عندما تركضُ خيولُ الشّعرِ في مضمارِ الغناء
يحدث أن يَظلم العنوان متن الكتاب فيوصل صورة ناقصة أو مشوّهة عنه، فلو سألني شخص – ولم يكن له اطّلاع على الأدب العربي- ماذا أقرأ، وأجبته «الأغاني»، لنظر إليّ باستغراب. في حين أن هذا الكتاب ذي الخمسة والعشرين مجلدا، واحد من الموسوعات الأدبية المهمة، قضى صاحبه أبو الفرج الأصفهاني نصف قرن في تأليفه، فجمع فيه ما لا يوجد في غيره من الأخبار وبناه على مئة صوت (أغنية) كان هارون الرشيد قد طلب من مغنيه إبراهيم الموصلي أن يختارها لهُ. خطر ببالي كتاب «الأغاني» وأنا أشارك في جلسة نقاشية معرض أبو ظبي الدولي للكتاب حول كتاب «مئة قصيدة وقصيدة مُغنّاة»، الصادر عن مركز أبو ظبي للغة العربية. فعنوانه أيضا لا يعطينا صورة -لأول نظر- عن محتواه، ولعل هذا ما دفع بمعدّ الكتاب والمشرف عليه علي بن تميم للاستعانة بعنوان فرعي توضيحي «نصوص وألحان أثْرت الموسيقى العربية».
كما كان معدّ الكتاب مدركا أن هذا الكتاب يمتّ بصلة نسب إلى سلفه القديم، فكتب في مقدمته «إننا نرجو أن يكون هذا الكِتابُ استئنافاً لما بدأه أبو الفرج الأصفهاني في كتابه «الأغاني» من رَبط بين الشعر والموسيقى وغَوص على لآلئهما». وقد تضافرت جهود كبيرة ليرى هذا الكتاب المرجعي النور، حيث حرره محمد سالم عبادة بمشاركة عشرة باحثين، وشُكّلت لمراجعته لجنة رباعية وازنة علميا من أعضائها خليل الشيخ وعبد الله الغذامي، ليكون بين أيدينا كتاب من قرابة خمسمئة صفحة من القطع الكبير، ينتظر أخا له كما جاء في مقدمة بن تميم، «ونعتزم في عمل تال أن نتبع هذا الكتاب بكتاب ثان يتناول قصائد الشعر العربي الحديث المغناة في القرن العشرين»، لأن هذا المجلد الضخم أرخ للقصائد المغناة منذ الجاهلية مرورا بكل الحقب التاريخية، وصولا إلى بدايات عصر الإحياء أي منتصف القرن التاسع عشر. وقد حكمتْ مادة الكتاب منهجية صارمة اتُّبعت بدقة، إلا في مواضع معدودة، حين لا توجد المعلومة، فبعد مقدمتي بن تميم ومحمد سالم عبادة، التي عنونها بـ»الشعر والغناء» تتوالى مئة قصيدة وقصيدة كرونولوجيًّا في مداخل. وكل مدخل يحوي التعريف بالشاعر صاحب الأبيات، يلي ذلك نص الأبيات مضبوطا بالحركات، ثم بحرها وشرح ما صعُب من ألفاظها، وذكرُ بعض صورها البيانية، وبعد ذلك لحنها وواضعه، مع ترجمة بسيطة للملحن أحيانا، مع عناية تامة بتفاصيل مقامات اللحن وميزانه الإيقاعي، ليلي ذلك الانتقال إلى ضلع المثلث الثالث في القصيدة المغناة، أي المؤدّي، فيذكر الكتاب من أدّاها وطريقة أدائه ووصف جواباته وعُربه، وتفاصيل موسيقية أخرى، كما يُحمد للمعدّين الإشارة إلى أخطاء المطرب النحوية وكسوره العروضية، إن وجدت.
يرافق هذا المضمون الثري إخراج فني وظيفي حيث نجد مع كل مدخل صورة كبيرة للمصدر الذي أخذت منه القصيدة، لمزيد من التوثيق، وصورة للملحن والمؤدي سواء كانوا واحدا أو أكثر. وأعجبني وجود رمز الاستجابة السريعة(QR code) لمن أراد الاستماع إلى القصائد مغناة، ما يعطي الكتاب جانبا عملاتيا بين ما نقرأ فيه وما نسمعه.
يشير علي بن تميم في مقدمته، إلى أن بدءَ الكتاب بقصيدة الشاعرة الجاهلية ليلى بنت لكيز العفيفة «ليت للبراق عينا» لم يكن صدفة «فهذه البداية تدلّ على حضور المرأة المبدعة في الشعر والغناء، وهو حضور يتجلّى بوضوح في كتاب «الأغاني»، الذي حفل بالمغنّيات والمطربات»، وهذه الفكرة صحيحة في الغناء تحديدا، أما في الشعر فليس ذنب أصحاب الكتاب، إن لم يجدوا قصائد كثيرة نظمتها شواعر، فإهمال تدوين شعر المرأة داء قديم فصّلت مسبباته في كتابي «شعر المرأة في ألف عام» الصادر عن مركز أبو ظبي للغة العربية أيضا. أما مقدمة محمد سالم عبادة، ففيها بعض التفصيلات التقنية عما ورد في الكتاب، مبينا كيف تضيف الموسيقى أبعادا جديدة إلى الكلمات معطيا مثالا عن مقطوعة «أعطيته ما سألا» لابن عبد ربه فيقول: «في لحن طاهر مامللي في مقام البياتي تبدو الأبيات تسليما سعيدا للمحبوب وأُنسا بقصّة الحُبّ.. نشعُرُ بأنّ العاشق يرثي قلبه رثاء لعوبا. أما في نُسختي رحاب مطاوع وفاديا الحاج، فإنّ لمقام الصبا اليد العليا، والجو العام للأغنية يَنضَحُ حسرةً ولوعةً على ضياع النَّفسِ في قصة الحُبّ.
والسِّرُّ كامن في الفارق بين المسارين اللحنيَّين». كما يورد إحصاءً بعدد القصائد المغناة على كل بحر عروضي، حيث الغلبة للبحور الطويلة (الطويل والكامل والبسيط)، وما فاجأني غياب بحر الهزج وهو من البحور الراقصة حتى اسمه يحمل معنى الغناء كما جاء في القاموس المحيط «الهَزَجُ: من الأَغاني، وفيه ترنّم، وصوتٌ مطرب»، وهذا الغياب أشار إليه عبادة في مقدمته حين كتب «وجدير بالالتفاتِ أنّ بحرَيْ الهزَج والمُضارع ليس لهما تمثيل في قصائد كتابنا المغناة، مع ملاحظةِ أَنّ عَروضَ الهَزَج هو (مَفاعِيلُنْ مَفاعِيلُنْ .. مَفاعِيلُن مَفاعِيلُن)، وأنّ أيّا من تفعيلاته الثلاث الأولى يمكن أن يتحوّل إلى (مَفاعِيلُ) الإشكالية». وليت مُعدّي الكتاب – حتى لا يُقصى هذا البحر – أدرجوا قصيدة الشاعر الصوفي سعدي الشيرازي «ألا يَا أَيهَا السَاقِي/أَدِر كَأسًا ونَاوِلها» التي غناها قديما المطرب عبد اللطيف الكويتي، وأعاد غناءها بلحن مختلف المنشد أحمد حويلي وآخرون غيره. وأثار عبادة قضية تعدد الألحان للقصيدة الواحدة، وأورد مثالا عن غناء قصيدة ابن عربي الشهيرة «أدين بدين الحب» بثلاثة ألحان مختلفة، تنوعت بين الغربي والشرقي وما بينهما، وكل لحن كشف جوانب خفيّة في القصيدة لم ينتبه لها الملحن الآخر.
نجد في كتاب «مئة قصيدة وقصيدة مُغنّاة» (الذي حوى أيضا قصيدة زجلية «على العقيق اجتمعنا» وأخرى نبطية للشاعر الإماراتي الماجدي بن ظاهر) نجد فيه معلومات منثورة عرَضا ليست مقصودة لذاتها، بل أتت استطرادا فأثرت الكتاب، كتعريف فن الصوت وأنواعه فمنها «الصّوتُ العربي والصوتُ الشامي والصوت الخيالي، واللحنُ فِيهِ مُتغيّرٌ حسب مراحلِ أداءِ الأُغنيةِ. فَغالبا ما يُبتدأُ بِما يُسمّى التحريرة، أو الاستهلال، وهو غناء متتابع على وتيرة واحدة دون الالتزام بميزان مُعيّن، أو آلة محدّدة، لتهيئة المستمعين قبل غناء الصّوت»، أو وصف رقصة مصاحبة له، حيث «يقف الزّافن أمام المطرب والرواسين ثم يبدأ مع الإيقاع بضرب الأرض بالقدم اليمنى، ويرفع يده اليمنى متجاوبا مع إيقاع المراويس، ثم يكرر هذه الحركات وينوّعها حسب طبيعة الإيقاع، وبين كل ضربة وأخرى يهز كتفيه ورأسه وحاجبيه»، وهي معلومات مهمة لكل باحث في الفنون الشعبية.
ومن الملاحظات التي لفتتني راهنيّة الكتاب، حين يذكر الذكاء الاصطناعي مثلا عند التعرض لقصيدة «أصابك عشق أم رميت بأسهم» فنقرأ «وهناك تجربة تواتر على الإنترنت أنّها قد نُفّذت بالذكاء الاصطناعي، تضع صوت كاظم الساهر مغنّيا الأبيات بلحن عبد الرحمن محمد والمدهش أنّها موفقة إلى درجةٍ كبيرة في الإيهام بأنّ كاظم الساهر قد غنّاها فعلا»، أو احتساب بعض الأغاني بالوقت للمقارنة بين سرعة الأداء وبطئه فأبيات «حجبوها عن الرياح» استغرق أداء ناظم الغزالي لها ست دقائق وفي حين أداها محمد غازي من لحن الأخوين رحباني – وهو أستاذ فيروز في فن الموشحات- في دقيقتين ونصف الدقيقة تقريباـ وهذه الفوائد والمعلومات منثورة في صفحات كثيرة من الكتاب.
يحتاج قارئ كتاب «مئة قصيدة وقصيدة مُغنّاة» إلى ثقافة موسيقية لاستيعابه بشكل أفضل، فهو بالدرجة الأولى كتاب توثيقي علمي، مع أنه قُدّم «بأبسط لغةٍ ممكنة» كما زُوّد «بمسرد للمصطلحات الموسيقية والعروضية في آخره، مع تنسيقها بحروف بارزة في أوّل ورود لها في متن الكتاب» كما ذكر ذلك علي بن تميم في مقدمته، حرصا على تيسير مقاربات موسيقية فنية لقارئ قد يكون غير متخصص، يبحث عن متعة الأذن وغنى العقل وصفاء الروح، مع الشعر المغنّى الذي نصحنا به حسان بن ثابت يوما: (تَغَنَّ فِي كُلِّ شِعرٍ أَنتَ قَائِلُهُ/ إِنَّ الغِناءَ لِهَذا الشِعرِ مِضمارُ).
شاعرة وإعلامية من البحرين
وقف مؤقت لإطلاق النار في غزة لتأمين إطلاق سراح عيدان ألكسندر
تراجع أسعار القمح مع اقتراب موسم الحصاد
هام من التربية لأبناء المعلمين توجيهي 2025
ارتفاع الأسهم الأوروبية مع تحسن أجواء التجارة العالمية
ابوزيد : خطاب الاحتلال مرتبك والمفاوضات احادية وانعطافة نحو الدبلوماسية
حسين الشيخ: أمريكا وحدها تستطيع وقف حرب غزة
الهند تعيد فتح 32 مطارا أغلقتها خلال التصعيد مع باكستان
عمان الاهلية تقيم يوماً طبياً مجانياً بمخيّم البقعة
فتح باب التقدم لجائزة خليل السالم الزراعية حتى 27 تموز المقبل
أسعار الليرة الرشادي والليرة الإنجليزية الإثنين
فنانة تكشف أسرار طلاق بوسي ومحمود عبد العزيز
صندوق نرويجي يتخارج من شركة طاقة إسرائيلية بسبب غزة
افتتاح اليوم الوظيفي في البلقاء التطبيقية
إجراءات حكومية مهمة بعد عيد الأضحى
بيان من النقابة بخصوص الحالة الصحية للفنان ربيع الشهاب
هل راتب ألف دينار يحقق الأمان في الأردن .. فيديو
إنجاز كبير .. بلدية أردنية بلا مديونية
ارتفاع أسعار الأغنام الرومانية يربك الأردنيين قبيل العيد
مهم من التربية للطلبة في الصفين الثالث والثامن
تحويلات مرورية بتقاطع حيوي في عمّان اعتباراً من الجمعة
سعر الليمون يتصدر الأصناف بسوق عمان اليوم
منتخب عربي بمجموعة الأردن يضمن التأهل إلى كأس العالم
تحذيرات من موجة حر غير معتادة .. آخر مستجدات الطقس
متى تنتهي الموجة الحارة وتبدأ الأجواء اللطيفة
وفاة نجل إياد علاوي تُشعل الترند في العراق وتعاطف واسع
تطورات جديدة على موجة الحرّ المرتقبة .. تفاصيل