25 يناير و 30 حزيران أين الثورة .. ؟!

mainThumb

14-07-2013 03:38 PM

الربيع العربي الذي جاء كردّ فعل طبيعي على حالة الإحتقان لدى الشعوب العربية نظراً لتردي الأمن المجتمعي وزيادة معدلات البطالة وارتفاع تكلفة السلة المعيشية وزيادة في التهميش والاقصاء في ظل أنظمة أُحادية فردية مستبدة استطاعت عبر سنين وجودها إنشاء تحالفات داخلية متينة لتكوِّن طبقة الحكم الخليط بين السلطة ورأس المال ، وزاد من قوة هذه الطبقة توجه الأنظمة إلى نظام السوق المفتوح والخصخصة والإحتكار وبيع قطاعات عامة رئيسة كان يُنظر على أنها أعمدة الدولة ومصدر الأمان لدى المواطن لاعتبارها ملاذاً للعمل ورافداً لخزينة الدولة بالمال وتمثل رمزية السيادة.


الانتفاضات الشعبية كانت رفضاً لهذا الواقع الذي يسير بوتيرة كبيرة تزيد من تهميش أكبر للقطاعات الشعبية الواسعة من المشاركة في صنع القرار أو حتى بناء سياسات تكون معاناة المواطن هي الاستراتيجية فيها ، إضافة إلى رسم ديمقراطيات تتوافق مع رغبات الطبقة الحاكمة من استمراريتها وتجديدها لنفسها من خلال منظومة تحالفات غير ظاهرة مع قوى اجتماعية في الدولة سواء العشائرية أو المناطقية أو رأس المال سواء المُسيطر أو الناشئ ، إضافة إلى شخوص استطاعت الدولة بمنظومتها من صناعتها كمؤثر في محيطه العشائري أو المناطقي ، وهو ما بات يُعرف بالدولة العميقة ، وهي المانع الحقيقي لأي تغيير خوفاً على مكتسباتها.
الجموع البشرية التي خرجت على أنظمتها لم تُنتج قادة تغيير يمتلكون روح الثورة وزمام المبادرة أو الرؤية المتكاملة للمرحلة القادمة وبرامج تفتح الطريق لحياة جديدة في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، حيث عَمِدت القوى السياسية الموجودة في ظل الأنظمة السابقة من العمل على عدم تكوّن هذه القيادات الشعبية لأنها ستصبح بلا تأثير يُذكر في رسم المرحلة اللاحقة لسقوط الأنظمة ، فكانت هي الموجه للقطاعات الشعبية المسحوقة ببرجوازيتها ونرجيستها وكذلك انتهازيتها وإقصائها ، وقد مارست هذه القوى السياسية هذا الأسلوب مع معطيات المرحلة الجديدة الانتقالية انسجاماً مع رغباتها وأطماعها بالسلطة وليس من منطلق بناء دولة مدنية حديثة وبناء آليات ديمقراطية توافقية تؤدي إلى تداول السلطة سلمياً يعود بالفائدة على الجميع وخاصة الجموع المسحوقة والمهمشة طيلة عقود حيث كانت القوة الرافعة لارتفاع صوت هذه القوى السياسية.
الثورة عندما تبدأ بصياغة المرحلة الجديدة تكون استراتيجيتها في بناء تحالفات جديدة مع القوى المؤثرة لتكون شريكاً في صنع الرؤية للدفاع عن الثورة بدلاً من الوقوف ضدها أو محاولة إفشالها لإسقاط التحالفات السابقة المسؤولة عن التشوهات الموجودة في بُنية المجتمع والدولة ولكن ضمن رؤية واضحة صاحب القرار الفيصل والحاسم فيها للقوى الشعبية التي خرجت للدفاع عن وجودها وحقها في العيش الكريم والمشاركة في صُنع القرار ومستقبلها ، وذلك لتكوين منظومة مجتمعية منسجمة لمقاومة قوى الشدّ العكسي أو القوى الخارجية المحبطة والرافضة للثورة والتغيير ، والبدء بصياغة تحالفات جديدة تضمن نجاح الثورة واستمراريتها.

أي تغيير في أي دولة إن لم تكن الطبقات الشعبية هي قائدة المرحلة فإن التغيير الذي ينتج لن يكون أكثر من استبدال شخوص بآخرين في المقدمة الحاكمة ضمن نهج قائم لن يتغير ، وما حدث في مصر دلالة على ذلك ، فالطبقة الحاكمة لم تتغير فكانت هي المُسيطر على القرار والنتائج وهي القادرة على انتاج المبادرة لمصلحتها بعيداً عن الجموع الجائعة في الميادين ، وهذا سبب تجاوب الملايين لحراك 30 حزيران وللجانبين الرافض والمؤيد.

في مصر لم تتكون الثورة بمفهومها العلمي وسياقها التاريخي ومن أخرج الجموع المسحوقة هم أبناء الطبقة البرجوازية والحاكمة المتضررة من حكم مبارك في ظل تغول واضح سياسياً بنوايا التوريث للأبناء ونفس منظومته المحيطة به واقتصادياً بالسيطرة والمشاركة في رأس مال الآخرين ، هذه الطبقة المتضررة كما غيرها من القوى الأخرى لم تُتح المجال لتكوين قيادات شعبية ثورية قادرة على الاستمرار في النضال وقيادة الجموع وبالتالي إفقارها لأي برنامج كنهج جديد قادر على الحلول مكان النهج السابق ، وبقيت هذه الحالة سواء في مرحلة 25 يناير أو حتى في مرحلة 30 حزيران ، فكانت الصراعات واضحة ما بين أطراف المجتمع المصري وخاصة السياسية أو حتى أطراف الطبقة الحاكمة(البيروقراط) في المؤسسات العسكرية والمدنية ، أي أنها كانت صراعات بين الأطراف على الاقتسام والاستحواذ وليس صراعاً ثورياً.

صعود الإسلاميين إلى السلطة أدى إلى إقصاء القوى السياسية الأخرى الطامعة بالسلطة أو حتى المشاركة فيها كما أدى إلى إقصاء قوى اجتماعية كانت فاعلة في معادلة التغيير وإسقاط مبارك ، وإقصاء لبعض أطراف رأس المال الذي كان يعاني من استشراء أبناء مبارك ومنظومتهم ، وأيضاً لبعض قوى السلطة(البيروقراط) التي تقبل العمل مع أي نظام في سبيل بقائها والحفاظ على مكتسباتها ، أما القوى الشعبية الثائرة لنفسها خرجت هي الأخرى من معادلة التغيير الجديدة فبقيت المعاناة المعيشية اليومية وبقي الإقصاء والتهميش ، فتكونت حالة مثالية لقوى الرفض العربي لمقاصد الربيع العربي ، واستطاعت من خلال العمل الاستخباري والمال الخليجي أن توظف هذه الحالة الفريدة من الانقسامات السياسية والاجتماعية والضدية في الصراعات التي وصلت ذروتها لخلق حالة الرفض العامة للإنقلاب على الربيع العربي وغاياته وإعادته إلى المربع الأول بممارسة العُرفية والديكتاتورية المقوننة وبتأثير شعبي كبير وذلك بخلق حالة الخوف من التغيير والخطر على وجودها ، وقد أثبتت الوقائع بأن هذه الطبقة المؤثرة وبمساعدة القوى العربية الرافضة للتغيير الديمقراطي لا زالت قادرة من الحفاظ على بعض التحالفات الخارجية الضامنه لمصالح القوى الدولية ، مما أثر على ردّ الفعل الدولي الذي تناسق مع المعطيات والنتائج ليصبح حلّ الأزمة المصرية مرتبط بالقرار الدولي كما هي في سورية وهذا يستدعي منّا الكثير من الأسئلة المرتبطة في 25 يناير و30 حزيران حول الثورات ومقاصدها وغاياتها واستراتيجياتها وهل سارت ضمن معناها العلمي وسياقها التاريخي ومن الذي ثار وماذا تحقق ولماذا غابت القيادات الشعبية المؤثرة على قرار الثورة ومن غيبها إن وجدت وهل من الممكن تكرار ما حدث في 30 حزيران مرة أخرى , أم أن وصولنا إلى هذه الأزمة في مصر هي نهاية الربيع العربي..؟!!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد