الأردن .. مملكة الصمود وضمير الإغاثة

mainThumb
مخيم الزعتري للاجئين السوريين في محافظة المفرق شمالي الأردن

21-10-2025 10:08 PM

ظلّ الأردن، على مدى عقود، بمثابة الضمير الحي للمنطقة العربية، ليس بشساعة موارده، بل باتساع قلبه ووضوح استراتيجيته التي لا تحيد عن القيم الإنسانية. ففي خضم الأزمات المتتالية التي عصفت بالشرق الأوسط، لم يجد الباحثون عن الأمان والنجدة ملجأً أرحب ولا أكثر ثباتاً من هذه المملكة الهاشمية.

لقد تحمّل الأردن، دون سواه من الدول العربية، عبئاً تاريخياً جعله من أكثر دول العالم استقبالاً للاجئين مقارنة بعدد سكانه. هذه ليست مجرد إحصائيات عابرة؛ إنها قصة وطن تحوّل إلى خيمة كبيرة لم ترفع أبداً في وجه الضيف.
في الوجدان الأردني، لم يكن استقبال اللاجئين قراراً سياسياً مؤقتاً، بل هو عقيدة راسخة تنبع من العمق العربي والإسلامي والإنساني. منذ اللجوء الفلسطيني الذي شكّل الموجة الأولى والأكبر، مروراً بإخواننا العراقيين والسوريين، وغيرهم من جنسيات الـ 43، لم يُغلق الباب يوماً.

إنّ ما أشار إليه وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، من استضافة المملكة حالياً لـ 3.5 مليون لاجئ، منهم 1.4 مليون سوري، يكشف عن حجم التحدي والالتزام. والأهم من العدد، هو طريقة التعاطي مع هذا الملف: حيث يعيش أقل من 100 ألف سوري فقط في المخيمات، بينما اندمج الباقون في المدن والمجتمعات، متلقين الرعاية الصحية ذات الجودة والتعليم وفرص العمل.

يأتي هذا الالتزام الإنساني الهائل على حساب بيئة وموارد الأردن الشحيحة أصلاً. فالضغوط التي يفرضها هذا العدد الكبير من الضيوف على البنية التحتية والموارد، وتحديداً المياه، لا يمكن وصفها إلا بأنها ضغوط هائلة.

أن يكون نصيب الفرد السنوي من المياه لا يتجاوز 61 متراً مكعباً (وهو مستوى الفقر المائي المدقع)، ورغم ذلك يستمر الأردن في تقديم الخدمات الأساسية للاجئين بالمستوى نفسه الذي يقدمه لمواطنيه، فهذا ليس مجرد كرم، بل هو صمود استراتيجي ووفاء لمبادئ ثابتة.

الأردن لم يتاجر يوماً بقضايا اللجوء، ولم يرفع شعارات زائفة، بل عمل بهدوء وثبات ليظل قلعة الصمود، شاهداً على أن القيم يمكن أن تصمد حتى في أشد الظروف وأكثرها شُحّاً. وستبقى هذه المملكة، الصغيرة بمواردها والكبيرة بأفعالها، مثالاً عربياً نادراً في تحمل مسؤولية الجوار وواجب الإغاثة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد