يفضلونها مشتعلة

mainThumb

11-08-2025 12:37 AM

بينما كان العراق وإيران يحتفل كل منهما بالانتصار على الآخر، بعد ثمانية أعوام من الحرب التي خلّفت مليون قتيل وخسائر بلغت 400 مليار دولار بقيمة ذلك الوقت، كان هناك من يبتسم لهذه النتيجة التي أرادها: خسارة الطرفين.
هكذا أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن يطول أمد الحرب بين الدولتين، لاستنزافهما وإنهاك قوتيهما، ومن ثم كانت تدعم العراق في العلن، وتمد إيران بالسلاح من تحت الطاولة، ولا أدل على ذلك من فضيحة «إيران غيت»، وهو ما عرفت به الصفقة السرية في عهد رونالد ريغان، باع خلالها بواسطة إسرائيلية أسلحة متطورة إلى إيران تشمل قطع غيار طائرات فانتوم، وصواريخ من طراز تاو، وصواريخ هوك المضادة للطائرات، على الرغم من تصنيف أمريكا لإيران على أنها راعية للإرهاب وعدو للولايات المتحدة.
كان بإمكان الولايات المتحدة أن تتدخل مبكرا لوقف الحرب، لكن هذا السيناريو كان مطلوبا، لأن المستفيد من ذلك هو أمريكا وطفلها المدلل الكيان الإسرائيلي. سلكت الولايات المتحدة المسلك نفسه في الحرب بين نظام بشار والقوى الثورية التي بدأت منذ ثورة 2011 على مدى 13 عاما، كان بإمكان الولايات المتحدة شرطي العالم أن توقف الحرب، خاصة أن الرئيس الأسبق باراك أوباما، صرح في عام 2012 قائلا: «أوضحنا لنظام الأسد ولباقي اللاعبين على الأرض، أن الخط الأحمر بالنسبة لنا هو مشاهدتنا لنقل أو استخدام الأسلحة الكيميائية»، وبعد عام واحد فقط من هذا التصريح، شنّت قوات النظام هجومها الكيميائي الأوسع على الغوطة، وقتلت أكثر من 1400 من المدنيين وهم نيام، فاتجهت أنظار الجميع إلى الخطوط الحمر، لكن أوباما كان قد محاها وكأنها لم تكن.
هكذا أرادت أمريكا إطالة أمد الحرب لتكون نتيجتها مرضية في النهاية لها ولدولة الاحتلال، والنهاية حتما سوف تكون سوريا منهكة ضعيفة، إن لم تكن مفتتة. وكما عودنا أساطين الفكر الإمبريالي في أمريكا، خرج أدوارد لوتواك مفكر أمريكي صهيوني، سبقت له الخدمة في جيش الاحتلال، بنظرية «امنح الحرب فرصة»، دعا فيها أمريكا والقوى الكبرى إلى عدم السعي لوقف الحروب في دول العالم الثالث، ورأى أن استمرار الحروب في تلك الدول يقود إلى السلام، بعد خروج الطرفين منهكين ضعيفين أو سحق أحدهما للآخر. والرجل هنا في نظريته لا يشمل بها الدول القوية الكبرى، بل دول العالم الثالث، التي لا تمتلك النووي الذي يمكن أن تتضرر منه أمريكا وحليفتها، لكنها بتلك الحروب ـ الآمنة بالنسبة لأمريكا- سوف تضعف القدرات العسكرية لهذه الدول، وتستنزف ثرواتها بما يمنع قيامها وبما يقطع الطريق أمامها لأن تكون دولة مركزية، وهي كما نرى نظرية عنصرية انتقائية بامتياز. ولا أرى أن هذه النظرية أثّرت في السياسة الأمريكية تجاه الصراعات، بقدر ما عبّرت عنها، لأن هذه السياسة كانت قائمة بالفعل من قبل، لكنها تبلورت مع هذا التنظير، لكن أوردتها هنا ليرى القارئ هذه المسحة القبيحة في الفكر الصهيوني.
وبالإحالة على واقع السودان الجريح، نجد أصداء هذه النظرية حاضرة بقوة في الصراع الدائر الذي أدخل الشعب السوداني في دائرة المجاعة، وعرّضه للنزوح والقتل والتشريد والاغتصاب والنهب. فإزاء ما تقوم به قوات الدعم السريع المتمردة من انتهاكات وجرائم بحق الشعب السوداني خلال صراعها مع الجيش الوطني، ما ترتبت عليه كوارث اقتصادية ومجتمعية ضربت البلاد، يحق لنا أن نتساءل: لماذا تقف الولايات المتحدة الأمريكية من هذه الحرب المدمرة موقفا سلبيا، وهي الدولة الأقوى والأقدر على إنهاء الصراع، يؤسفني القول بأنها أقدر من العرب المحيطين بالسودان على إنهاء الحرب، فلِم لمْ تتدخل؟
ترامب الذي يسعى لنيل جائزة نوبل للسلام، يتباهى بتصريحاته المتتابعة بأنه أنهى خمس حروب تجعله مستحقا للجائزة، وإن كان لم يعينها، إلا أن صحيفة «التايمز» البريطانية ذكرت أنه عنى بها التسوية التي قام بها بين أذربيجان وأرمينيا، الهند وباكستان، الكونغو ورواندا، كامبوديا وتايلند، وأخيرا إنهاء الحرب بين إسرائيل وإيران بقصفه المنشآت النووية الإيرانية.
على الرغم من التدليس الواضح في أثر دوره في حل هذه النهايات، خاصة الحرب الباكستانية الهندية الأخيرة، سنذهب معه في هذا الاتجاه ونتساءل: إذا كنت قد استطعت إنهاء هذه الصراعات التي من بينها صراعات نشبت بين دول نووية، أفلا تستطيع أن تنهي هذا الصراع في ذلك البلد الفقير المُعدم؟
الإجابة واضحة من خلال نظريتهم الهمجية «امنحوا الحرب فرصة»، نعم هكذا تريد أمريكا والكيان الإسرائيلي للسودان ألا يفيق من هذا الكابوس، وتستمر الحرب أطول فترة ممكنة، ولذا يدعم الكيان الصهيوني قوات الدعم السريع، كما دعم من قبل انفصال الجنوب. وحتى لا أسهب في تفصيل الأهداف الأمريكية الصهيونية لإبقاء الحرب في السودان، أضع هنا ثلاثة مقومات يمتلكها السودان تجعله عرضة للاستهداف الصهيوني:
أولا: السودان دولة رئيسية من حوض النيل، ما يجعلها مستهدفة من قبل الكيان الإسرائيلي في سياق حرب النفوذ على المياه.
ثانيا: يمتلك السودان ثروات هائلة، على الرغم من أنه يواجه تحديات كبيرة في استغلالها، مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، ثروات طبيعية كالذهب والفضة واليورانيوم والمنغنيز، إلى جانب ثروة حيوانية ضخمة، بما يعني لأمريكا وطفلها المدلل، أن السودان دون حروب يمكن أن يستغل هذه الثروات لتحقيق تنمية اقتصادية قد تحول هذا البلد إلى دولة مركزية تقع في نطاق البيئة العربية المحيطة بالكيان اللقيط.
ثالثا: السودان يمثل العمق الاستراتيجي لمصر، ودوره في حرب الاستنزاف لا يخفى، حيث كانت أراضيه قواعد تدريب الطيران المصري والقوات البرية، فمن ثم يهدف الكيان الإسرائيلي والحليف الأمريكي إلى استمرار الحرب في السودان لمزيد من التفتيت والتقسيم، لتفقد مصر عمقها الاستراتيجي. وعندما أتحدث عن هذه العلاقة بين مصر والسودان، فإنما أعني بها العلاقة الثابتة بحكم الموقع الجغرافي والأواصر التاريخية التي تتجاوز حقبة من الحقب التي تخلت فيها مصر عن دورها تجاه السودان.

كاتبة أردنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد