل العرب لما لها نفوذ خارج حوش بلادها ، وهي ( قبيلة الترابين وأبناء عمومتهم الوحيدات و قبيلة التياها وقبيلة الجبارات وقبيلة العزازمة ) وهناك قبائل أخرى كـ ( الحناجرة ... وغيرهم ) .
وقد تكلمت على أنساب هذه القبائل في رسالتي ( الإلمام ) وأما من يزعم أن بعض هذه القبائل قرشية أو أزدية أو هلالية فهذه الأقوال دونها خرط القتاد ليس لها ذكر إلا في المصادر الحديثة التي مصدرها العوام !! والعوام هوام ...
وأما المصادر القديمة فتبين أن معظم هذه القبائل جذامية قحة وقد فصلت ذلك في رسالتي ( الإلمام في منازل وأعلام وبطون وأنساب جذام ) باستثناء العزازمة وهم من كلب .
وبئر السبع تعتبر حاضنة لقبائل العرب .
ومن باب التنبيه فهناك كتب قد صنفت في تاريخ قبائل بئر السبع لا يجوز الاعتماد عليها لما فيها من الجهل والإفلاس من معرفة أصول علم الأنساب مثل الكاتب ( أحمد ابوخوصة ) وهو كاتب عامي لا يجيد أبجديات هذا العلم وقد عبث بأنساب هذه القبائل العريقة بجهل مدقع .
والألعاب التي سوف نذكرها يشترك في معرفتها قبائل أخرى خارج حوش النقب .
( ألعاب صبيان قبائل بئر السبع )
1ـ ( عُظيمُ مَرّاحْ ) .
قلت : هي من ألعاب الليل عند صبيان قبائل بئر السبع ، يأخذون عظماً ويدسونه ويقولون :
عُظيمُ مَرّاح وين لقّى ووين راح ؟!!
وقد ذكرها الجاحظ في ( الحيوان ) (9/130) باسم ( عظيم وضاح ) حيث قال : (وعُظيمُ وَضّاح : أن يأخذ بالليل عظماً أبيضَ ثم يرمي به واحدٌ من الفَريقين فإنْ وجدَهُ واحدٌ من الفريقَين ركِب أصحابه الفريقَ الآخر من الموضع الذي يجدونه فيه إلى الموضع الذي رموا به منه . ).
قال ابن منظور في ( لسان العرب ) ( 2/213) : ( وفي حديث المبعث : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يلعب وهو صغير مع الغلمان بعظيم وضاح .. ) .
قلت : ولم أجد لهذه الرواية إسناد كي أنظر لصحة هذا الخبر من ضعفه ، إنما المعروف في حديث مبعثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما ذكره أهل الصحاح و السنن أن جبريل جاء إلى النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهو يلعب مع الغلمان فصرعه وشق قلبه ، ولم أجد أنه كان يلعب هذه اللعبة .
ولعبة ( عظيم وضاح ) والتي نطلق عليها اسم ( عظيم مراح ) قد لعبتها في صغري مع أحد أبناء عمومتنا حين قدم من النقب .
2ـ ( طَرَدَتْ !! ) .
لعبة يلعبونها الصبيان ، وهي قيام أحد الصبيان بتغميض عينيه وباقي الصبيان يهربون ، ثم يقول أحدهم : طردت !! .. فيفتح ذاك الصبي عينيه ويقوم بالركض خلفهم وإذا مس أحدهم فقد غلب .
وقد ذكر أحمد تيمور باشا في ( لعب العرب ) ( 10 ) : ( وفي مادة ( طرد ) من اللسان : والطربدة لعبة الصبيان ( صبيان الأعراب ) يقال لها : المأسة والمسة ، وقال الطرماح يصف جواري أدركن ، فترفعن عن لعب الصغار والأحداث :
قضت من عناق والطربدة حاجة
فهن إلى لهو الحديث خضوع ....) .
قلت : وما زال بعض صبيان قبائلنا يلعبونها إلى اليوم .
3ـ ( حو و بو !! ) أو ( الحيب ) .
وهي لعبة يقوم أحد الصبيان بحمل عصا طويلة ومعه عصا صغيرة أخرى ، فيقوم بضرب العصا الصغيرة بالعصا الطويلة في الهواء ، فإن تلقفها أحد الصبيان فقد خسر وان لم يتلقفها فيقوم بتتبعها وضربها ويستمر على ذلك .
وما يشبه هذه اللعبة ما يسمى ( المقلة ) وقد ذكرها ابن منظور في ( لسان العرب ) ( 2/ 132) وذكر احمد تيمور في ( لعب العرب ) ( 44) : ( القلو رميك ولعبك بالقلة وذلك أن ترمي بها في الجو ثم تضربها بقلاء في يدك وهي خشبة قدر ذراع فتستمر القلة ماضية فإذا وقعت كان طرفاها نائيتين على الأرض فتضرب إحدى طرفيها فتستدير وترفع ثم تضربها بالمقلاء فتضربها في الهواء ، فتستمر ماضية .. ) .
4ـ ( السباق !! ) .
وهو أن يصطف الصبيان ويركضون لمكان معلوم بينهم ، فمن وصل أولاً فهو أسرعهم !! وهي من الألعاب المعروفة والمشهورة عند كثير من العرب .
وقد جاء ذكرها في سورة يوسف حيث قال تعالى : ( قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ) ( يوسف 17) .
5ـ (حوم الدبة ) !!
وهي من ألعاب صبية قبائل بئر السبع القديمة ، وهو أن يقف الصبي على بعد ثم يسرع ويقفز على ظهر صبي آخر .
وهي ما تسمى ( التدبيج ) كما ذكرها أحمد تيمور باشا في ( لعب العرب ) ( 16) قال : ( التدبيج في اللسان : تدبيج الصبيان إذا لعبوا وهو أن يطأ ظهره ليجئ آخر يعدو من بعيد حتى يركبه .. ) .
6ـ ( ضرب الخرق !! ـ هكذا سمعتها من كبار السن ) .
وهو قيام الصبية بلف المناديل وضرب بعضهم البعض !! ، وقد وجدت في ( لعب العرب ) ( 23) : ( وفي القاموس : المخراق المنديل يلف ليضرب به ، وفي اللسان المخاريق واحدها مخراق ، ما تلعب به الصبيان من الخرق المفتولة ، قال عمرو بن كلثوم :
كأن سيوفنا منا ومنهم
مخاريق بأيدي لاعبينا ... ) .
7ـ ( الدحرجة ) .
وهو قيام الصبيان بالتدحرج من مكان مرتفع إلى أسفله .
وقد ذكرها ابن دريد في ( الاشتقاق ) ( 522) باسم ( الدحيرجاء ) .
8 ـ ( أركبوهم !! ) .
وهو أن يضع فريق من الصبيان خرقة ويخبئونها بالتراب ، فإن وجدها الفريق الآخر من الصبيان ، غلبوا وركبوا على ظهور الفريق الأول من مكان الشيء المخبئ إلى مكانهم سابقاً .
وهي شبيهة بلعبة ( عظيم مراح ) .
9ـ ( التحريش ) ! .
وهي من الألعاب المعروفة والمشهورة قديماً ، وتتنوع فمنهم من يحارش بالديوك أو بالنمل أو الكلاب .. الخ .
10ـ ( المقليعة !! ) .
وهو ما يسمى بـ ( المقلاع ) يقوم الصبيان بوضع إشارة بعيدة ، فمن أطاح بها بمقلاعه فقد غلب .
هذا ما وقعت عليه من ذكر الألعاب القديمة التي كان يلعبها صبيان قبائل بئر السبع .
وهناك كثير من الألعاب الحديثة كـ ( الحجلة ، طاق طاق طاقية ، شبرة قمرة .... الخ ) قد لعبها صبيان هذه القبائل العربية ، لكن شرطي في مقالتي هذه بذكر الألعاب القديمة والتي قد أنقرض معظمها .