قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين .. وصمة عار في جبين الإنسانية

mainThumb

11-11-2025 12:35 AM

صادق الكنيست الإسرائيلي مساء اليوم بالقراءة الأولى على مشروع قانون يقضي بإعدام الأسرى الفلسطينيين، بأغلبية 39 صوتًا مؤيدًا مقابل 16 صوتًا معارضًا، في خطوةٍ اعتُبرت انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان ولقواعد القانون الدولي الإنساني، وضربة موجعة في صميم القيم والمبادئ التي قامت عليها الشرائع الإنسانية.

ينص مشروع القانون على أن من يُدان بقتل إسرائيلي بدافع قومي يُحكم عليه بالإعدام إلزامًا، دون أي تقدير قضائي أو إمكانية لتخفيف العقوبة، بحيث يُنفذ الحكم بأغلبية آراء القضاة. ولا يصبح القانون نافذًا إلا بعد مروره بالقراءتين الثانية والثالثة، وحصوله على تأييد 61 عضوًا من الكنيست.

هذه الخطوة تأتي في ظل تصاعدٍ سياسي وأمني داخل إسرائيل، إذ حذر مسؤولون وخبراء من أن إقرار هذا القانون سيؤدي إلى تفاقم التوتر وإشعال موجة جديدة من العنف في الأراضي الفلسطينية، مؤكدين أنه لا يخدم سوى التطرف، ولا يحقق العدالة التي يتذرع بها مروّجوه.

رحبت حكومة نتنياهو بمصادقة لجنة الأمن القومي على المشروع، وأكد منسق شؤون الأسرى والمفقودين في مكتب رئيس الحكومة، غال هيرش، أن نتنياهو يدعم القانون الجديد بعد أن كان يعارض مناقشته خشية أن يعرض حياة الأسرى الإسرائيليين للخطر أثناء مفاوضات التبادل. غير أن وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير رفض أي محاولة لتعديل النص أو منحه استثناءات، مؤكداً أن "كل من يقتل الأطفال والنساء والمسنين يجب أن يواجه عقوبة واحدة فقط هي الإعدام".

لقد أثار القانون موجة واسعة من الانتقادات في الأوساط الحقوقية والسياسية داخل إسرائيل وخارجها. صحيفة "هآرتس" العبرية وصفته في افتتاحيتها بأنه "عنصري ومخزٍ" وسيشكّل "وصمة عار لا تمحى في تاريخ إسرائيل"، مؤكدة أن عقوبة الإعدام تتعارض مع قيم الديمقراطيات الحديثة التي ألغتها معظم الدول لعدم فعاليتها في الردع، ولأنها تحمل خطرًا لا يمكن إصلاحه حال وقوع أخطاء قضائية.

وأضافت الصحيفة أن مشروع القانون يحمل طابعًا تمييزيًا واضحًا، إذ يفرض العقوبة فقط على من يُتهم بقتل "بدافع قومي"، أي أنه يستهدف الفلسطينيين والعرب حصراً، بينما لا يشمل الإرهابيين اليهود الذين ارتكبوا جرائم مماثلة.

إن سن مثل هذا القانون يُعد خرقًا واضحًا لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص في مادته الثالثة على أن "لكل إنسان الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه"، كما يتعارض مع اتفاقيات جنيف الأربع التي تُلزم الدول بحماية الأسرى ومعاملتهم معاملة إنسانية بصرف النظر عن انتمائهم أو جنسياتهم.

هذا القانون لا يمثل مجرد إجراء تشريعي داخلي، بل هو تجسيد لفكر عنصري استيطاني يرى في الفلسطيني عدواً لا إنساناً، ويحوّل القضاء إلى أداة للانتقام لا للعدالة. ومن الظلم أن تُوصف إسرائيل بأنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، بينما تمارس أبشع أشكال الفصل العنصري والتمييز العرقي والإبادة الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني.

لقد فقدت إسرائيل آخر ما تبقى من ادعاءاتها الأخلاقية، وسقط القناع عن دولة تمارس الإرهاب تحت غطاء القانون. إن إعدام الأسرى لا يُعيد الأمن، ولا يحقق العدالة، بل يكرّس الكراهية ويغذي دائرة الدم، ويؤكد للعالم أن هذه الدولة لا تؤمن بالسلام ولا بالإنسانية، وإنما بمنطق القوة والقتل والانتقام.

ويبقى السؤال الأخلاقي والإنساني قائماً: كيف يمكن للعالم أن يصمت أمام قانونٍ يشرّع قتل الأسرى ويقوّض أبسط حقوق الإنسان التي ناضلت البشرية قروناً لترسيخها؟

إن المجتمع الدولي اليوم أمام اختبار حقيقي؛ فإما أن يقف في وجه هذا الانحراف الخطير، وإما أن يشارك بصمته في جريمة تُضاف إلى سجل طويل من الانتهاكات التي تُرتكب بحق الإنسان الفلسطيني.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد