مشهدٌ ثقافيٌّ متوعكٌ ! عارضٌ أَم مزمنٌ ؟

mainThumb

21-02-2015 03:38 PM

  حينما قرّرت حضور الحلقة النقاشيّة ، التي أقامتها مبادرة ( أصلها ثابت ) في جامعة الأميرة سميّة ؛ لمناقشة كتاب ( شروط النّهضة ) لمالك بن نبيّ ، ظننت أنّه من السّهولة بل من البديهيّ الحصول على هذا الكتاب ، الذي يُعدُّ مؤلٍّفه قامة من قامات الكُتّاب على المستوى العربيّ و المستوى العالميّ ؛ فهو ابن خلدون هذا العصر ، و هو من أهم المفكرين في القرن العشرين ، المنافح عن الإسلام ، و السّاعي لنهضة المسلمين  .


        و مما زاد في اعتقادي أنّ مهمتي ستكون يسيرة في الحصول على كتاب ( شروط النّهضة ) ،  كثرة المكتبات ودور النّشر المنتشرة في العاصمة عمّان عاصمة الثقافة الأولى ، و بدأت برحلة البحث التي كنت أظنّها ستكون قاب قوسين أو أدنى من المكتبات الموجودة بجانب المسجد الحسيني ، و لكنّ البحث طال في ( وسط البلد ) ، و أخذت أعكف على كلّ مكتبة و دار نشر ، و كشك ثقافيّ ، و حتى ( بسطات ) الكتب لم تسلم من عينيّ  اللتين  كانتا تتفحصان الكتب كتابًا كتابًا  ، و بالرّغم من ذلك لم أيأس ، و ذهبت بعد الفجر إلى سوق الجمعة الذي وجدت فيه بعض الكتب لكنّ ضالتي لم تكن من بينهنّ  ، و في نفس يوم المناقشة ذهبت باكرًا إلى بعض المكتبات التي وعدتني بتوفير هذا الكتاب ، الذي يبدو أنّه يرقد بسلام في مكان موصود .


        ومما زاد في الألم الذي لم و لن يُوصد باب الأمل ، أنّني وجدت أنّ آخر ما يفتح أبوابه هي المكتبات ، و كذلك هي  أول من يغلقها  ، و أيضًا أنّ المكتبات و دور النّشر تزخر بالكتب التي تُغيّب العقول ، مثل : كتب الأبراج ، و الطّبخ ، و خزعبلات السّياسة التي لا تمتّ إلى الواقع بصلة ، و تعتمد على أسماء و أغلفة مبهرجة و جذّابة ، أُلبست عباءة لا تستحقّها ، و أُحيطت بهالة كاذبة ، فهل كتب بهذه النّوعيّة تنشئ جيلًا يدافع عن عقيدته ، و يخطّط لمستقبله ، و مستقبل وطنه ؟ هل تُعِدّ هذه الكتب رجال الغدِّ المتسلحين بالإيمان و العلم ، و أمّهات الغدّ  اللاتي سيعددن شعبًا طيّب الأعراق ؟ قديمًا قال الجاحظ يصف الكتاب بأنّه : " الصّديق الذي لا يغريك " . فلماذا أصبحت بعض الكتب عدوًّا يجب الحذر منه ؟ هل هذه الكتب تليق بأمة اقرأ ؟


        و هذا المشهد لم يكن الأوّل الذي أتعرّض له ، فقبل أيام كنت قد حضرت معرضًا للكتب ، الذي كان من ضمن برامجه إقامة أمسيات أدبيّة لأدباء معروفين ، وكذلك إعطاء فرصة للشّباب لكشف مواهبهم و إنتاجاتهم الأدبيّة أمام الجمهور ، و لكن  و في كلّ مرة أسأل فيها المعنيين عن موعد الأمسيات ، كانت تتمّ إجابتي بأنّه و لشدّة إقبال الجمهور على شراء الكتب فإنّه لا مجال لهذه الأمسيات ، إذًا هنا رجحت كفة التجارة على كفة الفكر و الأدب ، تمامًا كما يحدث في المكتبات التي تفضل بيع كتب الأبراج و الطبخ لهدف تجاريّ لا غير .


      ورغم ذلك فلا زلت أتمسك بالأمل ؛ لأنّ روّاد المكتبات العامة على قلتهم ، و روّاد النّدوات الأدبيّة ، و منها حلقة النّقاش حول الكتاب المذكور هم بحقّ يثلجون الصّدر .


       و لابدّ من كلمة تصل  للقائمين على  الشّأن الثقافيّ ، و المختصين به : من فضلكم إنّ هؤلاء المواطنين يستحقون أن تحترموا عقولهم ، و لهم الحقّ في توفير مصادر المعرفة ، التي تفرق بين الغثّ و السّمين ، و تكون مما ينفع النّاس فيمكث في الأرض .
و بعد إنّ المزواجة بين الثّقافة و التّجارة ، تنجب عقولًا مشوهةً .


anasawwad1@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد