حوادثُ السّيرِ معاركٌ بلا سلاحٍ

mainThumb

14-03-2015 04:15 PM

من لم يمت بالسّيف مات بالسّير ! و إلّا ماذا تعني الحوادث التي أدمت القلوب ، و فجعت الأردنّ من الشّرق إلى الغرب و من الشّمال إلى الجنوب ؟ اسألوا الأم الثّكلى ، و الأب المنكوب ، و الأطفال اليتامى ، الذين كانوا ينتظرون أباهم ليؤوب ، و لكنّه غيّر وجهته من البيت إلى اللحد ، اسألوا الطّرقات التي أصبحت أرض معركة ، و لونها الأسود ؛ إنّما هو من كثرة ما يُرتكب فوقها من مخالفات و ذنوب.

 و لقد نثرت كنانتي فلم أجد عودًا أشدّ قسوةً ، و أكثر وجعًا من حوادث السّير ، هذا القاتل الفاتك ، الذي لا يفرّق بين الكبير و الصّغير ، و الفقير و الوزير ، صدق القائل : حوادثٌ خســــــائرٌ في المال و الأرواح كأنّـــــــها معـارك دارت بلا ســـــــلاح هل ستبقى هذه النّبتة الخبيثة مزروعة في هذا العالم ، و في أردننا الحبيب خصوصًا ؟ و هي و للأسف مستمرة في النّموّ ، و التّطاول يومًا بعد يوم ؛ فكلّ حادث إنّما هو إبريق ماء ، و وعاء سماد ، يوضع على هذه النّبتة المتجذّرة .

أما آن للمُزارع الجّادّ أن يتناول فأسه ، و يقتلع هذه الجذور العفنة ؟ لقد اصبت بالصّدمة ، و أصبحت كالعصفور ببله القطر ، حين اطلعت على آخر إحصائيّة منشورة على موقع إدارة السّير المركزيّة الأردنيّة حول الحوادث المروريّة ومنها : إنّه و كلّ 4.87 دقائق تقریبًا یقع حادث مروريّ، وكلّ 24 ساعة یقع 10,8 حادث دهس ، وكلّ 31 دقیقة تقریبًا یصاب شخص بسبب حادث مروريّ، وكلّ ساعة تقریباً یتوفى شخص بسبب حادث مروريّ.

و قد بلغت كلفةالحوادث المروریّة في الأردن ( 259 ) ملیون دینارلعام 2013م ، و كانت فئتي الشّباب و الأطفال هما الأكثر ضررًا و وفاة إثر حوادث المرور . و يكفي حوادث المرور لوعة أنّها تسقي المرارة من ذات الكأس للضّحيّة وعائلته ،و ما أدراك ماهي لوعتهم التي قد تمتدّ لسنوات ؟ و كذلك أهل المتسبب في الحادث يتجرعون الألم من نفس الكأس ؛فهم يتكبّدون الألم النّفسيّ، و المادّيّ، و السّجن لأحد أفراد العائلة ... إنّ من المفارقات النّادرة ، أن تكون حوادث المرور من الأشياء القليلة التي اجتمع العالم كلّه على كراهيتها و نبذها ، و لم يختلف اثنان على ذلك ، و السّؤال الذي يطرح نفسه بقوّة : كيف نستطيع أن نقضي على حوادث السّير ، أو نحدّ منها إلى أقلّ قدر ممكن ؟ الإجابة تكمن في أربعة مسارب : السّائقين ، و المشاة ، و الأسرة ، و المؤسسات الرّسميّة و الخاصّة .

و سأمرّ على بعض محطّاتّها مرورًا دون أن أحطّ الرّحال فيها ، و لن أغوص في تفاصيلها فقد بيّنتها الدوائر المختّصة و غيرها ، و فصّلتها تفصيلًا ، و نحن نشكر من أحسن و تقيّد ، و نلوم من خالف و الموت به يتصيّد، و هناك من يأبى إلا أن يتّعظ بنفسه ، و يكون عظة للآخرين . أبدأ بمحور القضيّةالرئيسالسائقين : ما عليكم إلا أن تتقيّدوا بقواعد المرور ، التي نتغنّى بتقيّد الغرب بها ، فهم ليسوا بأفضل منّا ، و عليكم أن تتعلموا أنّ القيادة ليست سرعة ، بل هي كما قالوا : فنّ ، ذوق ، أخلاق و أزيد و أقول : القيادة : صبر ، صبر ، صبر. المشاة : عليهم العلم أنّ قواعد المرور و إشاراته تعنيهم أيضًا ، كما تعني السّائقين ؛ فليتقيّدوا بها و ليقطعوا الشّارع من الأماكن المخصصة ، و ليساعدوا الاطفال ، وكبار السّنّ ، و المصابين في قطع الشّارع . الأسرة : هي الأساس ؛ فالأب و الأم يربّيان الأبناء على الأخلاق ، و احترام القواعد و الأنظمة ، فليكن الوالدان قدوة صالحة لأبنائهم فالقدوة السيئة قد تجعل الوالدان يخسران فلذات أكبادهم

. المؤسسات الرّسميّة و الخاصة : و هي كثيرة ، و لها جهود مشكورة ، وخطط موضوعة للحدّ من الحوادث ، ولكن المشكلة تكمن في مدى التّطبيق العمليّ لهذه الخطط ، و أن لا تبقى حبرًا على ورق ، حبيسة الأدراج ، و من أهم هذه المؤسسات التي تعرف دورها جيّدًا : المشرّعين : فهم الذين يضعون القوانين ، التي يجب أنتبتعد عن مبدأ الجباية ، و أن تتراوح بين التّرغيب و التّرهيب . دوائر السّير و التّرخيص : لهم منّا التّحية ؛ فهم الذين يواصلون العمل في الحرّ و القرّ ، و من واجبهم ألّا يعطوا الرّخصة إلا لمستحقّيها ، و مراعاة شروط السّلامة العامّة عند ترخيص المركبات . دور العبادة : و عليها دورٌ كبير شرعه الإسلام ، الذي نادى و أمر بالحفاظ على أرواح النّاس و ممتلكاتهم .

 قال تعالى : (( مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِنَفْسٍ وْفَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَل النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَاالنَّاسَ جَمِيعًا )) . و على الإنسان أن يكون بمستوى التّكريم الذي منحه إياه الخالق عزّ و جلّ ، الذي حمل الإنسان في البرّ و البحر . وزارة التّربية و التّعليم : فهي التي تتعهد بتربية الجيل و تعليمه ، من خلال المنهاج المدرسيّ ، و القدوة و النّمذجة ، و تفعيل دور المنهاج الخفي ، و النّشاطات اللاصفّيّة... وسائل الإعلام : من خلال البرامج و النّدوات التّوعويّة ، و عليها أن تستهدف فئة الأطفال ، من خلال برامج الأطفال التي تقرّ في ذهنهم واجب احترام الأنظمة و القوانين ، و مخاطر عدم التّقيد بأنظمة المرور .

المؤسسات الخاصّة : عليها عبء لا يقلّ عن المؤسسات الحكوميّة ، وقد ذكرتها بداية مع المؤسسات الحكوميّة ؛ لأنّهما توأمان و الأصل أن يكمل كلّ منهما الآخر ، من خلال المبادرات التّطوعيّة ، و لا ننسى انتشار المدارس الخاصة ، و وسائل الإعلام الخاصة ... و على هذه المؤسسات ان تلزم سائقيها بالتّقيّد بأنظمة المرور ، و أن تدعم الجهود الحكوميّة ، والشّبابيّة ، ومؤسسات المجتمع المحلّيّ في جهود مكافحة الحوادث .

و أراني أبدد الحزن والأسى مستبدلًا إياه بالتّفاؤل بالمستقبل ، و بمدى وعي المواطن الأردنيّ، الذي اكتوى بنيران الحوادث المروريّة ، و الذي يدرك أنّ تعاليم الدّين الحنيف تدعوه إلى عدم إلقاء نفسه إلى التّهلكة ، وعدم إزهاق أرواح الآخرين ، و إيذائهم دونما ذنب اقترفوه . و في النّهاية ، التي أدعو الله عزّ وجلّ أن تكون بداية خير أقول : رحم الله كلّ من فقد حياته ؛ نتيجة هذه الحوادث وحوش الطّريق ، و قد رسمت دماؤهم لوحة حزينة على شوارعنا ، و هدى الله كلّ ضالٍ عن طريق الأمان ، و على الجميع الصّبر ؛ فصبر دقيقة ، يقيك من أخطار محيقة ، ومخالفة قواعد السّير ، قد تكون طريقك إلى القبر .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد