لو كانت القيمة تقاس بالأوزان لكانت الصخور أغلى من الألماس

mainThumb

11-04-2014 03:10 PM

يحكى أن أحد الأساتذة رفع في أحد الأيام ورقة من فئة ال " 100 " دولار , وسأل طلابه عن من يريدها , فرفع الجميع أياديهم تعبيرا عن حاجتهم لها , وعندما لاحظ هذا الكم الهائل من الأيادي المرتفعة , كرمشها بقوة بيديه , وعاد ليسألهم مرة أخرى , من يريدها الآن ؟ فرفع الجميع أياديهم ليؤكدوا للأستاذ أن كل واحد منهم يريدها , ومن ثم رماها على أرضية الصف وصار يسحقها بحذائه حتى اتسخت كاملا , وسأل من يريدها الآن ؟ فرفع الجميع أياديهم , فعندها قال لهم : هذا هو درسكم اليوم , ليبين لهم أنه مهما حاولنا وبذلنا من جهد لتغيير هيئة هذه الورقة , فان قيمتها تبقى محفوظة لا تتأثر تحت أي ظرف كان, ومهما تعرضت للتحقير والتعثر والتقليل والاهمال والتهميش . ومن هنا نستنبط أن على المرء أيا كان , أن يؤمن بأن قيمته الحقيقية لن تمس مهما واجه من أعاصير فتاكة , وتقلبات في أجوائه الحياتية , وعليه أن يكون واثقا من نفسه , صبورا , رابط الجأش لا تهزه الرياح والعواصف التي يمكن أن تواجهه لتحبط عمله , ولتقلل من هممه ونشاطه , فلا يهتم للحماقات التي يرتكبها من حوله من البشر , ولا يرد السيئة بالأسوأ , وعليه أن يحدد قيمة نفسه , وان لا يحتقرها حينما يرى فخامة الآخرين .


ان قيمة الانسان الحقيقية تكمن في انسانيته وكيفية نظرته للحياة - لأن الانسان مدني بالطبع , فلا يمكنه العيش لوحده منعزلا عن العالم , وكما هو معلوم للجميع فهو عبارة عن مجموعة من القيم الانسانية التي لولاها لأصبح كالحيوان المتوحش الذي يفترس كل شيء –وقيمته أيضا تكمن في نوعية أساليبه التي يتبناها لتحسين صورته , واجراءاته العملية الهادفة , وانجازاته العلمية المتميزة التي يستمتعبها وكل من يلمسها , مزودة اياه بطاقة عالية تساعده على البقاء في ظل أهداف يرسمها لنفسه ولغيره ويبني عليها لتقدمه وتطوره , فليست قيمة الانسان بما يملكه من أموال وجاه وسلطان , بل في طريقة تفكيره وفي تحديد أهدافه المرجو تحقيقها, والاستمرارية في اتمامها بهدف تحقيق التوازن البناء والبقاء المتواصل نحو الأفضل , وبما يملكه من خلق رفيع , ورقي في التعامل والتسامح وحسن التعامل مع الآخرين ,وبتطبيق ما يتفق مع تلك القيم والمبادئ الانسانية المشتركة بين بني البشر, ولا يتم تحقيق هذا الا بالارادة الحقة , وحب المغامرة , والصبر , والادارة السليمة المبنية على أسس علمية مدروسة, وبتحديد الأهداف وآلية انجازها دون الانتقاص من حرية الانسان, أو الميل والتخطيط نحو سلب ارادته , وبرسم الطموحات البناءة , ومواجهة التحديات وعدم الخوف منها , وعدم الاتكال على الغير . فمن لا يحب أن يتعلم ويعمل طوال عمره سيبقى غاشا لنفسه وأمته , وسيعيش أسفل السافلين , وقد صدق الشاعر أبو القاسم الشابي في قوله :


ومن لا يحب صعود الجبال            يعش أبد الدهر بين الحفر


فالانسان المتسلق الذي لا ينجز شيئا مفيدا لوطنه , ولا حتى لنفسه , سوى حبه لأنانيته الرذيلة معتمدا في ذلك على جغرافية منطقته , ونسبه , وما يملكه من المؤهلات الجهوية العفنة , ومن حسن تطبيق فن النفاق القذر, هو ذلك الانسان المفلس الذي يدرك تماما أن مثل هذه الخصال والسمات التي يبرع في اتقانها , هي كانت وما زالت بقناعته الفضة , كفيلة في ايجاد موقعقدم يطأه في عالم مثالي ملؤه العدالة والانضباطية الحقة بكل مكوناتها وفي عالم ينعدم فيه طعم التكبر , والتواكل وحب الذات, والتمسك بالتوافه والترهات . فلا يحق لأي انسان مهما علا شأنه نتيجة لتصرفاته وسلوكه النفاقي أن يرجع عمل الغير لنفسه , وأن يتفاخر بشيء ليس من صنعه وجهده , وخاصة اذا كان هذا الافتخار مبنيا على اقصاء الآخرين والتعالي عليهم . ان هذا هو الباطل بعينه الذي يسعى جاهدا لكي يعلوا برأسه على الحق الذي هوأبقى وأقوى وأثبت منه قدما مهما طال الزمن , وأن مكر أصحاب هذا الباطل سيرد عليهم سلبا في الدنيا قبل الآخرة , لقوله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام " وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها , وما يمكرون الا بأنفسهم وما يشعرون " .


فالكون مسرح للحياة والعمل الجاد المتواصل , لا مكان فيه لأهل الخمول والكسالى والمتقاعسين الاتكاليين والوصوليين, فالأفق لا يحمل بين طياته وجوانبه الا الطيور الحية التي تضفي على الكون جمالا , فكن جميلا ترى الوجود جميلا , والنحل لا يرتشق الا رحيق الزهرة النظرة لكي ينتج لكل من الصالح والطالح عسلا صافيا شافيا لا غش فيه , فلتكن روحك صافية وليكن قلبك نقيا خاليا من كل الشوائب كصفاء العسل الذي تأكله . فلا يقاس الانسان بما يملك , بل عليه أن يكون أسمى وأرفع من ذلك , بل يقاس بما يحمله من أفكار ومبادرات مفيدة , ومشاعر صادقة أمينة سامية .


ان هذا المتسلق مثله كمثل العدد السالب في الرياضيات , فكلما كبرت قيمته العددية , كلما صغرت قيمته الحقيقية , أي كلما ازداد تعاليا وتكبرا , كلما صغر في عيون الآخرين . ولقد تعلمنا في دروس الرياضيات أن الانتقال من جهة لأخرى أي من مربع السينات الأيمن الى الأيسر سيغير من قيمة العدد المنقول , وأنه كلما كبر مقام الكسر العددي , كلما صغر ناتج القيمة العددية , وهكذا كلما أشعر الانسان الناس نفسه بعلو مقامه , صغر في عيونهم .
ولقد تعلمتا الكثير أيضا من دروس الرياضيات بأن لكل مجهول قيمة رقمية ما , وهكذا فان كل من تحتقره وتنتقص من شأنه , وتتكبر عليه , لأنه ليس من أهل الذوات , لربما يكون له قيمة أعلى مما تتخيله العقول عند ربهم أولا , وعند أفراد مجتمعهم ثانيا , لأنه يقوم بدوره في التنمية والعطاء دون غطاء جهوي ومادي زائلين , فلا تظنن أيها الانسان المتسلق الاتكالي أن وحدك هو صاحب الحقيقة , وأن ما خالفك من حولك هم مخطئون , وعليك أن تدرك أن هؤلاء الجنود المجهولين لم ولن تكن افكارهم وطموحاتهم في يوما ما محدودة قد وضعت في بوتقة ضيقة , بل هم من يحملون تلك القيمة العددية التي تعلمناها جميعا في دروس الرياضيات بالرمز وهي " ما لا نهاية " , واعلم ان في هذه الدنيا متغيرات وأن لكل متغير أنت تجهله قيمة تؤدي الى نتيجة معينة , فلتحسب حسابك لذلك المتغير الذي ربما لا يرضيك شأنه المستقبلي , ويثقل كاهلك وتندم على صنعك الخبيث حيث لا ينفع وقتها الندم .
لقد تعلمنا يا أيها الانسان , يا صاحب الوزن الثقيل الذي امتلكته بالطرق الملتوية في حصص العلوم الطبيعية , أن من خواص Sun Turbidityالتي تعني" تعكر الشعاع الشمسي " أي عندما تكون الشمس مكدرة وفيها نوع من تشويش الرؤيا , أنها تحدد مقدار الغبار والتلوث في الجو , فكلما كانت قيمتها صغيرة , كلما كان الجو صحوا والسماء زرقاء , وكلما كبرت قيمتها , كلما كانت لون السماء مشوب بالأصفر أو البرتقالي أو بالأحمر حسب قيمته , ومثل ذلك ينطبق على أولئك الذين يستصغرون الناس فهم في الحقيقة من يلوثون أجواء هذا البلد الهاشمي الطيب ويغبرونها بأنفاسهم التي تبث السموم في كل وجه من أوجه الحياةالانسانية . وليعلم هؤلاء أنهم لا يملكون خلق أنفسهم , ولا اختيار ألوانهم ولا جنسهم ,ولا حتى طولهم , أو سمك أجسامهم , أو ما قسم الله لهم من أرزاق وأنعام يتنعمون بها في الدنيا لتكون وبالا عليهم يوم القيامة , فهم والحالة هذه ما عليهم الا أن يعيدوا النظر في كل مجرى من مجريات حياتهم , ونوعية تفكيرهم , ويختارون لأنفسهم القيمة الحقيقية الخاصة بهم , فيسعون الى تحسينها ورفع قيمتها بالعمل الجاد الدؤوب , والانجازات التي تنعكس على خير وصالح هذا البلد الذي يدعون بأنهم ينتمون اليه , وكما درسنا " المصفوفات " في الرياضيات حيث الأرقام أو الرموز توضع في صفوف أفقية وعمودية منظمة تستفيد البشرية من عملياتها الحسابية في مجالات حياتية متعددة  , فما عليهم الا أن يتعلموا منها , وان يأخذوا العبرة من تنظيمها وآلية تعاملها , كي يصفوا بصفوف منظمة تفوح برائحة التنافس الشريف , والروح الرياضية العالية التي يكون العدل والانصاف فيها سيدها , وكي تصفوا نواياهم وأمنياتهم اتجاه غيرهم , ويحسنوا الظن بربهم وبمن هم حولهم , والا فكيف يقبل عربي أصيل من قريش التعامل مع عبد حبشي كان بالأمس سيده !!!! كل ذلك لأن مرجعيتهم واحدة وهي القيم الاسلامية التي تعلموها فيحياتهم , ولتمسكهمالتام بنواجذهم بها. فاختر لنفسك  طريقة أو أكثر تخدم فيها الناسلتوصلك الى النتيجة الصحيحة , واعلم أن لكل سؤال جواب , وأن الوصول الى الجواب وحل السؤال كما علمنا معلم الرياضيات , ربما يأتي بأكثر من طريقة .فلتكن واسعا في مداركك العقلية وليكن تفكيرك أعمق , ويحضرني قول الشاعر :
ليس الفتى من يقول كان أبي                 بل الفتى من يقول ها أنا ذا
ان البذرة الصغيرة التي تزرعها في الارض تكبر لتصبح شجرة وارفة الظلال يستظل بها القاصي والداني , والطير الذي يجد حبوبه وماءه على جدران الحدائق والبساتين سيحمد الله على نعمه وسيكون ممتنا كثيرا لأصحابها , والحجر الصغير الذي نرفعه عن الطريق كي لا يؤذي الآخرين , لهو أسمى وأغلى من الذهب الذي يباع ويشترى , ففعل الخير مهما كان حجمه ووزنه هو فعل طيب يعكس نفسية قلب صاحب هذا الخير الطيب المعطاء , ومدى محبته لغيره , وأن هذا الخير ولو كان قليلا يحمل في طياته أسمى المشاعر والنبل الرفيعة وأغلاها , ويترجم حبا لعطاء لا حدود له , وبالتالي لا تقاس قيمته بمقداره ,  بل بالأثر الطيب الذي يتركه في نفوس متلقيه .
ان الذين يعيشون في مجتمع يمارس فيه الدجل السياسي , يعرفون أن أكثر الأفراد قدرة على الكذب والنفاق وهم قلة في مجتمعاتنا , هم الذين يترقون ويستلمون المناصب , لما يحملوه من مؤهلات وكفاءات تقنية عالية في كيفية السلوك في درب هذا النفاق والدهلزة , ولما يجيدونه منفنون السباحة في هذا المضمار, ولما يعرفونه " من أين يؤكل الكتف " , ولما يجيدونه أيضا من  فنون القفز على جميع الحبال دون ان يمسهم أي ضرر أو يصيبهم أي أذى , ولما يكسبونه من مواهب الرقص على ايقاع وأنغام أوتار من ينافقون لهم , انهم هؤلاء هم الانتهازيون الذين هم أشبه بقطيع من القطط يتسلقون الجدران دون أن يحملوا في جرابهم شيئا من القيم الوطنية والدينية وحتى الأخلاقية منها , ودون أن تسمع يوما ما بأن قطا ما قد أصابه أي مكروه . فحين تسود قوانين الغاب نجد أن أكثر الأفراد قيمة , هم الأكثر شراسة ووحشية , ونرى أن انتشار الغش واستغلال جهود الآخرين والسرقة تصبح كلها أمورا مباحة حتى يحصل أولئك على مرادهم ومبتغاهم , ونرى أنهم يحتلون حيزا واسعا من القيمة الدنيوية المادية بما يتناسب مع ذكائهم الحاد وحدقهم وما جمعوه من أموال الفساد . وكما قال ابن القيم " ان النفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء الا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة , والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار ". وفي هذا يقول الشاعر :
ومن تكن العلياء همة نفسه                  فكل الذي يلقاه فيه محبب
ان ما نشعره اليوم وما يحدث في مجتمعاتنا يشير الى أن قيمة الانسان تقاس بمقاييس مصلحية دونية دنيوية , فهذا يعمل لذاك وذاك يعمل لصالح هذا , والكل يتآزر ويتعاون معا لسد ثغرات الزلات والأخطاء والهفوات التي يمكن أن يقع فيه أي منهما , فتراهم يعملون كخلية النحل , كل واحد منهم منشغل بما يسند اليه من دور يقدم فيه منفعة ما لهذه الخلية , حتى تستمر مخالبها في القبض على فريستها , والحفاظ على مصالحها الآنية الخاصة بحركاتهم البهلوانية وفهلواتهم المكشوفة . فالانسان الفطن الذي يحب ان يجعل لنفسه قيمة , هو من يتعامل مع الآخرين بالحسنى ويتحلى بالتواضع الذي يقتحم بدوره بكل قوة قلوب كل من يقابله , وهو الذييعرف موقعه ووزنه الحقيقي , فارضا في ذلك احترام الجميع له , ولهذا نقول " فلتكن بسيطا واقعيا لتكن أكثر جمالافي عيون الآخرين " .
ان الصخر له وزن كبير لا يقدر الانسان الطبيعي أن يحمله , وان حمله على ظهره فربما ينكسر , وان استخدمه للبناء فيستطيع عندها بناء أبراج عالية تسر الناظرين , فلا تكن يا من تتباهى بقيمتك الاجتماعية مثل ذلك الصخر الذي يكسر الظهور , بل كن من تلك الصخور التي يبنى بها تحت قدميك حتى تعلو وتنتصر . فالكبرياء والعظمة لله الواحد الأحد , وان كنت تريد اظهار كبريائك على بقية البشر بما تملكه , فاعلم أنك لن تبلغ الجبال طولا , وأن هذا الكبرياء هو بمثابة شيفرة ترسلها لمن تحب لتثبت لهم بأنك أقسى قلبا , وأنك جبل لا تهتز حتى بفتات المشاعر الانسانية , فأنت والحالة هذه مجرد قلب طفل يتعصر ألما . فالطفل الصغير كما تعلمون يعجز عن تقديم أي خدمة لضعف بنيته , فلا ثروة له ولا أرصدة , ولا يقدر على انتاج أي شيء يفيد البشرية , بل انه بحاجة الى من يرعاه ويعتني به ليبقى على قيد الحياة , فهل من العدل أن ندعي بأن لا قيمة له لصغر سنه علما أنه في يوم من الأيام سيصبح ربما قائدا شهيرا فذا يدير أمة بكاملها !!!!!!! وهل من العدل أن ندعي بان كبير السن العاجز الذي لا يقوى على القيام بأي عمل ما , ولا حتى العناية بنفسه , أن لا فائدة منه , وان على المجتمع رميه في ملاجئ العجزة دون أن يأخذ بعين الاعتبار ولو بذرة من الاحساس الانساني المرتبط بعاطفة الأبوة أو الأمومة التي تربط الأبناء بهم, متناسين ومتجاهلين لقيمتهم الاجتماعية التي كانوا عليها , وما قدموه لمجتمعهم من تضحيات وانجازات وهم في ريعان شبابهم !!!!


ان كل شيء في هذا الوجود له بهجة يبهت مع الزمن , كملامح الوجه , تتغير وتتأخدد مع لطمات الحياة , فلو أراد الانسان أن يتعمق ويبحر في ما مر به من سنين العمر ليقيس ما خلفته له من آثار , فليسمح لنفسه أن يرى ملامح وجهه في المرآة , وسيرى كم صفعة رسمت على خديه , وكم أخدود شق في وجهه , وكم آهة مزقت صدره , وكم شيبا غزى رأسه وملأ جوانب جسمه . وهكذا فان على الانسان المتعجرف أن يتعظ , وليعلم أن الرجال العظماء الذين خدموا أمتهم خير خدمة هم الذين سيخلدون في ذاكرة الأمم وتاريخها , وستبقى قيمتهم محفوظة في قلوب الأجيال , وأما أولئك الوصوليون سيضعهم الناس في مزابل التاريخ . فقيمة الشيء تقاس بمدى الفائدة التي تعود منها على البشرية , فالوردة الحمراءالتي تهدى من حبيب الى حبيبه رغم خفة وزنها  قديعدهاالحبيب أغلى من الذهب لرمزيتها المعبرة عن مدى قوة تجسيد الحب وتغذيته بينهم , فلم يا ابن الطين تستخف بمن هو أقلك مالا أو جاها أو سلطانا !!!! فهل من ملك مالا وصل الى النجوم ؟ وهل من وصل منصبا ما قد ملك الدنيا بأسرها ؟ وهل من تبوأ مكانة ومنزلة رفيعة في مجتمعه قد صار أعقل الناس وأفهمهم ؟ وهل من نال مرتبة ما قد تحول دمه من الأحمر الى الأزرق مثلا ؟ ان قيمة الانسان تعلو بمقدار عطائه وسعيه الحثيث لنشر العدل ورفع الظلم وتوفير فرص العمل لكل فرد من أفراد هذه الأمة كل حسب تخصصه وامكانياته , وتنقص بعجرفته واستهانته بالناس وكبريائه , وسخافة تفكيره وتحايله الخادع , ووصوليته المبنية على الالتواء والالتفاف على حقوق الغير .


ومع أننا نعيش في عالم يكثر فيه النفاق والواسطة والوصولية والأنانية والاستخفاف بالقيمة حتى وصلت الى ما وصلت اليه عند البعض من أساتذة الجامعات ومن هم من المسؤولين فيها الى الاستخفاف والاستهانة بمن يحملون مؤهلات علمية عالية من جامعات أردنية حكومية أو خاصة هم كان لهم دور فيها ,وحتى أصبحنا نرى الواحد من هذا البعض يتغنى بمؤهلاته الأجنبية متناسين ومتجاهلين " أن خريجي هذه الجامعاتهم الذين تتلمذوا على أياديهم" , ومعتبرين أن هناك فرقا كبيرا بين ما يأخذهويتلقوه هؤلاء الخريجين من معلومات ومهارات منهم طيلة مدة دراستهم التي عانوا منها الكثير, وبين ما هم درسوه في جامعاتهم الأجنبية , واذا كان الأمر كذلك فلماذا يوافق الأساتذة على تدريسهم تلك المساقات !! ولماذا رؤساء ومجالس الجامعات يوافقون على منحهم مثل هذه الدرجات العليا كالدكتوراه مثلا !!! ولماذا يفتحون أصلا أبواب الدراسة للحصول على مثل هذه الدرجات!! ولكن كما يقال للجنون فنون  , فواعجباه على ما نراه وما نسمعه  !!!!


 لقد علمنا الدهر وعلمتنا الظروف أن نكتب آلامنا على الرمال عند الأذى وعند حلول المصائب, لأن ما نكتبه سيمحى مع رياح التسامح التي تهب على الرمال , وعلمنا الدهر أن  ننحت المعروف على الصخر لأن الرياح والأعاصير مهما اشتدتوعصفت , فلن تقدر على محوه , بل سيبقى مخلداعلى أمد الدهر , فكن أيها الانسان متواضعالا يعرف معنى للتكبروالتعالي والقفز على القوانين المنظمة للعدالة بين البشر , وأكل حقوق الآخرينمثمنا على الدوام جهود الآخرين ومنجزاتهم , ولتعلم أن الانسان في هذه الحياة كالقلم الرصاص تبريه العثرات ليكتب بخط جميل , وسيبقى هكذا حتى يفنى القلم ولا يبقى منه الا جميل ما كتب ! ولتعلم أن النار لم تستطع حرق سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام ! وأن السكينة لم تستطع رغم حدتها على قتل سيدنا اسماعيل عليه الصلاة والسلام ! وأن البحر رغم هيجانه الشديد لم يستطع أن يغرقسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام !وأن الحوت بضخامته لم يستطع أن يأكل سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام ! ولتعلم ان تشويه سمعة الآخرين عادة قبيحة ربما تنعكس على صاحبها سلبا بحيث يجد من يخرج فيما بعد من يشوهه مستقبلا ! فالزمن كما يقال دوار , فكن يا أيها المتغطرس الأناني الذي لا يعطي قيمة لغيره مؤمنا تماما بأن القدر سيصيبك وينال منك ان لم تتعظ ! وقد قيل بأن أحد الرجال سأل رجل مؤمن ان كان ربك يرمينا بسهام القدر فتصيبنا فكيف لي النجاة ؟ فأجابه : كن بجوار الرامي تنجوا !! فعليك بأخذ الحيطة والحذر من مطبات الدهر , واعلم أن قيمة كل انسان وصولي أناني كقيمة الجوال , فمهما امتلكته فسيكون استخدامه محدودا ! واعلم أن قيمة الانسان ليست في امتلاك العملات والأسهم والسندات لأن قيمتها تتغير صعودا وهبوطا , وأن قيمته بكل ما يحمله داخله من أخلاق ربانية , ومن عصامية وجدية لعمل الخير , ومن طموحات لبناء المجد لأمته ورفع عزتها التيستبقى ثابتة, لا تزيد بالمدح المبطن المزيف , ولا تنقص بالقدح المبتذل من مثل هؤلاء المتسلقين , لأن قيمتهم في عطائهم وانتاجياتهم !! واعلم أن لا قيمة للدبابات والمضادات والطائرات والصواريخ والأسلحة الفتاكة ان لم يكن هناك من يجيد استخدامها على الأرض !!! واعلم أن السراب الذي تراه أمامك عن بعد لا يمكن أن يكون ينبوع ماء , كما يظنه الناس , يعطي الخير لمن حوله ويروي ظمأهم !!! واعلم ان قطرة ماء مهما صغر حجمها في بيت النمل تعتبر بحرا !! واعلم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قادوا الأمة وقد كانوا رعاة للغنم !!! واعلم أن المتحابين هم من يهمسون لبعضهم همسا أو يكتفون بتبادل النظرات بين بعضهم البعض لقرب المسافة بين قلوبهم لأنها هي التي تسمع !! وأن المتخاصمين هم من يرفعون أصواتهم عاليا وهم قريبون من بعض لأن المسافة بين قلوبهم بعيدة فيحتاجون للصراخ لايصال أصواتهم !!!! واعلم أن كبير الهمة لا يضره أن لا يكون ذا نسب شريف أو صاحب مال وعقار , فأغلب كبار أئمة المسلمين والمحدثين والمشاهير منهم كانوا من العبيد أو الموالي أو العجم , ولا يضره أيضا أن لا يمت بآصرة اللحم والدم الى قوم كرام , فهو بعلو همته حقا ينتسب الى كل الكرام !!!! فكبير الهمة لا يرضى بالهمم الحيوانية , فهو يبني مجده بنفسه , فلا يفخر بما آل اليه بالنفاق والفهلوة , بل يرضى برضاء الله ورضى الناس عليه لما قدمه من منجزات وتضحيات فداء لأمته , منافسا بها خبرات أعظم العلماء علما , لأن بها يعلو الدرجات وينال الشرف والعزة والعظمة .


 وأما اذا ما نظرناوالحالة هذه الى واقعنا اليوم بعين التأمل والتعمق , فاننا سنرى أن البعض من هذا النوع ممن يدعون ويتفاخرون بأوزانهم الثقيلة, أنهم هم الذين سيكونون الشرارة الحقة القوية التي تسعى لحرق كل من هم أرفع منهم قدرا بعلمهم ومنجزاتهم بمادتها ومفعولها , والتافهة بضمونها وجوهرها , وأنهم هم الذينلا يهتمون الا بأنفسهم ضاربين بعرض الحائط كل القيم وأخلاقيات الآباء والأجداد الكرام , وهم الذين لا يعبئون لما ستجره أعمالهم وتصرفاتهم من ويلات ومصائب للغير , وأكل لحقوق الناس ودمار لبيوتهم , انهم حقا لا يعرفون طعما للانسانية ولا معنى لها , انهم هم الذين فقدوا البصر والبصيرة , وهم الذين يحبون أن تتوج أعمالهم بحرق كل ما بناه عظماؤنا وقادتنا الهاشميين ,ولكنهم سيفشلون وسيخاب ظنهم وستحبط أعمالهم , لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه , وأنهم سيكشفون للعيان ان عاجلا أو آجلا , وسيحاسبهم شعبهم على ما اقترفوه من جرائم انسانية بحقهم وحقوق أبنائهم , وسينال كل عقابه . فاذا ما اشتدت وطأة الحياة وتأزمت الكلمة وعجز العقل عن التمييز بين الواقع والخيال , أو بين الشيء ونقيضه , عندئذ نلجأ للحكمة التي هي خلاصة تجارب الناس لمئات السنين , والحكمة لا تأتي الا من تجربة , والتجربة لا تأتي الا بالعمل , وقيل قديما " اسأل مجرب ولا تسأل طبيب " , فما أحوجنا لمثل تلك التجارب , نتزود بها حكمة وعبرة , بما يعزز لغتنا وقيمنا , ونتصدى بها لما يعتريها من تشويه أو تقصير . وهكذا فلا يقاس الشيء بضخامته وكبر حجمه , بل بمدى فاعليته وقدرة افادته لغيره .وصدق من قال " لو كانت القيمة تقاس بالأوزان , لكانت الصخور أغلى من الألماس " .



 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد