مقتطفات من خطاب 1989

mainThumb

04-01-2014 02:01 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

=الحمد لله جعل الحرية من الفطرة، وجعل الفطرة سابقة على الذوق والذوق سابق على الخُلُق، والخُلُقُ سابق على العلم، والعلم سابق على الإيمان، وأذِنَ للمظلوم أن يجهر بالسوء من القول. والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصبحه الطيبين الطاهرين. قال تعالى: "وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال: أنك اليوم لدينا مكين أمين (45) قال: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم (55) وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ليتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين (56)". صدق الله العظيم، سورة يوسف (54-56).
 إن القوة أولاً والأمانة ثانياً أساس المؤهلات لتبوء الموقع العام، "قالت يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القويُّ الأمين"، وان الحفظ أولاً والعلم ثانياً، بعد القوة والأمانة أساس العمل في خزانة الدولة، التي هي بالنسبة لنا وزارة المالية، وما الموازنة التي نناقشها إلا جزء من منجزاتها. وبذلك نجد شرعاً أن كيان الدولة وديمومتها قائم من جملة مقوماتها على وضع الرجل في المكان المناسب له، وحمل الهم العام والحفاظ على المال العام، وإن الخزانة وبيت مال المسلمين عميقة في التاريخ لأنها تتعلق بقوة وديمومة الدولة وعمارة الأرض وارزاق البشر وتوفر المال الذي هو عصب الحياة.

 وفي العصر الحديث، نجد في الدول المتحضرة أن وزارات السيادة هي الخزانة والداخلية، والخارجية، والدفاع فلا دولة بلا مال وجيش وشرعية وفرض الهيبة والسيادة على سائر الموجودين من مواطنين ومستوطنين وَزوّار وَعُمَّار وَدُمَّار، وإذا أصبحت المواطنة هجيناً وعجيناً، والجواز مهاناً بأقدام الأعداء والعملاء والخبثاء والمنحرفين الذي صاروا وزراء وأصحاب قرار، وإذا أضرم هؤلاء النار بالعلم وصورة قائد الوطن وخريطته وسط صيحات الفرحة والوعيد بالانتقام ذات يوم بسقوط الأردن من الخارطة والواقع، ثم كوفئوا بارتقاء سنامه وأعناق أهله، وتحطم ذؤابته، فلا قيمة حينها للمواطنة والإخلاص وبخاصة إذا فتحت أبواب البلاد أمام الهجرات لمن في الأرض جميعاً ولكل المرتزقة والمقاطيع، كما حدث بالأردن زمن حكومة: "الدفع قبل الرفع". التي أعلنت في حينه بيع الهوية الأردنية في المزاد العلي بثمن بخس.

 معالي الرئيس. الأخوة الزملاء،

يجب أن نصارح الشعب الحقيقة في أن الأعداء والعملاء في الداخل والخارج يتربصون بالأردن ريب المنون ويريدون بالأردنيين أن يتحولوا إلى شعب يعيش بالقطارة، جائع ضمئان كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه، وما هو ببالغه، يبيع أرضه ليعيش ويتعلم، ويضيع وطنه أمام ناظريه، ومن بين يديه ولا يحق له أن يتكلم، بل ولا يقبلون لنا من العيش إلا الضَّنك والنكد، كأنما نصّعّد (بتشديد وفتح الصاد) إلى السماء.

 من هنا، فنحن مقبلون على أيام الكفاف، بعد السنين العجاف المتتالية، وإلى مزيد من طوابير البطالة والإحالات المبكرة من الاستغناء عن الخدمات، والاستيداع والتقاعد وعدم التوظيف فضلاً عن طوابير الفقراء والبائسين والجياع، وإقليمية الوظائف وشلليتها وعنصريتها رغم ندرتها. فقد أكلوا البلاد ولم يبق للشعبِ شيء إلا الجوع. وعندما نصدق أهلنا القول، فإن ذلك قد يخفف من المشكلة، وعندما نكتمه ونخدعه، فإنما نضاعف الداء ويتحول إلى بركان ونيران.

فالصدق أساس التعامل والمصارحة لسان الصدق والحقيقة... فالوظائف حكراً على أبناء وأخواني الذوات بمبالغ ورواتب عالية، وذلك محرم على الغلابى وأبناء القرى والبوادي

=وأن الحكومات مارست وقوت الفزعات والمزاجيَّات، بعيداً عن الثوابت الوطنية، واسترخاء في دائرة انعدام الرؤيا والمصاهرة والأرحام والعصبة والعصابات، وتقديم خائنة الأعين، ومن تخفى صدورهم حقداً على الأردن، واستبعاد من عمل أو جاء ربه ووطنه بقلب سليم، هذا فضلاً عن وضع الشخص في غير مكانه المناسب له، بل وكل شيء في غير الموضع المعد له من الأمكنة والأزمنة.

 ونجد سياسة وزيرة التخطيط حالياً قائمة على نقض الغزل من بعد قوة انكاثاً، بتدمير المؤسسات الوطنية التي بنيت بدم الأردنيين وساهمت في المديونية على كواهلهم ونجد إعلان بيع الوطن بالقطعة أرضاً ودوائر ومشاريع، كل هذا جزء من سياسة التخطيط الحالية، تحت ستار القدرة والعبقرية والتقدم والعصرنة والخصخصة والتميز في العطاء، ولو تميز المخلصون من الغيظ.

 وإنني ليحزنني أن يذهب هؤلاء الأعداء بوطني إلى مهاوي الردى من خلال كلمات ناعمة ناعسة، بقرارات هي أخطر بكثير من فوهة البندقية والأعمال التخريبية التي مارسوها ضد البنيان، ونعانيها الآن ضد الوطن والإنسان والكيان. وإن لباس ما يعتقد أنه الأناقة أخطر علينا بكثير من لباس الحماقة الذي عرفناه وأذقنا أصحابه ما أذقناهم، فعرفوا باسنا ولم نعرف لهم بأساً إلا الغدر والغدر

== معالي الرئيس. الأخوة الزملاء،

عندما نناقش موازنة الدولة، فإنما نناقش المرافق السياسية والسلوكية والإنجازات الحكومية، وكل ما يتعلق بشؤون البلاد والعباد، لأن المال عصب الحياة وبدونه لا يكون العمران ولا أرزاق الناس، فهناك فئات بالأردن، تدور أعينهم كالذي يخشى عليه من الموت، بيوتهم خاوية، وبطونهم طاوية، من لقمة العيش والحرية. فلا يملكون درهماً ولا نقيراً، وفوق هذا يحرم عليهم الطعام والكلام، ويقال إن الديموقراطية والناس بخير، ونحن نعرف أنه لا ولاء مع الجوع، ولا ديموقراطية مع قمع الحرية، ولا حرية بدون ديموقراطية، وإذا كانت البطون الخاوية لا تعرف الإخلاص والانتماء، فإن البطون المتخمة لا تعرف للرحمة طعماً، ولا تصغي لأنات الجائعين سمعاً.

= إن تدخل المسؤولين في الأجهزة الأمنية لن يؤدي كما يتصور هؤلاء الجهلة إلى مزيد من الخضوع والخنوع، لأن الإسكات غير السكوت، والترقب غير الانتظار، والكبت يؤدي إلى الانفجار، ولنا في الصومال وألبانيا والجزائر ورواندا وبورندي والاتحاد السوفييتي (سابقاً) عبرة لمن لا يؤمن بحرية الحياة، وحياة الحرية.

 ومن هذه الأمثلة وغيرها في العالم الإسلامي، نستخلص أن المجتمع لا يستمر سليماً من الأذى متعافياً من الردى، متوازناً قوياً أمام الهزات والزلازل والنكبات، بدون الإطعام من الجوع، والأمن من الخوف، "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف". وإذا أعتقد دهاقنة الإعلام والأجهزة والتخطيط أن السوط والتجويع هما وسيلة السيطرة على الأردنيين فإنهم واهمون، وهم العدو فلنحذرهم، قاتلهم الله أنى يؤفكون.

 معالي الرئيس. الأخوة الزملاء،

نناقش الموازنة، وبين أيدينا مثالب سياسية تؤدي بالوطن لا محالة إلى التهلكة والمهالك إذا ما بقيت بمنأى عن العلاج الحازم ومنها:

 1-ترهل إداري وسياسي وفساد مالي ومسلكي وإدارة مكافحة الفساد، أو ما يسمى بذلك، عاجزة عن استئصاله لعدم أهليتها، فالحيتان يلتهمون البلاد والعباد، ويبتسمون على شاشات التلفزيون في النشرات والبرامج الرسمية عقب التهامهم لكل فريسة.

 2-قرارت لوزراء ومدراء وأمناء جهلاء أو أعداء في أثواب فارغة من الطهر والعفة، يضيع في بعضها على الخزينة آلاف أو ملايين الدنانير في القرار الواحد، دونما مساءلة، سوى التسبيح بجهد هذا المسؤول الفاشل المجرم الحاقد.

 3-سياسات حكومية تهوي بالوطن إلى قعر الفشل السحيق.

 4-هوة بين القمة والقاعدة، تزداد يوماً بعد يوم، ولكنها مغطاة بطرائق من بيت العنكبوت وقوامها المقولة الدارجة: كل شيء تمام التمام وكل شيء على ما يرام.

 5-عناصر في الطاقم الاقتصادي، قادر على تدمير أوروبا والولايات المتحدة لو تولت اقتصادها والبنك الدولي لو تولت إدارته، وعملوا على تحويل الأردن إلى مختبر للتجارب، تخفي ابتسامتهم وانحناءاتهم ومسكنتهم ونعومتهم تدميراً للبلاد، وسما في سمسم، وتنفيعاً لدوائر القرابة والعصبة، بعيداً عن هم الوطن والمواطن ومصلحة الخزينة

== والانكى من هذا أن العناصر المخربة من هذا الطاقم هم أصحاب الصولة والجولة والقرار، منحوا القَبَل والصدر والثغر لأعداء الأمة ولكنهم ولو (بتشديد اللام) دبرهم للعرب، وتهافتوا للسجود في مذبح البنك الدولي، مع الإذعان لشروطه وإملاءاته، وهي قاسية طاحنة، وآبوا واستكبروا أن يتجهوا نحو محراب الأخوة والصناديق العربية للتنمية والاقتراض.

 6-تحريم الحديث عن الأردن والأردنيين والهوية والانتماء، بل إن مناهج المدارس والجامعات تتحدث عن السباحة والسياحة في جزر هاواي وشواطئ كان في فرنسا، والقانون الروماني قبل الميلاد، عن كل شيء ضد الوطن بما فيها التندر باسم الأردن وهنا نموذج في النكتة التالية التي يتداولونها .... يقولوا شو موديك يا قرد على الأردن، قال القرد: راح أتأردن. هذه نكتة معروفة ضد الأردن والاستهزاء بلفظه. ولا تتحدث عن عمقنا في وطننا وشرعيتنا وتاريخنا وواقعنا وهويتنا، كما أن الحكومات الموقرة لا تدري كيف ومتى ولماذا تذهب وتأتي.

 7-وجود مستعمرات خاصة محصنة عن سيطرة الدولة والقانون، والرقابة الحكومية، مثل اتحاد الجمعيات الخيرية حيث تحتاج إلى إعادة النظر فيها، وبمواردها، وأن يكون ذلك تحت إشراف وزارة التنمية الاجتماعية ولا يعقل أن تبقى هذه الملايين بعيدة عن تدخل الحكومة والرقابة وديوان المحاسبة والتفتيش.

 8-تلوث البيئة والتربة والمياه الجوفية والسطحية، والتوزيع العشوائي للسكان، وسوء كفاءة محطات التنقية واختيار مكانها والحمولة السكانية الزائدة لمنطقة عمان، كل ذلك بحاجة إلى معالجة ومخصصات لم يكن في حسبان الموازنة للأسف الشديد رغم أهميته.

 9-خلت الموازنة من علاج مشاكل الزراعة والرعاية والتجارة والصناعة وديون المزارعين التي يجب شطبها، كما يجب إيقاف استيراد المنتجات الزراعية والمواشي عندما تكون مواسمها في الأردن، لمساعدة المزارع في سد رقعة وتسديد دينه.

 10-مستعمرة الديسة المسماة مشروعاً، يجب توزيعها على عشائر الحويطات ولا تبقى محرمة على أهل البلاد في العمل، والرعاية.

 11-لم تعالج الموازنة فئة المحرومين المظلومين، وهم الفئة الرابعة، ولا زالوا بعيدين عن الإنصاف في حقوق التقاعد وصعوبة العمل والعلاج وما إلى ذلك.

 12-وإن تحويلهم إلى الضمان الاجتماعي يعني ضياعهم لضمانهم بخاصة أن مؤسسة الضمان الاجتماعي تعج بالفاسدين وهي إمبراطورية داخل الدولة وقد حولها مديرها الحالي إلى عزبة ومنتجع للترويح.

== وبهذه المناسبة فإنه لا مفر من سن قانون لمنح المتقاعد لراتب الرتبة أو الدرجة التي تلي رتبة ودرجة المتقاعد يوم تقاعده، ولابد من الجمع بين راتبي التقاعد والعمل. ليتمكن الناس من توفير لقمة العيش لأولادهم، ولا بد من رفع علاوة صعوبة العمل الميدانية للجيش والأمن والمخابرات والدفاع المدني ويحتاج الأمر حل هذه القضايا في السنوات القادمة ولكن كيف يمكن زيادة الرواتب وأموال الدولة تضيع هدراً حصة محدودة لحفنة من المسؤولين.

==

 13-حزمة المؤامرة المسماة حزمة الأمان الاجتماعي، هي المقدمة الأولى للتوطين وضياع فلسطين، واللبنة الأولى لتنفيذ مؤامرة الوطن البديل وتسليم فلسطين لأعداء الأمة، وهي الهدف نفسه الذي كانت تسعى إليه سياسة، التخطيط الثوري المعادية التي كانت تقول: إن تحرير فلسطين يبدأ بتحرير عمان من الأردنيين، وهي الوجه الآخر للمقولة: هويتي بندقيتي وهي الواقع المؤلم لتحميل الشعب مزيداً من المديونية وهي التفجير من الداخل بدل الطخ من الخارج.

 14-أما تعويضات العائدين فلا يجوز إعطاءها للناس مباشرة بل لخزينة الدولة، ثم تعطي لمن يقولون ويثبت أنهم أصحاب الحق بالتقسيط السنوي على عدد سني الاغتراب لأنه يتوجب على هؤلاء دفع ضريبة المواطنة مثلما دفعناها من قبل، والمصلحة العامة مقدمة على الخاصة.

 15-إن قرار انضمامنا للشراكة الأوروبية سابق لأوانه وهو قرار ارتجالي وعاطفي وغير وطني، تم اتخاذه دون التشاور مع أهل الذكر والاختصاص وسوف يدمر بقية الصناعات التي لم تنلها قرارات الحكومات، ويساهم في تدمير الوطن تنفيذاً لسياسة البندقية المشار إليها أعلاه.

 16- لا مفر من سيطرة الدولة على 51% من أموال الأغنياء ورده إلى الفقراء واستعادة الضرائب المستحقة على البنوك ولا مفر من سيطرة الدولة 51% من رأس المال ومقاعد الجامعات الأهلية لكي تتحول إلى مؤسسات وطنية بدلاً مما هي عليه كثير منها، أوكاراً ودكاكين، ومصدراً للثراء الفاحش، والمطلوب هو أن يخضع للدولة تعيين مجالس الأمناء والرؤساء وهيئات التدريس والإدارة، وأن يتوقف تحت طائلة العقاب، شراء الذمم والضمائر للعديد من الوزراء والأعيان والمسؤولين لاستصدار قرارات غير قانونية، واستخدامهم من قبل هذه الجامعات الأهلية كخيول طروادة لتجاوز المشروعية والمصلحة الوطنية. لقد بات ملحاً إعادة توزيع الثروة بسيطرة الدولة على 51% من مال الأغنياء ورده إلى الفقراء كما قلنا.

 معالي الرئيس. الأخوة الزملاء،

لا يوجد وطن وشعب وأسرة تعرضوا للاتهامات والجحود والنكران، مثلما تعرض له آل البيت والأردن والشعب الأردني فمن تولى يوم الزحف في وطنه يتطاول علينا لتعليمنا الوطنية؟ ومن قبع ربع قرن في أفيائنا في رغد من العيش وتربع على سدة القرار يقول: إنه كان في المنفى، وهو وقد مارس من قبل مهمة الوسواس الخناس ضد قوى الخير الوطنية يحرض الآن فئة من الشعب أن تجاهر بثورتها على الفئة الأخرى.

 وهناك من يحمل بيده مسبحة من تسع وتسعين حبة يشتمنا عشر مرات عن كل حبة صبح ومساء، وتحت كل شعرة يربض شيطان يعلمه زخرف القول غرورا، إن الأردن خراب والأردنيون بوم، ونسوا أن الأردن عرين وأهلها اسود، وهو عز لا هواء، ووفاء لا هباء، وفرقد في السماء وأن بدا في أعماق الماء، ونسوا أن البوم لدى الأمم المتحضرة عبر التاريخ هو رمز الحكمة وحدة البصر إذ يرى في الظلام ما لا يراه العملاء والجبناء والمتفيقهون في وضح النهار. والبوم علمياً لا يزعق في الخرائب إلا لترحيل الفئران والجرذان التي تنقل الأمراض وتدمر المزروعات.

 وهناك عمليات هدم لبنية المجتمع الأردني تقوم بها وزارة التخطيط وتنفذها سائر الوزارات، إلا وهي اختفاء الطبقة الوسطى التي كانت تشكل نقطة توازن المجتمع، فبرزت بذلك طبقات جديدة نحو الأدنى والأعلى. فقيرة تدنوها بائسة تدنوها معدمة تدنوها جائعة، وغنية تعلوها بطرة تعلوها فاسدة مجرمة ينطبق فيها قول الحق جل وعلا: "وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون" (123) الأنعام".

وبذلك تحصل الضدان، فهناك من فسد لكثرة ما نهب وسلب وملأ الجيوب ومارس العيوب، وآخرون فسدوا من أجل سدِّ الرمق وتحصيل لقمة الخبز. وبذلك نجد أن سياسة معالي الوزيرة ترمي إلى إذلال الأردنيين وإشعال المظاهرات بعمان كما كانت تشعلها وتشارك بها ضد الأردن في بيروت وهذا لعمري قمة انتقامها من الوطن والنظام والأمن والشعب.

 وعليه فإن الخطوة الأولى للإصلاح تبدأ بتطهير الحكومة من بعض الوزراء. كما أن متطلبات بناء الدولة العصرية تستلزم إعادة ترتيب البيت الأردني، بحيث لا يعود فيه مكان لأي حرباء، ومزدوج الولاء، وباطني وجاحد وحاقد ومتطاول ومشكك ومرجف وكاره للوطن، ولا مكان فيه في موقع القرار لمن تربى على الأذى ولو برز بأثواب الواعظين والمخططين المبدعين ولا مكان فيه لمن يتهم الوطنية الأردنية بأنها إقليمية ولا لممارسي العنصرية والإقليمية ولا لمن يستطيب لبس طواقي اليهود، ولا للمراهقين، بعيداً عن العواطف والمجاملات وما يسميه المرجفون بالحالات الإنسانية، لأن الإنسانية والحرية والديموقراطية هي حماية الأردن، وتطهير مواقع القرار من أهل السوء، قبل أن يلوثوا الوطن بما يتعذر تطهيره منه.

 أما المقولة التي مجّتها أسماعنا أن الأردن وطن الجميع والعرب كلهم والتي بموجبها تم استجلاب جميع الغادرين، وخلخلة المعادلة السكانية، فتجعلنا نتساءل: أي جميع هؤلاء؟ وأي عرب هؤلاء؟ هذا وطن الشرفاء وطن الأردنيين المتجذرين كمستحاثات الفوسفات وشجر البلوط، وأحجار ظانا وماء راحوب، وصخور البتراء، ونهر الأردن وجبل شيحان وذرى البلقاء وقلعة الربض وتل منيف وغدران الأزرق، وأزهار البيداء، ودحل الصحراء، هذا وطننا نحن الذين نؤمن أن الوطن ليس حقيبة سفر ولا رصيداً في البنك، ولا فندقاً من خمسة نجوم. الأردن شجرة طيبة أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء لا يطالها الأقزام وأن توهموا أنهم تطاولوها، ولا تنالها الأوهام وأن تخيلوا أنهم تناقلوها.

