خطة التحديث الاقتصادي في الأردن

mainThumb

17-08-2025 10:38 PM

تُظهر خطة التحديث الاقتصادي في الأردن توجهًا استراتيجيًا يعكس فهمًا لأهمية الجمع بين الرؤية بعيدة المدى وخطط التنفيذ المرحلية، إذ سعت إلى تحديد القطاعات ذات الأولوية بوضوح، مثل التكنولوجيا والسياحة والطاقة والزراعة الذكية واللوجستيات والصناعات الإبداعية، في محاولة لبناء اقتصاد متنوع قادر على التكيف مع التحولات الإقليمية والعالمية. هذا التحديد للأسواق المستهدفة ينسجم مع مفهوم "الاستراتيجية" بوصفها البوصلة التي تحدد أين نريد أن ننافس وكيف نحقق ميزة تنافسية، لكنه في الوقت ذاته يثير تساؤلات حول مدى وضوح العناصر المميزة التي تجعل هذه القطاعات قادرة على التفوق وسط منافسة إقليمية شرسة.

اعتمدت الخطة في بناء قدراتها على الموقع الجغرافي المتميز للمملكة، ومواردها البشرية المؤهلة، وما تمتلكه من شبكة اتفاقيات تجارة حرة تفتح أمامها أسواقًا واسعة. وتقدّر وزارة الاستثمار أن حجم الاستثمارات المتوقعة في القطاعات المستهدفة قد يتجاوز 41 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، ما يعكس إمكانات كبيرة إذا ما جرى استثمارها بكفاءة. غير أن هذه القدرات تحتاج إلى تحويلها إلى مزايا تنافسية يصعب تقليدها، وإلى استثمار أعمق في الكفاءات البشرية التي تمثل أكثر من 63% من سكان الأردن، وهي نسبة تُعد أشبه بكنز بشري مدفون يحتاج إلى من يحسن استخراجه وصقله.

من الناحية التمويلية، أشارت الخطة إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وإلى جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وإلى توفير حوافز ضريبية، وهي أدوات مهمة لتأمين التمويل اللازم للنمو الاقتصادي. لكن السؤال الجوهري هو: كيف نضمن أن هذه الأموال ستذهب نحو مشاريع منتجة وليست مبادرات استهلاكية قصيرة الأجل؟ في ظل عجز موازنة يقترب من 7% من الناتج المحلي، يصبح من الضروري توجيه التمويل نحو قطاعات تحقق عائدًا اقتصاديًا واجتماعيًا ملموسًا، لا أن تتبخر كالمطر في صحراء عطشى.

أما على صعيد الهدف الكلي، فقد ركزت الخطة على خلق مليون فرصة عمل وتحسين دخل الفرد خلال عشر سنوات، وهو هدف طموح بالنظر إلى أن معدل البطالة الحالي يتجاوز 21%، فيما تصل بطالة الشباب إلى نحو 40%. هذه الأرقام تكشف حجم التحدي الذي يواجه الخطة، وتجعل من الضروري وضع مؤشرات أداء دقيقة تقيس مدى التقدم، مثل عدد الوظائف المستحدثة سنويًا أو نسبة نمو الصادرات غير التقليدية.

الملاحَظ أن الخطة لم تُسمِّ بوضوح ما يمكن اعتباره "الميزة السحرية" للأردن في المشهد الاقتصادي الإقليمي، وهي النقطة التي قد تجعل المملكة مختلفة جذريًا عن منافسيها. وفي وقت تستثمر فيه السعودية مئات المليارات في "رؤية 2030"، وتتحول الإمارات إلى مركز عالمي للتكنولوجيا والتمويل، يحتاج الأردن إلى تحديد مجال محدد يتفوق فيه ويصبح مرادفًا له، مثل أن يكون مركزًا إقليميًا للتعليم العالي والتكنولوجيا الخضراء أو السياحة العلاجية المتقدمة. وقد تكون تجربة مشروع شمس معان للطاقة الشمسية مثالًا على قدرة الأردن على التحول إلى مختبر حي للطاقة المتجددة، إذ أثبتت المملكة ريادتها في هذا القطاع إقليميًا. كما أن قطاع تكنولوجيا المعلومات، الذي يصدر كفاءاته إلى وادي السيليكون وشركات كبرى في الخليج، يمثل نموذجًا واقعيًا لما يمكن أن يكون عليه "الذهب الرقمي الأردني".

من التحديات البارزة أمام الخطة استمرار الاعتماد على البيروقراطية التقليدية في الأجهزة التنفيذية، وهو ما يتعارض مع حاجة المشاريع الكبرى إلى سرعة ومرونة في التنفيذ. ولعل المقارنة مع المغرب، الذي أنشأ وكالة مستقلة للإشراف على استثمارات الطاقة المتجددة، تبيّن أن وجود هيئات تنفيذية مرنة يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في سرعة الإنجاز وكفاءة التنفيذ.

كما أن إدماج التكنولوجيا الرقمية في الخطة لا يزال دون المستوى المطلوب، إذ تم تناول التحول الرقمي كمحور مستقل وليس كعنصر متقاطع مع كل القطاعات الاقتصادية. بينما تشير تجارب مثل تركيا وماليزيا إلى أن إدماج الرقمنة في كل مراحل سلسلة القيمة، من الزراعة إلى الصناعة والخدمات، كان نقطة تحول عززت الإنتاجية وجذبت الاستثمارات. هنا يمكن للأردن أن يستفيد من نجاح التحول الرقمي في قطاع المدفوعات الإلكترونية، حيث أصبحت حلول مثل "إي فواتيركم" نموذجًا محليًا ناجحًا يستحق التوسعة إلى قطاعات أخرى.

جانب آخر يحتاج إلى معالجة هو ضعف إدارة المخاطر وغياب السيناريوهات البديلة في حال حدوث صدمات اقتصادية أو سياسية أو بيئية. ففي بلد مثل الأردن، حيث تتأثر السياحة مثلًا بالاستقرار الإقليمي بشكل مباشر، يصبح وجود خطط مرنة للتعامل مع الأزمات ليس خيارًا، بل شرطًا أساسيًا لضمان استمرارية النمو.

الخطة في مجملها تسير في الاتجاه الصحيح وتغطي معظم عناصر الجمع بين الاستراتيجية والخطة التنفيذية، لكنها بحاجة إلى تحسينات تجعلها أكثر وضوحًا وقابلية للتنفيذ. الميزة التنافسية الفريدة يجب أن تُعرّف بدقة، ومؤشرات الأداء يجب أن تكون كمية ومحددة زمنياً، والهيكل التنفيذي يجب أن يبتعد عن البيروقراطية نحو المرونة، والتحول الرقمي يجب أن يصبح أساسًا لكل القطاعات، إلى جانب وضع خطط بديلة لمواجهة الأزمات.

في النهاية، يظل نجاح خطة التحديث الاقتصادي مرهونًا بمدى قدرتها على التحول من وثيقة طموحة إلى برنامج عمل واقعي، يوازن بين الرؤية والطموح وبين التنفيذ السريع الفعّال. إنها ليست مجرد خطة حكومية، بل عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمواطن، ومسؤولية وطنية مشتركة لتأمين مستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا للأردن، ومكانة إقليمية تليق بقدراته وإمكاناته، حتى يصبح الأردن كالنخلة في قلب الصحراء: ثابت الجذور، متجدد العطاء.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد