حرب السودان تشهد تطورا نوعيا
في بدايات العام 1918، وفي معرض مناقشتنا لتداعيات النزاعات والحروب الأهلية في السودان، كتبنا أن الحروب ظاهرة متكررة تسيطر على تاريخ وحاضر العالم، وتتنوع وتتعدد أسباب اندلاعها، لكن مع كل حقبة زمنية جديدة، تتشكل دوافع الحرب وفق محاذير أكثر صرامة، متجاوزة فكرة أن النار يمكن أن تشتعل من مستصغر الشرر.
فلم يعد يكفي مثلا أن تصرخ إمرأة «وا ذلاه..، يا لتغلب»… حتى تندلع الحرب بين القبائل، أو يقتل قومي صربي ولي عرش هيبزبورغ حتى تقوم حرب عالمية أخرى! ومع توالي الحقب الزمنية، ظلت آلة الحرب تتطور بسرعة هائلة، وبتناسب طردي مع درجة هلاك البشر والدمار في العالم، محدثة مفارقة عجيبة. فبدل البتار الذي كان بحركة واحدة يزهق نفسا واحدة فقط، جاء الفتّاك لينهي بحركة واحدة فقط مئات الأرواح، وجاءت المسيرات الشبيهة بلعبة أطفال لتشوي، في لمحة خاطفة، أجساد عشرات الأطفال والكبار وتدمر المرافق والأعيان. وبالمقابل، ورغم كل ذلك، ظل ديدن الناس دائما هو الولاء لشعورهم الغريزي والطبيعي الرافض للكريهة وبشاعاتها، غض النظر عن مسبباتها ودوافعها. وبداهة، هذا الشعور الغريزي الرافض للحرب، لن ينهي أو يتجاوز الخلافات والصراعات، ولكنه يدفع بالحوار والتفاوض وسائل لحلها بدلا عن الاقتتال، في تناغم تام مع معنى الإنسانية ومعنى التطور الحضاري. ومع مرور الزمن، تبلور هذا الشعور وتجسد في تقاليد ومواثيق وعهود ظلت تدريجيا تكتسب احتراما وأنصارا بهدف منع الحرب والحفاظ على السلام العالمي، مع أن النشاز حاضر في كل لحظة لينتهك هذه التقاليد ويمزق هذه المواثيق والعهود.
وصحيح أن الحرب هي استمرار للسياسة، بوسائل أخرى، ولكن الأهم في تقديري الإشارة إلى أنها أول علامات الفشل السياسي. وحرب السودان الراهنة تضيف إلى هذه الإشارة وتؤكد أن الحرب هي أيضا من أول أعراض وعلامات العجز القيادي، وضيق الأفق وضحالة التفكير، وتغليب المصلحة الخاصة على مصلحة الوطن، والارتهان لصوت الخارج وتجاهل صوت الداخل. أما القول بحسم حرب السودان الراهنة وإنهائها بتحقيق النصر على الطرف الآخر، فهو محض توهم وعمى بصيرة. والتطور النوعي في سلاح الحرب القادم إلى السودان من أي جهة كانت، إسرائيل أو كوريا الشمالية مثلا، والواصل مباشرة أو عبر وسطاء، قد يحقق تفوقا مؤقتا في الميدان لكنه لن يحقق انتصارا عسكريا ويحسم الحرب. أما الشيء المؤكد فإنه سيحقق مزيدا من الدمار في بنية البلاد التحتية، وسيضاعف حصد أرواح المدنيين، وسيخلق ظروفا مواتية لفقدان أرواح أخرى بسبب نقص الغذاء والدواء وانعدام الأمن وغياب القانون. ولن نكون مبالغين إذا قلنا إن حرب السودان عدّلت في صيغة مقولة هيرودوت الشهيرة لتصبح «وفي حرب السودان الجميع يدفن الجميع، والآباء والأبناء يدفنون بعضهم البعض».
ومهما تحذلق أنصار استمرار الحرب في الكلام تبريرا لمواقفهم المؤججة لنيرانها، ومهما ادعوا أن بمواقفهم هذه هم يمثلون صوت الشارع، فإنهم في الحقيقة يفترون على الناس كذبا، ويتجاهلون عمدا حقيقة أن الرغبة الأولى عند أي سوداني هي وقف القتال اليوم قبل الغد. الشعب السوداني يتطلع مع كل صباح جديد إلى المؤسسات التي ترفع شعارات التعبير عنه والدفاع عن حقوقه، من أحزاب ومنظمات مدنية مختلفة، كما يتطلع إلى صناع الرأي وقيادات المجتمع والزعامات الشعبية والأهلية والروحية، علّهم جميعا، أو أي واحد منهم، يستجيبون وينفعلون عمليا مع هذا التطلع، فيضاعفون سعيهم لتحقيق أمل إسكات البنادق وبسط السلام. وعديدة هي المجموعات والمنظمات السودانية، المدنية والسياسية، التي تريد وقف الحرب، وتبحث عن الكيفية والوسائل الممكنة لتحقيق ذلك. ولكنها للأسف، لم تتمكن من فك شفرة هذه الكيفية والوسائل، ولاتزال حتى هذه اللحظة تقف عاجزة أمام تحقيق الخطوة الأولى، خطوة التوافق حول رؤية موحدة لوقف الحرب، علما بأن هذه الرؤية الموحدة هي كلمة السر الوحيدة لفك هذه الشفرة.
والتطور النوعي في حرب السودان يعني تطورا نوعيا وكميا في حجم الهلاك والدمار، ويعني أن الحرب ستستمر وتتواصل، وهو يؤكد حقيقة أن المجتمع الدولي غير مهتم وليس من أولوياته الحد من تدفق آليات الدمار إلى السودان، وكأنه الطرف الثالث المتواطئ في استمرار هذه الحرب كما ناقشنا في مقال سابق. وكنا في مقالات سابقة أخرى قد وسمنا المجتمع الدولي والإقليمي بإدمان الفشل في التعاطي مع كارثة الحرب في السودان، وقلنا إن هذا الوسم ليس تحاملا أو تجنيا على المجتمع الدولي والإقليمي في ظل اكتفائهما، ولمدة عامين منذ اندلاع الحرب، بالمناشدات والإدانات المكررة بدون أي ردود فعل إيجابية تجاهها من الأطراف المتقاتلة، في حين أن المطلوب هو أن يركز المجتمع الدولي والإقليمي على كيفية التنفيذ العملي لأربع قضايا أساسية: وقف إطلاق النار بدءا من منع تدفق الأسلحة من خارج البلاد، حماية المدنيين، تكثيف وتوصيل المساعدات الإنسانية ومنع استغلالها من أي طرف، ودعم القوى المدنية والسياسية السودانية.
ومرة أخرى نعيد نشر اقتراح الأستاذ حيدر عبد الرحمن، أملا أن يجد أذانا صاغية. يقترح الأستاذ حيدر أن تبادر أي من الجهات السودانية، كمراكز الدراسات والأبحاث، بتنظيم منتدى يضم مساهمين من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية لإدارة حوار هادئ بعيدا عن نقاشات الصراع السياسي المباشر والتقليدي، ورفضا لممارسات التخوين والاتهامات المتبادلة التي لا تستند على أي أسس أو وقائع، وذلك لمناقشة التحديات المرتبطة بحرب السودان، بما في ذلك التدخلات الخارجية، على أن ينتج الحوار حلولا ملموسة حول طبيعة الحرب ويحدد أولويات السودان وحماية سيادته ووحدته، ويتبنى المنتدى إعلان مبادئ لوقف الحرب، وأن يكون حلا سودانيا خالصا دون أي تأثيرات خارجية، يمهد لواقع جديد يستند على حقيقة أن تعريف الأولويات سيقودنا في المستقبل للخروج من الفشل المزمن الذي لازم دولة سودان ما بعد الاستعمار.
كاتب سوداني
إلى أهل إربد .. ماذا تعرفون عن مندح
من النجم الأعلى أجرا في الدراما السورية ومن هو محركها الخفي
انتهاء لقاء الرئيس الروسي مع المبعوثين الأمريكيين في الكرملين
عمليتا طعن ودهس في الضفة خلال ساعات فقط
أكثر من 16500 مريض فلسطيني بحاجة لرعاية خارج غزة
إسبانيا تفوز بدوري الأمم الأوروبية للسيدات على حساب ألمانيا
قوات الدعم السريع تقول إنها سيطرت على بابنوسة بغرب كردفان
المفوضية الأممية تحصد 1.5 مليار دولار للاجئين
خيارات غذائية خاطئة تؤدي إلى كوارث صحية
بدء تطبيق تأمين السرطان عبر سند
الجيش الإسرائيلي يعتزم بناء جدار فصل جديد في عمق وادي الأردن
مدعوون لاستكمال إجراءات التعيين .. أسماء
الحكومة تدعو مئات المرشحين لحضور الامتحان التنافسي .. أسماء
الأردن يستورد زيت زيتون لسد النقص المحلي
تخصيص 10% من أراضي مدينة عمرة للقوات المسلحة الأردنية
بيت جن… مشهد جديد يكشف طبيعة الكيان المجرم
شغل الأردنيين .. معلومات عن الروبوت الذي شارك بمداهمات الرمثا
نجل رئيس سامسونغ يتخلى عن الجنسية الأميركية للخدمة العسكرية
العقبة للتكنولوجيا تستضيف وفد هيئة الاعتماد وضمان الجودة خلال زيارة ميدانية
فنان مصري ينفجر غضباً ويهدد بالاعتزال
مدرسة الروابي للبنات هل خدش الحياء أم لمس الجرح
البلقاء التطبيقية تبحث التعاون الأكاديمي والتقني مع بيرسون العالمية
الأمن السيبراني يتحول لقطاع اقتصادي استراتيجي بالخليج

