(فكّ الخط)

mainThumb

15-07-2008 12:00 AM

عندما قادني أبي - رحمه الله - الى مركز الصحّة الغربي لأتلقىالمطعوم الأخير قبيل دخولي المدرسة،كانت أمنيته الكبرى أن أصبح ولداً يفكّ الخط وحسب، لم يطمع بأكثر من هذا الحلم..لذا كان مهتمّاً بمحو أميتي أكثر منّي، وما زلت أذكر كيف كان صوته المتقطّع بالزفير والشهيق يطمئنني بقرب المسافة من المركز الصحي قائلاً :وصلنا يابا وصلنا..

لقد كان يمسك كرت التطعيم الأصفر بيده، بنفس الخوف والتمني والأهمية التي يمسك بها يدي اليمنى، لم يثنه ضعف عضلة قلبه من المسير بخطوات واسعة، فقد كان يخشى فوات موعد التسجيل ...فأتأخّر سنة أخرى، وبالتالي أضيع أو أصيع أو أصبح أحد روّاد الأعراس..لقد توقّف ابي في منتصف طريق العودة وكأنه يريد أن يوشوشني شيئاً، ثم تراجع و جثى على ركبته بمنتهى الأبوة .. سكّر لي سحّاب البنطلون ونظر في عيني وابتسم..

كبرت وحققت حلم أبي العظيم، ولم اكتفِ بفكّ الخطّ وحسب، بل اكتسبت مهارة أخرى وهي فكّ الخطّ وتركيبه..وعمل افرهول لجميع مصطلحات اللغة..كما صرت أتقن لفّ ماتور الحبكة في الكتابة..وأغيّر كسكيت فمي.

لقد أصبحت أتقن كل شيء الاّ الرّاحة..لقد ابتليت بهذه المهنة بعد أن جنى عليّ ابي بحلمه،ليتك لم تأخذني للتطعيم يا أبت، ليتك أضعت الكرت الأصفر، ليتك أضعت المكان !! ماذا كنت تريد أن تقول عندما توقّفت بمنتصف الطريق؟.

ها انا صرت افكّ الخط..ماذا جنيت ؟ ماذا تغيّر عليّ؟ هل من الضروري أن أبتلى بصنعة الكلام، دون صنائع الدنيا.

ليتك أهديتني شبّابة بدلاً من القلم..على الأقل الشبابة لا يوجد في نهايتها ممحاة..سامحك الله يا والدي !! ماذا لو دبّيتني بفرقة دبكة شعبية، لأصبحت الآن دقّيق مجوز معروف،لي في كل عرس قرص..أطرب الدبّيكة وأمهّد للمطرب أغنيته،أنفّس عن كبتي بملء شدوقي،ثم أحول التنفيس الى نغمة تطرب ولا تغضب، وفي آخر الليل اتقاضى أجري وأنام، ووجهي في خيال ألف صبية..يا رجل..على الأقل لو جعلتني ضرّيب طبلة..

ها أنا صرت كما تمنّيت فكّيك خطوط،ماذا بعد.. لا أستطيع أن أنفخ شدوقي بكبتي، وتنفيسي يغضب..وفوق كل هذا، قلمي لا يزمّر يا حجي..

ليتك تمنيّتني دقّيق مجوز../الرأي/


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد