المبادرة الأمريكية لإغاثة غزة… حصان طروادة

mainThumb

12-05-2025 12:58 AM

تقول الأساطير الإغريقية، إن الإسبارطيين حاصروا طروادة قرابة عشر سنوات، ولما يئسوا من اقتحامها بنوا حصانا خشبيا كبيرا، ثم أوهموا خصومهم بالمغادرة، تاركين هذا الحصان هدية سلام للطرواديين، لكنها كانت خديعة كبرى، حيث سحب أهل طروادة الحصان إلى الداخل، ولم يدر بخلدهم أن الحصان تقبع فيه ثلة من أشد المقاتلين، الذين انتظروا حتى ينتهي الناس من احتفالاتهم التي أسكرتهم، فخرجوا من الحصان الخشبي وفتحوا الأبواب لبقية الجيش الإسبرطي فكانت مذبحة كبرى سقطت فيها طروادة.
صار حصان طروادة يضرب مثلا للشر المغلف بالخير، أو اليد التي تمتد بالسلام، في حين تمسك الأخرى بالسكين، وهو ما تبادر إلى الأذهان بالفعل، عندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية انطلاق «مبادرة ترامب» لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وأوضحت أنه لن يكون هناك تدخل مباشر من إسرائيل في هذه المساعدات. الارتياب تجاه هذه المبادرة هو أمر طبيعي، فقطاع غزة يتعرض للقتل قصفا وجوعا منذ أكثر من عام ونصف العام، فهل استيقظ الضمير الأمريكي فجأة؟ لقد عودونا أنهم لا يفعلون شيئا بلا مقابل، إذ كان الأولى بإنسانيتهم أن يكفوا عن دعم الصهاينة في قتل شعب غزة، فما الذي تنشده الولايات المتحدة من هذه المبادرة، هل هي حصان طروادة المُعبَّأ بأطماع لها في القطاع؟
البعض يفسر هذه المبادرة في ضوء الاحتقان الحاصل بين ترامب ونتنياهو، نتيجة إعلان الأخير لتفاهم وقف إطلاق النار مع الحوثيين، من دون التنسيق مع إسرائيل، حسب الإعلام العبري، وأن هذه الخطوات تعبر عن نفاد صبر ترامب مع رئيس الكيان الإسرائيلي. هذا المنحى يتعارض مع العلاقة الأبدية بين أمريكا وإسرائيل، فالكيان الإسرائيلي هو رأس حربة المشروع الأمريكي في المنطقة، وأمريكا هي الرئة التي يتنفس بها الكيان، ولا شك في ذلك مهما تجاذبتنا التفسيرات، فلا قيام لإسرائيل من دون أمريكا، ولا يمكن لأمريكا الاستغناء عن إسرائيل، فمن ثم لا يتصور أن تقدم الولايات المتحدة على إجراءات تتعارض مع مصالح إسرائيل، لأن مصلحة إسرائيل وأمنها، هو مرتكز السياسات الأمريكية تجاه المنطقة. كما اتجه آخرون لتفسير هذه الخطوة على أنها محاولة لتحسين وجه ترامب قبل زيارة المنطقة التي يأمل أن يحقق خلالها مكاسب اقتصادية واستثمارات ضخمة، ومن ثم يمهد لإنجاح أهدافه من الزيارة، بمسألة المساعدات الإنسانية لغزة، التي هي محور أساس في أية مباحثات ثنائية، أو متعددة الأطراف في الوقت الحالي. ربما يكون هذا التفسير مقبولا نوعا ما، لكن أعتقد أنه مكسب فرعي، فأمريكا طيلة فترة الحرب على غزة لم تعبأ بتحسين وجهها القبيح المنحاز بوضوح إلى الكيان الإسرائيلي.
يقولون إن نفي نظرية المؤامرة هو جزء من المؤامرة، وأنا في هذا المقام أؤيد بشدة تفسير هذه المبادرة الترامبية على أنها حصان طروادة أمريكي إسرائيلي، الهدف منه هو تفريغ شمال غزة عن طريق دفع السكان إلى النزوح للجنوب، طلبا للمساعدات التي سوف تتركز نقاط توزيعها في جنوب غزة، وهذا التفسير مبني على ما يلي:
أولا: التهجير هو هدف أساس لدى ترامب، ظهر في تصريحاته في عدة مناسبات، فهو يمثل لديه حلا جذريا لإنهاء القضية الفلسطينية، ولن يتخلى عنه بسهولة، بل جدد سفيره لدى دولة الاحتلال مايك هاكابي السبت الماضي، دعم بلاده لتهجير الفلسطينيين من غزة، بما يؤكد رغبة ترامب الجادة في التهجير.
ثانيا: ما نشرته صحيفة «واشنطن بوست» ووسائل إعلام عبرية، من اقتصار نقاط التوزيع على الجنوب تؤكد هذا التفسير، إذ أنه من المعلوم أن المعاناة في شمال غزة أشد، ومن الطبيعي أن تتعدد نقاط توزيع المساعدات لتغطي جميع المناطق إذا كانت النية بالفعل تتجه للإغاثة لا للتهجير.
ثالثا: المبادرة بهذا الشكل ـ سواء كانت أمريكية كما يروج، أو كانت إسرائيلية – تؤدي الغرض نفسه، الذي من أجله صوّت المجلس الوزاري لدولة الاحتلال الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية «الكابينت»، بتاريخ 5 أيار/ مايو الجاري، لصالح السماح بإدخال مساعدات محدودة لمواقع في رفح جنوبي القطاع، تحت حماية جيش الاحتلال، في إطار عملية تتضمن تهجير المواطنين من شمال ووسط غزة إلى الجنوب.
رابعا: المبادرة أو الخطة تلغي عمل 400 موقع لتوزيع المساعدات، كانت تعمل قبل الحصار الشامل، وتحصر التوزيع في أربعة مواقع توزيع وفقا لوثيقة للمؤسسة التي ستشرف على التوزيع، حصلت عليها «سي إن إن».
فلو كانت الغاية هي الإغاثة، فهل من المعقول أن يلغى هذا العدد الهائل لمواقع التوزيع والاقتصار على أربعة مواقع؟ ولو كان هذا هو الهدف لكان الأولى هو فتح المعابر للشاحنات. وإذا كان المبرر هو ضمان عدم وصول المساعدات للمقاومة، فأمريكا لن تعدم آلية تستطيع بها ضبط الأمور، علما بأن الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية انتقدت الخطة، معللة ذلك بالمسافات الطويلة التي سيضطر النازحون لقطعها من أجل الحصول على المساعدات. يضاف إلى مخاوف النزوح والتهجير، استثمار أمريكا والكيان الإسرائيلي المساعدات لأغراض استخباراتية عن طريق فحص المستفيدين ووجود عناصر غفيرة لمؤسسة تعمل على التوزيع هي بالأساس صناعة وأداة أمريكية لا يستبعد قيامهم بأدوار استخباراتية، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد