الخروج من صالات المشاهدين!

mainThumb

14-07-2008 12:00 AM

في الاردن توجد احزاب لكن لا يوجد حزبيون, وفي الاردن صفوف طويلة من السياسيين الذين يتحدثون مثنى وثلاث ورباع, حول ما يجب على الحكومات ان تفعل او لا تفعل, لكنهم لا يتحدثون ابدا عن اخطائهم او عن ما يجب ان يفعلوه تجاه وطنهم.

قبل ايام كنت مدعوا الى حفل غداء عند صديق, كان الديوان عامرا بعشرات الشخصيات الوطنية التي خدمت طويلا في مؤسسات الدولة المختلفة, لم يشهد هذا الحفل اي حوار عام يشارك فيه الحاضرون, ان كان حول الاسعار او الخصخصة والليبرالية الجديدة او عن اخطار فشل عملية السلام على المنطقة. صديقي الذي يجلس الى جانبي, وهو وزير سابق, قال لي هامسا: انظر اليهم, كلهم منغمسون في احاديث ثنائية او ثلاثية. انا متأكد انهم جميعا يتحدثون في هموم السياسة والاقتصاد, ويرددون ما نتحدث به انا وانت, لكنك لو طلبت توحيد الحوار واشاعة موضوعه, لسمعت من معظمهم كلاما مختلفا يناقض ما يقولونه في حواراتهم الجانبية!

عاش الاردن اكثر من ثلاثة عقود من دون احزاب وحزبيين, من نهاية الخمسينيات حتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي, لقد نجحنا كدولة وشعب, في بناء مؤسسات وانجازات في ميادين الاقتصاد والتعليم والطب والزراعة والبنية التحتية.. الخ, لكننا لم ننجح في بناء مؤسسات سياسية تؤطر هذه الصفوف الطويلة من رجالات الادارة والحكم بسبب غياب الاحزاب, واكثر من ذلك بسبب تحويلها في الوعي العام الى (ايدز) الاصابة به كارثة والاقتراب منه تلوث وانحدار!

اسباب النجاحات والانجازات في تلك الحقبة, ان الشعب اودع ثقته بالدولة بما تطابق مع المعادلة القائلة بان الشعب مصدر القوة السياسية, ونتيجة ذلك, كانت دولة قوية, وقطاعا عاما مسيطرا, انه عهد دولة الرعاية الشاملة, من توفير الوظائف وخلق فرص العمل الى تأمين المواد الغذائية باسعار مناسبة اضافة الى العلاج والتعليم.

اليوم, الدولة في عصر مختلف بسبب مناخات العولمة والتزاماتها بسياسات الخصخصة واعتمادها الليبرالية الجديدة في الاقتصاد واحيانا في السياسة وهو ما يفرض اعادة البحث جديا في التكوين السياسي والياته لمواجهة مخاطر وسلبيات يزداد قلق الناس ومخاوفهم من اثارها.

متى يترك السياسيون مقاعدهم كمشاهدين وينتقلون الى المشاركة الايجابية في القضايا الوطنية, ولا مدخل الى ذلك الا ببناء التيارات والاحزاب او المشاركة بالقائم منها, اي الاحتراف السياسي الذي ينهي عادة الاعتماد على (كولسات) الصالونات والاشاعات التي ينطبق عليها المثل البدوي (ذبح وسلخ وقلة ربح).

الاحزاب تهيئ الافكار وتطرح الخطط والبرامج وتسمح للنخبة والفعاليات والمواطنين بالاتحاد جميعا في اطر قانونية ودستورية من اجل القيام بادوار فعالة في خدمة الاردن والدفاع عن مصالحه الداخلية والخارجية, من دون ذلك, ستواصل العولمة وليبراليتها الجديدة الانقضاض على (دور) الدولة مما يقود الى اضعافها وتركها عرضة للازمات والاختراقات فيما تزدحم صالات المشاهدين بسياسيين لا حول لهم ولا قوة./ العرب اليوم /



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد