هل تترجم رسائل عبدالله الثاني أفعالاً سياسية مؤثّرة ؟

mainThumb

09-08-2009 12:00 AM

عمان - عمر العساف - سألني صديقي المثقف الزاهد في السياسة، سؤال العارف، وأنا أطالع إحدى الصحف التي انشغلت في الأيام الأخيرة بنشر ردود الفعل على حديث الملك الأخير أمام أركان جيشه، "من هم أصحاب الأجندات الخاصة الذين يتحدث عنهم الملك؟".
صمتّ برهة كمن يتجاهل السؤال، ثم قلت وأنا أطالع العناوين، "نواب، إعلاميون، ساسة ومفكرون"، فضحك.
ما حيّر الناس هو أن أصحاب الأجندات الخاصة والصالونات السياسية ومروجي الشائعات والطاعنين في الوحدة الوطنية، كانوا هم الوحيدين الذين علقوا على حديث الملك وتحذيراته من هؤلاء ولهم، وأثنوا جميعا على حديثه، وأعلنوا تأييدهم ما يقوله واستنكارهم ما استنكره.
في حين أن أولئك الذين أكد الملك أنهم هم الذين يهمه أمرهم، من أبناء البوادي والقرى والمخيمات البسطاء، الذين يمثلون الأغلبية الصامتة دائما، لم يستمع إليهم أحد ولا سجلت وسيلة إعلامية واحدة ردود أفعالهم، وكان متنفسهم الوحيد، كما جرت العادة، المناسبات التي تجمعهم من أفراح وأتراح، بينما هم منشغلون بقية نهارهم في تلبية حاجاتهم المعيشية الملحة، بعد أن اطمأنوا إلى ما كرره الملك من تأكيد تمسكه بثوابت الدولة الأردنية ومناصرته لهم.
رسائل الملك الأخيرة التي مررها، وهي ليست المرة الأولى، الأسبوع الماضي، من قناة الجيش، تلخصت في تجديد رفضه الشائعات ومروجيها، والنخر في الوحدة الوطنية، ومشروع الوطن البديل، والتشكيك في موقف الأردن من قضية اللاجئين، وكذلك تأكيده أن الأردن قوي وأنه لا يخضع لأي إملاءات خارجية تنتقص من سيادته الوطنية أو تحاول إجباره على التفريط بهويته العربية ودعمه المطلق لحقوق الفلسطينيين.

ضرورة التغيير

العاهل الاردني طمأن الخائفين بأن ذلك "يكفي"، فهل هو محق في قوله؟
الجميع يتفقون على أنه لا يكفي، بمعنى أن قول الملك يستدعي، وفق ما هو متوقع ومنتظر، أن تتلوه أفعال سياسية تخرج البلاد من حال الفراغ السياسي والانتظار الذي طال لإعادة تصويب الأوضاع ومواصلة المسيرة.
وهو ما صرح به الملك قبل شهرين عندما صرح في خطابه إلى الأردنيين بمناسبة عشرية توليه الحكم، من أن هناك أخطاء عرضت للمسيرة، وأنه آن أوان إجراء مراجعة شاملة لها لتصويبها ومواصلة البناء على ما أنجز.
مذذاك والأردنيون بمختلف تلاوينهم يتوقعون إحداث تغييرات جدية، مثلما يتوقعون اتخاذ إجراءات تضع حداً لمزايدات الصالونات السياسية وتطمئنهم إلى مستقبل الدولة الأردنية التي يخشون عليها من مخططات المشروع الصهيوني التي لم تتوقف منذ اندلاع الصراع العربي - الإسرائيلي.
ويرى مدير مركز القدس للدراسات عريب الرنتاوي أن ما يجعل سوق الصالونات السياسية تزدهر هو غياب الحياة السياسية والحزبية الفاعلة، وغياب الإرادة السياسية لدى الحكومات المتعاقبة في ولوج الإصلاح السياسي والتحول الديموقراطي. وهو يقول لـ"النهار" أنه حتى تبقى جذوة حديث الملك متقدة، ولمنع إفراغه من مضامينه، وجعله "هبّة موسمية تستمر أياما قلائل"، فإنه "يتعين الشروع دون إبطاء في ترجمة خزان الأفكار والبرامج الإصلاحية الذي ملأناه خلال السنوات الأخيرة... وأن نمضي على خطى التحول الديموقراطي بكل ثبات". ويقترح البدء "بما هو متاح وممكن... وهو تطوير قانون انتخاب جديد" يمكن الأحزاب من الانخراط في العملية السياسية.
ولا يبتعد الباحث السياسي جمال الطاهات عن الرنتاوي كثيرا، إذ يأمل في أن يتخذ الملك إجراءات حقيقية تحول ما قاله فعلا سياسيا على الأرض. ويشدد في حديثه إلى "النهار" على "ضرورة الاستمرار في عملية التحول الديموقراطي من خلال تشكيل حكومة سياسية قوية وانتخاب برلمان يكون ممثلا حقيقيا للشعب، ووقف المشاريع الاقتصادية المشوهة للاقتصاد الوطني والمبددة للموارد، وإعادة إدارة موارد الدولة بصورة صحيحة تعظمها وتوسع منجزها وتوزع منافعها بعدالة أكبر. كما يطالب الطاهات، وهو أحد دعاة مبادرة الملكية الدستورية، باداء سياسي وديبلوماسي مختلفين، وكذلك باداء إعلامي أرقى يبتعد عن تجميل القبيح ويتكىء إلى استراتيجية واضحة تفهم حقيقة دور الإعلام ورسالته.
وإذ لاحظ أن تقويم الناس لحديث الملك كان إيجابيا لجهة إعادة تأسيس العلاقة بين الناس والحكم على أساس إعادة تأكيد ثوابت الدولة، لا يخفي خشيته من أن الاكتفاء بمجرد توجيه الرسائل فقط، دون إتباعها بأفعال وتغييرات حقيقية، قد تضرب مصداقية الحكم لدى الناس وثقتهم به.


اللاجئون وهوية الدولة

وكان تأكيد موقف الأردن الثابت من قضية اللاجئين بـ"حقهم في العودة والتعويض" مفصلا أساسيا في حديث الملك، في معرض رده على الشائعات التي ذهبت إلى أن عودة اللاجئين إلى أراضيهم غير ممكنة وأن ثمة ما يدبر في الخفاء لتصفية ملفهم عل حساب الأردن.
غير أن الحديث عن تصفية ملف اللاجئين، شكل هاجسا قويا لدى المجتمع الأردني بمختلف أطيافه، نظراً إلى ما يجري تداوله ليس في الأردن فحسب وإنما في الإقليم ومراكز صنع القرار الدولي، وخصوصا لجهة رفض إسرائيل المطلق لعودتهم، وما يجري تسريبه من أكثر من جهة خارجية عن أن بين مضامين خطة الرئيس الأميركي باراك أوباما للحل النهائي للقضية الفلسطينية توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن إقامتهم الحالية وليس على أرضهم.
كما أن الحديث عن "استحالة عودة جميع اللاجئين" إلى أراضيهم، لم يتوقف أردنيا عند "الصالونات السياسية، وإنما خرج من أفواه سياسيين في الحكومة الحالية تلميحا وتصريحا، وهو أكثر ما أخاف الأردنيين، بمن فيهم ذوو الأصول الفلسطينية، وأوجد مادة خصبة للصالونات السياسية.
ولعل هذا ايضاً ما جعل بعض الكتّاب المعروفين بالرصانة، يتناولون موضوع هوية الدولة وثوابتها، ويحذرون من انتهاكهما واحتمالية اضمحلالهما لمصلحة المشروع الصهيوني الذي يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية على حساب الكيان الأردني ويحذرون من الانجرار وراء المخططات الإسرائيلية المضادة للأردن. وهو ما لفت إليه حزب جبهة العمل الإسلامي (الأكثر تأثيراً في الشارع الأردني) في معرض اشادة أمينه العام اسحق الفرحان بتصريحات الملك. فهو بعد أن أعلن تأييد الحركة الإسلامية لموقف عبدالله الثاني "الرافض لأي ضغوط خارجية تستهدف مستقبل الأردن... وسعيه الى الدفاع عن مستقبل هذا الوطن"، نبه إلى حقيقة "أطماع الصهاينة في الأردن وسعيهم الى جعله وطنا للاجئين".
والأمر ذاته حذر منه الرنتاوي الذي ابدى تخوفه من انتعاش "الهويات الثانوية التي تنمو على حساب الهوية الوطنية الجمعية والجامعة للأردنيين".
ويدعو الطاهات إلى إعادة الاعتراف بفلسطينية الفلسطينيين في الأردن وتكريسها على نحو واضح، أي: "معاملتهم كونهم فلسطينيين واعتبار أشواقهم الوطنية التزاما على الدولة الأردنية"، الأمر الذي يرى أنه ينسجم مع "فكرة الدولة ومشروعها التاريخي المناوىء للمشاريع الصهيونية". ويشدد هنا على إعادة إحياء فكرة الدولة "كما تمثلها المؤسسون الأوائل" وما يتضمنه ذلك من "اعتراف بالأخطاء التي وقعت... وعلى رأسها ضم الضفة الغربية وإلحاقها بالدولة الأردنية ومساومة الفلسطينيين على هويتهم في الأردن تحت شعار وحدة الولاء والانتماء".
فهل تقود الأيام المقبلة إلى أفعال تثبّت ما أكده الملك من أن "الأردن قوي" وتغلق الأبواب نهائيا أمام التكهنات والأراجيف بما يطمئن الأردنيين أكثر إلى مستقبل دولتهم المبني على جذرها العروبي ويحقق حلم الفلسطينيين في دولة مستقلة؟
 
" نقلا عن النهار اللبنانية "


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد