تأملات في قصة موسى والعبد الصالح 2-1
مدخل :
ساقتصر في تأملاتي لهذه القصة، بصورة رئيسية على النص القرآني، الذي قص لنا هذه القصة، مع الأخذ بالاعتبار لما ذكره القرآن الكريم عن موسى، فالقرآن قد تكلم باسهاب عن تجربة موسى منذ الولادة وحتى النهاية، ما يغنيني عن البحث عن مصدر أخر ،ومن هذا المنطلق ،فمن المهم معرفة الظروف والملابسات التي رافقت هذه القصة، ودعنا نفترض متى وقعت هذه القصة ،فهل من الممكن معرفة مقاربة لوقت وزمن هذه القصة ،من الملاحظ أن موسى مر بثلاث محطات قبل النصر على فرعون، ولكل محطة خصائصها، المحطة الأولى : منذ الولادة حتى الخروج إلى مدين ،المحطة الثانية: فترة مكوثه في مدين ،المحطة الثالثة: منذ نزول وحي الرسالة على موسى عليه السلام حتى النصر أي (هلاك فرعون ونجاة موسى ومن معه) ،ثم المحطة الرابعة حياة موسى مع قومه حتى وفاته .
نضع فرضية - ثم نخضعها للفحص -، بأن موسى حين خرج لطلب العلم من العبد الصالح كان قد بلغ سن الشباب 25 سنة فما فوق ،أي وقع ذلك في الفترة الأولى من حياته ، وذلك قبل أن يخرج إلى مدين على الأرجح ،ويستبعد أن تكون هذه الرحلة بعد الوحي، لأنه من غير المعقول أن يبحث على معلم ومعلمه الله ،وما جعلني أرجح هذه فرضية وقوع القصة في الفترة قبل الخروج إلى مدين أن هناك صورة مشابهة قصها لنا القرآن في سورة يوسف، فقد كانت الرؤياء التي رأها يوسف عليه السلام، هي التي رسمت أهم الأحداث المهمة التي مر بها يوسف عليه السلام، ورهن يعقوب عليه السلام على صدق تحققها رغم كل تلك الظروف الصعبة ،وإضافة إلى ذلك ،
ولأنه وبشكل اعتيادي إذا نظرنا لتنشئة موسى فقد نشأ في بيت فرعون وترعرع فيها، وتلقى تعليما جيدا وتدرب تدريبا جيدا ،وحذق في فنون مختلفة...ولكنه لم يكن يتطلع ولا يرغب أن يكون واحدا من رجالات فرعون، ولا يرغب بان يعد نفسه لشغل منصب مرموق في سلطة فرعون ،فالخلفية التي جاء منها، من جهة والدته جعلته يحمل هما كبيرا ،لقد أطلع الله والدته كما دلت عليه الأية من سورة القصص بأنه سيكون من المرسلين قال تعالى :(وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمِّ مُوسَىٰۤ أَنۡ أَرۡضِعِیهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَیۡهِ فَأَلۡقِیهِ فِی ٱلۡیَمِّ وَلَا تَخَافِی وَلَا تَحۡزَنِیۤۖ إِنَّا رَاۤدُّوهُ إِلَیۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ)[سورة القصص 7]، ولا شك أن بشارة كهذه لن تخفيها أمه عنه لذلك كان يحمل هما كبيرا للتغيير ويعد نفسه لذلك، وهذا بدوره جعله ينظر في كل الوسائل المتاحة من حوله، ولن يخفى عليه تلك العلوم التي كانت منتشرة بشكل كبير ،في علم الفلك ،والسحر ،والكهانة، ولكن موسى كل هذا لم يكن ليشبع شغفه ولا يطمح اليه ، ما يجعله يبحث عن مصدر صاف يفوق تلك العلوم المشبوهة ،بل وتفوق حتى مستوى الحكمة ،وتكون على أعلى درجة من الرشد، وبطبيعة الحال لا يخلو زمان من وجود أولياء وصالحين وأنبياء ،خاصة عند غياب الرسل وفترة انقطاع الوحي الخاص بالرسل ،فإنه يبقى أنواع الوحي الأخرى كما هو الحال بوحي الله لأم موسى ،وكما هو الحال بوحي الأنبياء والأولياء ،وأما وحي الإلهام فلا يختص به المؤمن دون الكافر ،إذا موسى يريد مصدر صافي يستقي منه استشراف المستقبل ،وقد بلغه وجود رجل صالح ...من مصدر موثوق فعزم أن يشد إليه الرحال، ويجهز الرفيق والزاد، ولكن مغامرة كهذه لا بد أن يكون هناك مؤشر يتأكد من خلاله أنه يسير على الطريق الصحيح ،وبحيث تكون خارقة للعادة لكي تكون مناسب لنوع ومستوى العلم الذي يسعى إليه .
فكان ذلك ما حصل بمجمع البحرين حين اتخذ الحوت سبيله في البحر سربا ،وعجبا ،وقد كان الحوت في حوزة الفتى لا يحرك ساكنا ،وهناك التقى موسى بالعيد الصالح ..ذلك ما أشارت إليه الآيات من سورة الكهف ولنترك للقرآن أن يسرد لنا هذه القصة بأحسن القصص
أولا الرحلة إلى مجمع البحرين وعلاوة على ذلك :
الآيات [[سورة الكهف 60 - 65] ] (وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَاۤ أَبۡرَحُ حَتَّىٰۤ أَبۡلُغَ مَجۡمَعَ ٱلۡبَحۡرَیۡنِ أَوۡ أَمۡضِیَ حُقُبًا فَلَمَّا بَلَغَا مَجۡمَعَ بَیۡنِهِمَا نَسِیَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِیلَهُۥ فِی ٱلۡبَحۡرِ سَرَبًا)(فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَىٰهُ ءَاتِنَا غَدَاۤءَنَا لَقَدۡ لَقِینَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَبًا قَالَ أَرَءَیۡتَ إِذۡ أَوَیۡنَاۤ إِلَى ٱلصَّخۡرَةِ فَإِنِّی نَسِیتُ ٱلۡحُوتَ وَمَاۤ أَنسَىٰنِیهُ إِلَّا ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَنۡ أَذۡكُرَهُۥۚ وَٱتَّخَذَ سَبِیلَهُۥ فِی ٱلۡبَحۡرِ عَجَبًا قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبۡغِۚ فَٱرۡتَدَّا عَلَىٰۤ ءَاثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا عَبۡدًا مِّنۡ عِبَادِنَاۤ ءَاتَیۡنَـٰهُ رَحۡمَةً مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَـٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمًا)
يتضح لنا الجو العام للقصة من أول آية (وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَاۤ أَبۡرَحُ حَتَّىٰۤ أَبۡلُغَ مَجۡمَعَ ٱلۡبَحۡرَیۡنِ أَوۡ أَمۡضِیَ حُقُبًا ) يوحي بأن موسى لم يكن على ما يرام، لذلك فهو قد لاح له بصيص أمل، ومن أجله اتخذ قرارا حاسما ،أن يصوب وجهته نحوه مهما كلفه ذلك من وقت وجهد وتعب إذ هو بنظره أفضل الخيارات المتاحة فقد كان يشعر بالضيق من ممارسة فرعون للظلم والفساد واستعباد بني إسرائيل، كل تلك الظروف ينبغي أن نضعها بالحسبان ،وكان لهذه الرحلة وجهة ومعالم ومعايير قال تعالى: ( فَلَمَّا بَلَغَا مَجۡمَعَ بَیۡنِهِمَا نَسِیَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِیلَهُۥ فِی ٱلۡبَحۡرِ سَرَبًا )،هذا هو المؤشر الأول أو المعيار الأول الذي بموجبه يجعل ردة فعل المتعلم الأولى بأن كل ما سيقول المعلم له هو صدق وموثوق ،وهذا النهج - تقريبا - غالبا ما كان يستخدم بمثل هذه الظروف المشابهة، على سبيل المثال فمن يدعي امتلاك أي مهارة أو علم ليس لدى الأخرين منه فل نختبره فإذا ثبت شيء، مما يدل عليه صدقناه، فإن مثل هذا السلوك معتاد، في أي قصة مشابهة ،كما يلقى على مسامعنا من قصص المريدين مع مشايخهم ،عند الأخوة الصوفيين، وما يهمنا هنا أن المعيار الذي كان لدى موسى قد تحقق وشاهد ذلك قال ( نَسِیَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِیلَهُۥ فِی ٱلۡبَحۡرِ سَرَبًا ) ،(واتخذ سبيله في البحر عجبا )، ومع أن المشاهدة كانت من الفتى إلا أنها مقبولة لسبق العلم بحدوثها قبل وقوعها ،والأهم من ذلك أنهما وجدا من خرج موسى لأجله قال تعالى :( فَوَجَدَا عَبۡدًا مِّنۡ عِبَادِنَاۤ ءَاتَیۡنَاهُ رَحۡمَةً مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمًا) ،وسرد الوصف على هذا السياق ،يشير إلى تحقق صدقه في نفس موسى ،والفتى، وهذا بحد ذاته خطوة مهمة ليست لنجاح المطلوب الذي خرج من أجله فحسب، بل وفي حياة موسى ومسيرته، وهي من نوع جديد ،إن صح لنا القول خارج نطاق المحسوس ،وكان على موسى أن يكون شديد الحذر في مغامرة مثل هذه ،فمن جهة يجب ألا يكون فاشلا من أول قرار يتخذه ،ومن جهة ثانية عليه ألا يسلم نفسه تسليما كاملا ،وإنما يكون حذرا، لأن الأصل أن ما هو معروف وطبيعي وعقلاني فينبغي عدم الخروج عليه ،إن عليه بشكل واضح مهمة صعبة، وهو أن يكتسب قيما ومعايير جديدة دون أن يفقد قيمه السابقة الطبيعية والحقة، أوأن تتعارض القيم الجديدة مع القيم السابقة ،وفي الوقت نفسه حين يحصل شيء من هذا القبيل، فعليه أن يتخذ القرار الحاسم باختيار ما يرجحه ،وهذا ما حصل كما سيتعين علينا ملاحظته وتاملاته.
ثانيا : الاتفاق المسبق والمعايير المرجعية بين موسى والعبد الصالح :
موسى يطلب من العبد الصالح الموافقة ،على تعليمه مما علم رشدا مقابل اتباعه له (قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلۡ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰۤ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمۡتَ رُشۡدًا
-الآية ( قَالَ إِنَّكَ لَن تَسۡتَطِیعَ مَعِیَ صَبۡرًا وَكَیۡفَ تَصۡبِرُ عَلَىٰ مَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ خُبۡرًا )
العبد الصالح يرى أن موسى، قد قطع على نفسه وعدا باتباعه ،دون أن يعي معنى الاتباع ،وأن الوعد هذا ليس كافيا وفيه غموض فهو ليس محددا، ولا يصلح أن يكون معيارا دقيقا، يمكن أن يحتكم إليه في حال الاختلاف، علاوة إلى أن موسى قد يتحجج بأنه لم يكن محيطا علما بالملابسات والظروف المحيطة في الحالات المفترضة متابعتها، فكان عليه أن ينبهه قال ( إِنَّكَ لَن تَسۡتَطِیعَ مَعِیَ صَبۡرًا، وَكَیۡفَ تَصۡبِرُ عَلَىٰ مَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ خُبۡرًا ) .
موسى يجيب : ( قَالَ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ صَابِرًا وَلَاۤ أَعۡصِی لَكَ أَمۡرًا )
ومع ذلك لم يكن هذا الجواب شافيا ومقنعا للعبد الصالح، فصياغته بهذا الأسلوب ليس ملزما لموسى، وخاصة أنه قد علق الوعد بالشرط اي قال :( إن شاء الله ) ، وهو ما جعل العبد الصالح أن يختار عبارة جديدة أشد صرامة يمكن الاحتكام إليها :
قال العبد الصالح : ( قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعۡتَنِی فَلَا تَسۡئلۡنِی عَن شَیۡءٍ حَتَّىٰۤ أُحۡدِثَ لَكَ مِنۡهُ ذِكۡرًا )
وهنا أصبح لدى العبد الصالح معيارين يحتكم إليهما :
الأول أنه نبه موسى انه لن يستطيع معه صبرا، وخاصة أنه لن يحيط علما بالوقائع المفترض حصولها ،ومع ذلك أصر موسى أنه سيجده صابرا معلقا ذلك بمشيئة الله .
المعيار الثاني : إن كان موسى قد قبل بالاتباع على وفق ما بينه العبد الصالح، فإن المؤشر على ذلك هو عدم السؤال من موسى للعبد الصالح عن أي شيء حتى يخبره هو، وكأنه يضع معيارا محددا ،إذا وجد، اقتضى ولزم موسى ..تحمل المسؤولية، الذي يترتب عليها المفارقة وإلغاء الصحبة .
وهنا وقفة تامل : كم تعقد حوارات ،دون أن يكون لها مرجعية ،ولا يخرج منها إلى أي فائدة بل تتحول إلى جدل، ثم إلى شقاق ومحادة ، وكل طرف يرمي بالخطأ على الطرف الآخر .
ولنا أن نسأل الى أي مدى قد ساهمت هذه التجربة في مسيرة موسى ؟ هل كان لهذه الخطوات أثرها في توجيه المحاجة التي عقدت مع موسى بينه وبين السحرة من جهة وبين السحرة وفرعون من جهة أخرى ،باعتبار أنه قد تقدم الاتفاق المسبق للمعايير المحتكم اليها، قبل المحاججة، فكان المعيار لاتباع السحرة هو الغلبة ( إن كانوا هم الغالبون)، فحين بطل سحرهم وغلبوا ولم يغلبوا ،اضطرهم المنطق والعقل الاذعان والوفاء بما تعهدوا به مسبقا على وفق المعايير المتفق الاحتكام اليها ،وكانت النتيجة أن آمنوا برب موسى وهارون.
ونفس الشيء يمكن أن نقول: بأن موسى قد استفاد من هذه الجزئية درسا مهما في الصبر، ظهر ذلك جليا ،حين وقف الموقف الأكبر والأعظم أمام الله عالم الغيب والشهادة، حين كلفه بالرسالة ،فنجد أنه قد شكى ضعفه، وقلة حيلته، وخوفه من ضيق صدره وقلة صبره دل على ذلك ما جاء في عدد من الآيات من ذلك قال تعالى : (وَإِذۡ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰۤ أَنِ ٱئۡتِ ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ قَوۡمَ فِرۡعَوۡنَۚ أَلَا یَتَّقُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّیۤ أَخَافُ أَن یُكَذِّبُونِ وَیَضِیقُ صَدۡرِی وَلَا یَنطَلِقُ لِسَانِی فَأَرۡسِلۡ إِلَىٰ هَـٰرُونَ وَلَهُمۡ عَلَیَّ ذَنۢبٌ فَأَخَافُ أَن یَقۡتُلُونِ قَالَ كَلَّاۖ فَٱذۡهَبَا بِـَٔایَـٰتِنَاۤۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسۡتَمِعُونَ)[سورة الشعراء 10 - 15]
وكذلك قال تعالى حكاية عن موسى : (قَالَ رَبِّ ٱشۡرَحۡ لِی صَدۡرِی وَیَسِّرۡ لِیۤ أَمۡرِی وَٱحۡلُلۡ عُقۡدَةً مِّن لِّسَانِی یَفۡقَهُوا۟ قَوۡلِی وَٱجۡعَل لِّی وَزِیرًا مِّنۡ أَهۡلِی هَـٰرُونَ أَخِی ٱشۡدُدۡ بِهِۦۤ أَزۡرِی وَأَشۡرِكۡهُ فِیۤ أَمۡرِی كَیۡ نُسَبِّحَكَ كَثِیرًا وَنَذۡكُرَكَ كَثِیرًا إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِیرًا قَالَ قَدۡ أُوتِیتَ سُؤۡلَكَ یَـٰمُوسَىٰ) [سورة طه 25 - 36] وهذا الموقف مغايير عن الموقف الذي اتخذه مع العبد الصالح حين وعد انه سيكون صابرا رغم كل الظروف، وكأنه استفاد من هذا الدرس فاحتاط لنفسه فالملابسات التي تحيط بانجازه لمهمة الرسالة معقدة ،والتحدي فيها على أشده فهو يواجه أعظم طاغوت على وجه الأرض .
ثالثا : الثلاث الحالات التي صاحب موسى وقوعها
أ - الأولى خرق السفينة - الآية ( فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰۤ إِذَا رَكِبَا فِی ٱلسَّفِینَةِ خَرَقَهَاۖ قَالَ أَخَرَقۡتَهَا لِتُغۡرِقَ أَهۡلَهَا لَقَدۡ جِئۡتَ شَیۡـًٔا إِمۡرًا قَالَ أَلَمۡ أَقُلۡ إِنَّكَ لَن تَسۡتَطِیعَ مَعِیَ صَبۡرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذۡنِی بِمَا نَسِیتُ وَلَا تُرۡهِقۡنِی مِنۡ أَمۡرِی عُسۡرًا )
هذه هي الحالة الأولى، وإذا كان موسى لم يف بما وعد ،إلا أنه قد قدم عذرا ، وآتى بمبرر مقبول واستعطف العبد الصالح، ما يجعل قبوله أخلاقيا أمرا محققا.
ومن جهة أخرى، يتبين لنا أن الاعتذار يلمح ،بأن موسى عليه السلام لم يكن قد درس هذه الحالة جيدا ،وكذلك لم يكن موفقا بهذا السؤال ،فالاعتذار يحمل كذلك معنى التراجع .
ب - الحالة الثانية قتل الغلام :
- الآية ( فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰۤ إِذَا لَقِیَا غُلَامًا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلۡتَ نَفۡسًا زَكِیَّةَۢ بِغَیۡرِ نَفۡسٍ لَّقَدۡ جِئۡتَ شَیًۡٔا نُّكۡرًا)[]
يتضح من قوة السؤال وما تلاه ،بأن هذه الحالة لها منحى مختلف عن سابقتها وعن ما بعدها، إن السؤال عن( قتل الغلام ) لم يكن ناشئ عن سوء تقدير، أو نسيان كما في الحالة الأولى ،وإنما هو مبدأ ثابت وتوجه جازم، لا يكفي فيه مجرد السؤال وإنما الاستنكار، فموسى ليس شخصا عاديا، وإنما هو شخصية مميزة، لا يقبل أن تكون القيم الجديدة ،بدلا عن القيم الطبيعية الثابتة ،ولا متعارضة معها ،فهو وإن كان يطمع باكتساب قيم ومعارف جديدة ،لكن ذلك ليس بأي ثمن ،فهو يتعامل مع بشر مهما كانت درجته ،فإن الذي لا يسأل عما يفعل هو الله وحده .فإن كان للعبد الصالح ما يبرر قتل الغلام فذلك شأنه، ونفس الشيء لدى موسى ما يبرر عدم القبول ،ولذلك فإن تقديم الاستنكار في وقته أمر لا مناص منه، وتأخيره عن وقته هو مشاركة بالفعل، وليس هناك ما يبرره سوى مصلحة شخصية لموسى، باستمرار التعلم ،والثبوت على القيم مقدم على جلب المصالح الشخصية، والوقائع التي تعامل معها موسى في مسيرة حياته أكدت لديه هذه الحقيقة وثباتها، كما دل عليه تعامل موسى الحازم بإدانة نفسه في واقعة وكز القبطي ، وذلك لا يعني بأي حال من الأحوال بأن العبد الصالح قد تجاوز ودخل في المحذور ابدا، لأن الله قد زكاه بشكل واضح لا يقبل التأويل، وإنما يجب أن ننظر إليه، باعتباره قد اسندت إليه وظيفة من نوع خاص يلزمه تنفيذها ،فمثله مثل من ينفذ حكما قضائيا بموجب الوظيفة المسندة إليه ،ونعذر موسى لعدم بلوغه من العلم .
وهذه القناعة لدى موسى قد ألمحت إليه الآيات بعدها قال تعالى :
(۞ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسۡتَطِیعَ مَعِیَ صَبۡرًا قَالَ إِن سَأَلۡتُكَ عَن شَیۡءِۭ بَعۡدَهَا فَلَا تُصَاحِبۡنِیۖ قَدۡ بَلَغۡتَ مِن لَّدُنِّی عُذۡرًا)[سورة الكهف 75 - 67 . [
وقد سجل رد موسى موقفا صادقا دون البحث عن مبررات ،ولم يتخذ من هذه القصة مبررا له، للتنصل عن التزامه ،بل على العكس ، يعترف موسى أن المعايير التي اتفق عليها للصحبة قد كان المسؤول عن خرقها موسى نفسه، وليس العبد الصالح ،وهذا الموقف الراقي يعطينا إشارة واضحة إلى العقلية الصافية لموسى ،وعدم خلطه للأمور يجعله في موقع المتلقي الصادق، فما استنكره وله حكمه ،وما خرج به عن الاتفاق المسبق شيء أخر وله حكمه ،ومن هذا المنطلق إذا كان على موسى أن يسجل اعتراضه على قتل الغلام، فإنه في الوقت نفسه، وبنفس القوة عليه، أن يعترف أنه قد خرق مبدأ الاتفاق ،ويعطي الحكم للعبد الصالح في هذه المسألة وهذ فعلا ما تم .
ج - الحالة الثالثة :
(فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَتَیَاۤ أَهۡلَ قَرۡیَةٍ ٱسۡتَطۡعَمَاۤ أَهۡلَهَا فَأَبَوۡا۟ أَن یُضَیِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِیهَا جِدَارًا یُرِیدُ أَن یَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ قَالَ لَوۡ شِئۡتَ لَتَّخَذۡتَ عَلَیۡهِ أَجۡرًا قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَیۡنِی وَبَیۡنِكَۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأۡوِیلِ مَا لَمۡ تَسۡتَطِع عَّلَیۡهِ صَبۡرًا)[سورة الكهف 77 - 78]
طبعا لم تكن النتيجة مفاجئة ،فهي معروفة مسبقا، ومن قررها هو موسى، وليس العبد الصالح ،واشتملت على شقين الأول انتهاء المصاحبة.
أما الثاني : العبد الصالح يفي بما التزم به من انبأ موسى بتأويل الحالات التي لم يستطع عليها صبرا .
أيها السادة : نحن أمام تجربة عظيمة موسى يتحمل مسؤولية خرق الاتفاق ،ولكن هذا الخرق لم يجعل منه العبد الصالح مبررا لعدم الوفاء بما وعد .
عدد كبير من القضايا نجد أن أحد الطرفين يمتلك نصف الحقيقة، والآخر يمتلك، كذلك نصف الحقيقة لا الحقيقة كاملة، فمن المؤسف أنه لا ينظر إلى الأمور كما هي ويتم الفصل وتقدير الأمور قدرها، كما أفادتنا قصة موسى مع العبد الصالح ،وإنما غالبا، أما أن يتم الحكم بصحة القضية لصالح من امتلك نصف الحقيقة، أو يحكم ضده لعدم وجود الحقيقة كاملة وهذه مجازفة .
يتابع البقية في الجزء الثاني .
أسعار النحاس ترتفع 1.86% وتسجّل 5.6455 دولارًا
النفط يتراجع وأسعار الذهب ترتفع عالميا
الداخلية تدعو المواطنين لتوقيع وثيقة إلكترونية .. تفاصيل
رئيس الوزراء يتفقد مشروع تطوير معبر حدود الدرة في العقبة
طلبة التوجيهي ينهون امتحاناتهم الخميس
جدل دبلوماسي بسبب سؤال ترامب المفاجئ .. فيديو
باريس سان جيرمان يكتسح ريال مدريد برباعية
انهيار نفق بلوس أنجلوس يحاصر 15 شخصاً .. فيديو
إسرائيل توافق على تمويل إعادة إعمار غزة
أجواء حارة في عطلة نهاية الأسبوع .. نصائح وأماكن للزيارة
وقف ضخ المياه عن مناطق في المملكة .. أسماء
مهم بشأن ارتفاع أسعار اللحوم والزيوت ومنتجات الألبان
1039 قطعة أرض للمعلمين في سبع محافظات
بحيرة طبريا تقترب من أسوأ مستوى في تاريخها
بتوجيهات ملكية .. طائرة إخلاء طبي لنقل عائلة أردنية من السعودية
التسعيرة المسائية للذهب في الأردن .. تفاصيل
الحكومة تمنح قروضاً بلا فوائد لهذه الفئة
دفعة تعيينات كبيرة في وزارة التربية - أسماء
تحذير مهم من مهرجان جرش للجمهور
محافظ الكرك يوقف برد الشفا بسبب منشور الكحول
مهم من التربية بشأن تصحيح امتحانات التوجيهي
وفد سوري يزور محطة الباص السريع في عمّان .. صور
بيان بعد أنباء وفاة الداعية المصري حازم شومان
الاعتداء على الصحفي فارس الحباشنة أمام منزله في عمّان .. صور