 وبناء عليه، فيجب على الحكومة إيقاف الحملة المسعورة لتجنيس بدو ومواطني الأقطار العربية المجاورة الذي وصل أوجه زمن حكومة الرفع بعد الدفع ويجب أن يجري سحب الجنسية، أو الجوازات، من هؤلاء، لأن الهوية الأردنية شرف عظيم لا يستحقه من أراد أن يتخذ الوطن مستودعاً. وقد عانينا بما فيه الكفاية من الحمولة السكانية الزائدة، وما ترتب لها من حقوق على حساب الأردنيين، دون أن تترتب عليهم أية واجبات، وما تأتي عن هذه الحمولة من تلوث وبطالة وما إلى ذلك. وأكرر القول إنه لا عواطف ولا مجاملات، ولا حياء في قضايا الوطن والوطنية.

 معالي الرئيس. الأخوة الزملاء،

== معالي الرئيس. الأخوة الزملاء،

 من المؤسف المحزن أن الترهل والفساد قد تسلسل حثيثاً إلى الدائرة الأمنية الحساسة في الدولة، وهي دائرة المخابرات، التي اعتدناها مؤسسة وطنية عادلة عاقلة زمن إدارتها السابقة وكانت ولا زالت لها في قلوبنا المحبة والاحترام لأنها بنيت بدماء الأردنيين. ولكن عطوفة قمة هرمها الحالي قد نحا بها من العقلانية والواقعية والمصداقية إلى الارتجال والثارات الرعونة. ومن ممارسة الواجبات الوطنية الموكولة إليه إلى العمل الدؤوب للتفريق بين القيادة والشعب، وملاحقة ومضايقة الأردنيين في الداخل والخارج دون الاهتمام بالمخاطر الحقيقية ضد الوطن.

ومن الإيثار والتضحيات إلى التهام المكاسب الشخصية، ونشر المعلومات المضللة، وتوسيع دوائر الاحتقان الشعبي، فضلاً عن تقيد عطوفته الواضح بتعليمات الحكومة السابقة، وتصفية الحسابات الشخصية، وتحويل كل من تسول له نفسه بانتقادها أو انتقاد حكومته المفضلة الراحلة إلى محكمة أمن الدولة بجريمة إطالة اللسان لأنه نصب من نفسه مقامات عليا).

 معالي الرئيس. الأخوة الزملاء،

إن الجامعات الأردنية الرسمية. من أكثر المؤسسات معاناة من الترهل الإداري والفساد، وإن دعمها يجب أن يبدأ بتطهيرها ممن يمارسون إقليمية العلامات وانتقاء القبول في الدراسات العليا ضد الأردنيين، وتطهيرها من مزوري الشهادات ومزوري العلامات والترقيات، ومن أصحاب الارتباطات المشبوهة والسلوكيات السيئة فأبناؤنا الطلبة ضحايا لكثير من الأفاعي الذي يتباهون أنهم عملاء لجميع دول هيئة الأمم المتحدة، إلا الأردن فهي في نظرهم دولة العمالة.

== معالي الرئيس. الأخوة الزملاء،

هناك قضايا ساخنة تزامنت، يتعذر فصلها بعضها عن بعض.

 الأولى: قرار منح الجنسية لأحد أبناء فلسطين خلافاً للقانون، ولقرار فك الارتباط، ولما استقرت عليه محكمة العدل العليا خلال عشر سنوات، وتكمن الخطوة أن ذلك ينسحب عليه تجنيس أبناء فلسطين الآخرين. ومثل هذا القرار، يضفي الشرعية على مطالبات الليكود في تهجير الفلسطينيين باعتبارهم رعايا أردنيين، وباعتبار الأردن في رأيهم دولة فلسطينية وهذا قرار غير دستوري وغير وطني مرفوض هو وادعاءات الصهيونية حيث يلتقيا معاً. الثانية: هذا التمازج المالي والصناعي بين إسرائيل والأردن حيث المصانع الإسرائيلية في بلادنا وحيث تدخل مؤسسة الضمان الاجتماعي مع إسرائيل في مشاريع.

 وهذا يا أخوان جريدة عرب اليوم في الصفحة الأولى العدد (240) تقول الضمان الاجتماعي تساهم بشركة أردنية نصف رأسمالها إسرائيلي وهذا موجود في الجرائد.

 حيث المصانع الإسرائيلية في بلادنا، وحيث تدخل مؤسسة الضمان الاجتماعي مع إسرائيل في مشروعها.
 الثالثة: المناورات الإسرائيلية التركية الأميركية التي تهدد أمن المنطقة وبخاصة مصر وسوريا والعراق وإيران والشعب الكردي المظلوم المنكوب. كما يبدو أن هذا التحالف سيقوم بعدوان ضد العراق وسوريا، وإذا حدث فإننا نشجيه ونقف ضده سلفاً ونرفض أن يكون للأردن أي دور في هذا العدوان، بل ونرفض أن ينسلخ الأردن عن عمقه العربي والإسلامي.

 الرابعة: تصعيد التشنجات من قبل عناصر في الحكومة ضد العراق الشقيق في محاولة فاشلة لتأليب الشارع الأردني ضد القطر الشقيق، وإعطاء المبرر للاشتراك في أي دور يؤذي الجار العزيز، هذا فضلاً عن فتور العلاقات مع سوريا ومصر ودول التعاون الخليجي رغم حاجتنا إليهم جميعاً.
 الخامسة: إعلان الخصخصة وبيع المؤسسات الناجحة وتحويل الديون المترتبة على بنائها على عاتق الأردنيين المظلومين، وتسليمها للأجانب-للغرباء.

 السادسة والأخيرة: وهي الأخطر والأكبر تصريحات حاييم رامون الذي يعتبر من أبرز قيادات حزب العمل الشابة، وأول قيادي في هذا الحزب يعتبر الأردن دولة فلسطينية أي وطناً بديلا سيتحقق في رأيه خلال عشر سنوات قادمة، حيث يقول بالحرف الواحد: إنه لا مفر من تحول الأردن إلى دولة فلسطينية ربما في غضون عشر سنوات، وأنه لم يعد يختلف مع تقويم نتنياهو وشارون في هذا الشأن. وكلمة دولة تعني -كما تعلمون -الأرض والشعب والنظام والمؤسسات والمال والشرعية الدولية.

 يعتبر هذا التصريح أخطر وأوضح ما قيل منذ معاهدة وادي عربة التي وقّعها حزب العمل بالذات، وهذا أحد رموزه ورئيسه في المستقبل، رغم ما قيل حينها أن المعاهدة دفنت الوطن البديل الذي يبدو أن بذرته الخبيثة وجدت تربتها الخصبة لتتحول إلى شجرة خبيثة ذات رائحة نتنة، ونتائج خطيرة.

إذن تلتقي قيادات الليكود الرجعية وقيادات العمل التقدمية، مما يطرح عدة أسئلة: إلى متى يبقى الأردن بيتاً هشاً من زجاج لا يحتمل ضربة حجر، ولا يسمح لأهله رد الحجر إلى ضاربه؟

إلى متى يبقى رهينة تصريح نائب أو حزب أو عميل أو رئيس دولة؟ أو كاتب موتور؟ إذن ما هي هويتنا؟ مصداقيتنا؟ ووجودنا؟ وشرعيتنا؟ لماذا هذه الهشاشة للدولة بالأردن؟ سؤال يطرحه الأردنيون جميعاً، وأنا واحد منهم؟

== ولو استعرضنا رؤساء الوزارات بالأردن لوجدنا أن العديد منهم عاش ومات فقيراً شريفاً، ولم يلهث وراء المال، وإنما اهتم ببناء الوطن والأجيال ما استطاع، نذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر توفيق أبو الهدى، الذي مات فقيراً، وعاشت زوجته من بعده حياة الكفاف، وباعت العباءة المهداة إليه في حياته من المغفور له الملك عبد العزيز ين سعود لتنفق على نفسها...  الشهيد وصفي التل عاش ومات شريفاً مديوناً وكانت القيادات العربية تثق به وبنزاهته إلى درجة كانت ترسل المساعدات إلى الأردن باسمه الشخصي، فيودعها في خزينة الدولة....

 أما عن أسماء أمثالهم من غير رؤساء الوزارات فحدث ولا حرج، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر من أبناء هذا البلد الطيب، وكان بإمكانهم أن يتحولوا إلى أباطرة وتجار، ومدراء شركات، ومستشارين ورؤساء مجالس إدارات، وأصحاب بنوك، وعملاء للخارج، وأصحاب مصانع مقالع ونوادي ليلية، وفنادق ونهب أراضي الدولة في سواحل البحار والمدن والضواحي والقفار ووكلاء شركات، ومافيا، ورؤساء عصابات تهريب ومزوري أوراق النقد ومهرجين، إلا أن كرامتهم الأردنية، أبت عليهم إلا أن يبقوا فقراء المال، أغنياء الكرامة والشرف فدخلوا التاريخ بأعمالهم ولم يخرجوا منه بأموالهم. وكنت أتمنى على رؤساء الوزراء الأحياء جميعاً أن يحذو حذوهم.

 من هنا، فإن من المعيب أن يستغل أي رئيس وزراء منصبه يتحول إلى شَغَّال لدى الآخرين، أو إلى تاجر أو مستشار أو مهرب أو رئيس مجلس إدارة شركة أو بنك أو مصنع، ويكون له ولأسرته مكاسب ومناصب هنا وهناك في هذا المجال، ما كان لحقها لولا استلامه لهذا المنصب الذي هو جزء من كرامة الوطن وسيادته.
 والسؤال الآن أليس هذا استغلال للأردن والشعب الأردني واستغلال للقب الدولة الذي هو رمز من رموز السيادة الأردنية؟ من هنا، فإنني أرى، وتكريماً للأردن والسيادة الوطنية والسياسية المحترمة أن يستقر لدينا عرف يفوق القانون قوة، وذلك بمنع أي رئيس وزراء من ممارسة العمل الخاص، والعمل لدى الغير إلا فيما يخص أملاكه الموروثة، وأن ينطبق هذا على الوزراء ورؤساء الوزارات، وأن يتم استبعادهم من مجلس الأعيان والعمل السياسي.

 ومن العجيب أن بعضهم يتبجح أنه صوب وضع 32 ألف جواز سفر، وذلك يعني تغيير البطاقة الخضراء إلى صفراء، ألا تعلمون أيها السادة الزملاء، وأيها الشعب الكريم أن ذلك يعني سلخ الهوية الفلسطينية عن أهلها وتهجيرهم عن القدس وفلسطين، في الوقت الذي تبني فيه إسرائيل مستوطناتها لشتات اليهود من شتى بقاع الأرض ومن شتى المنابت والأصول.

== إن مؤامرة الوطن البديل تسير حثيثاً لتكون فلسطين وطناً بديلاً لليهود والأردن بديلاً للفلسطينيين؛ وللأردنيين الفناء والصحراء، وإن هذا كله يمشي ضمن مراحل ومخططات مدروسة بمؤازرة عربية وعالمية ومحلية، ولو تبصرنا ما حدث بين 1968-1973 وما تبعها ما يتعلق بوجودنا؛ ذلك أن الأردنيين الذين دافعوا عن الوطن وعن الأرض والعرض وضحوا من أجله قد تمت تصفيتهم تباعاً ضمن موجات من التقاعد والإقصاء. فما انتهت مرحلة السبعينات والثمانينات إلا والدنيا غير الدنيا مقابل استجلاب الأعداء وترقيتهم تحت عنوان العفو وفتح صفحة جديدة، وتم إيصالهم إلى مواقع القرار، فطار وباد من قاتل من أجل الوطن واستقر وساد من قاتل الوطن.

 الأول مهيض الجناح مكسور الخاطر يبحث عن لقمة عيشه في وظيفة حراسة أو عامل لدى الثاني الذي أصبح مهيمناً على مواقع القرار.

 فعندما فشلت خطط الاستيلاء على البلاد من خلال البندقية والنار تم تجويع الأردنيين والسيطرة بالدينار وموقع القرار، وهكذا انقلبت الأمور. وأصبح الأردني جائعاً هائماً غريباً في وطنه وهو عليه غريب، أي أن الأردن بلا أردنيين والأردنيين بلا أردن، وهذا هدف كان مقصوداً ولن يتحقق إلا ضمن مخطط صهيوني مدروس، تمهيداً للسيطرة على فلسطين والأردن معاً، وعلينا أن ننبري لهذه الأخطار الخطيرة.

 

د. احمد عويدي العبادي



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد