رهان الأردن على انتزاع "وضع متقدم" مع الاتحاد الأوروبي؟

mainThumb

16-08-2008 12:00 AM

يسعى الأردن لاحتلال ما يسمى ب¯ "وضع متقدم" لدى الاتحاد الأوروبي لتعزيز التشاور السياسي وضمان إسماع صوته داخل ناد ينظر في طلبات مماثلة من إسرائيل والمغرب في زمن أصبحت البوصلة السياسية الأوروبية أقرب لواشنطن وتل أبيب على حساب مصالح العرب.

وزير الخارجية صلاح الدين البشير يقول في مقابلة مع "العرب اليوم" إن المملكة ستطرح هذه الفكرة على الدورة المقبلة لمجلس الشراكة الأردني-الأوروبي, التي تجرى التحضيرات لعقدها إما في تشرين الأول أو تشرين الثاني.

الأردن سيطرح أفكاره "بخصوص الوضع المتقدم ورؤيته لتحقيق ذلك عبر طرق وآليات متعددة وصولا إلى عملية التحاور", حسبما يضيف البشير.

ما يهم الأردن هو "التواصل مع هذه الكتلة العالمية المؤثرة سياسيا واقتصاديا من خلال التركيز على الناحية السياسية لترسيخ فكرة أن الأمن والاستقرار عندنا مرتبط بأمن واستقرار أوروبا, فضلا عن تعميق علاقاتنا الاقتصادية وتعظيم التواصل بين المؤسسات العاملة في القطاعين العام والخاص".

لتحضير الأرضية, أسس سفير الأردن لدى الاتحاد الأوروبي أحمد المساعدة تجمع أصدقاء الأردن في البرلمان الأوروبي صاحب التأثير القوي على عجلة صنع القرار.

يرى ساسة ومسؤولون أن حصول الأردن على وضع مميز لدى مجموعة ال¯ 27 قد يساعده على احتواء الاختراق الإسرائيلي للمفاصل السياسية داخل الاتحاد الأوروبي وأجهزته المختلفة قبل أن تطلب رسميا قبل شهرين نيل "وضع مميز" لدى الاتحاد. التحرك الإسرائيلي يرجعه ساسة ودبلوماسيون إلى انكفاء مواقف وخطاب المجموعة تجاه قضية الشرق الأوسط في فترة قياسية.

لذا باتت دولة صغيرة كالأردن, تعيش وسط حمم بركانية لا سيما مع لا أبالية الإدارة الجمهورية حيال القضية المحورية- فلسطين- قبل أشهر من انتهاء ولايتها الثانية. بأدوات تأثيره المحدودة سياسيا, عسكرية واقتصادية, يشعر الأردن اليوم بعمق انكشاف الظهر مع أوروبا, التي كانت سابقا تثير حفيظة إسرائيل بانحيازها الواضح للحقوق الفلسطينية وأسس القانون الدولي إزاء موضوع الاحتلالات العسكرية قبل أن تنقلب سياساتها.

التغيير تعمق خلال السنوات التسع الماضية, مع توسعة عضوية الاتحاد إلى 27 دولة من خمس عشرة عام 1995عندما أطلقت المجموعة الأوروبية عملية برشلونة لتعزيز الشراكة مع 12 دولة متوسطية عبر التركيز على الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية والبشرية بين شاطئي أقدم بحار العالم.

عدد كبير من الأعضاء الجدد جاء من المعسكر الشيوعي بعد انتهاء الحرب الباردة. في السياق تتراكض دول القارة العتيقة للارتماء في الحضن الأمريكي وصولا إلى منطقة القوقاز المتفجرة.

صحيح أن الموقف السياسي المعلن للاتحاد لم يتغير تجاه الشرق الأوسط. لكن البيانات السياسية التي تصدر هذه الأيام تخلو من أي إعادة تأكيد لمواقف سابقة تتعلق بضرورة انسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل حرب ,1967 ووقف الاستيطان في الأراضي المحتلة. قد تكون هذه المعادلة محسوبة حتى يترك الاتحاد المجال مفتوحا أمام تحقيق حد أدنى من التوافق بين "أوروبا القديمة والجديدة".

التغيير نفسه ينعكس على خريطة الانحيازات والاستقطابات داخل أجهزة الأمم المتحدة, وعلى رأسها الجمعية العامة ومجلس الأمن. ضعف أمريكا السياسي يشجع الاتحاد الأوروبي على إصدار سلة حوافز في محاولة لإيجاد حل سياسي لملف إيران النووي, وفي الخلفية رغبة بضمان إمدادات غاز طبيعي من خلال أنبوب استراتيجي من القوقاز عبر إيران إلى أوروبا.

حميع الكتل والقوى الدولية باتت تلعب من فوق رؤوس العرب المغيبين - طوعا أو إجباريا.

إزاء تلك المتغيرات الإقليمية والدولية, تبحث عمان اليوم عن شبكة أمان مستقرة متأتية من علاقات سياسية متينة مع كتل حيوية. بات ذلك ضرورة بعد المتغيرات عبر المتوسط, وتعثر مفاوضات السلام وتراجع فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة قبل نهاية 2008 واستمرار الاستيطان واستعار حدة المواجهة بين أمريكا وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى لتقاسم كعكة النفوذ في عالم عربي منهار.

تنويع المحاور قد يكون أجدى من الاتكال حصريا على استراتيجية مكلفة شعبيا عنوانها تحالف استراتيجي وثيق مع أمريكا مدعومة بمعاهدة سلام مع إسرائيل.

يعول الأردن على دعم فرنسا, الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي, للحصول على وضع متقدم داخل الاتحاد. إذ تراهن المملكة على علاقاتها الاقتصادية والسياسية القوية مع باريس, وعلى الكيمياء الشخصية بين الملك عبد الله الثاني ونيكولا ساركوزي, رئيس فرنسا الجديد الذي سبق وأن ألقى بثقله الشخصي لدعم طلب الأردن إعادة شراء ديونه من نادي باريس بخصم غير مسبوق.

لكن دبلوماسيين غربيين وبعض المسؤولين لا يشاطرون رأي وزارة الخارجية بإمكانية حصول الأردن على وضع متقدم خلال "مدة زمنية معقولة" أي حوالي سنة على اقل تقدير.

إذ يتحدثون عن تسرع في اتخاذ القرار من دون تحضير الأرضية لحمل التحول المطلوب. فالوضع المتقدم الذي يطالب به الأردن في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي يجب أن يجسد قيمة الشراكة الثنائية المتميزة التي تربط الطرفين عبر تقوية الحوار على المستويات كافة وتعزيز التشاور السياسي والانسجام التدريجي.

لكن التقدم الذي تم تسجيله في إطار الشراكة بين الطرفين لم يسر بوتيرة عالية خلال السنوات الأربع الماضية, جزئيا بسبب تباطؤ برنامج طموح للإصلاح والتحديث تزامن مع غياب الوضوح في إرادة الاتحاد الأوروبي الجديد في تعزيز هذه العلاقات.

فهناك شعور في الأوساط الدبلوماسية الأوروبية بأن الأردن يستعجل في التشبيك مع مفاصل الاتحاد السياسية قبل أن ينجز القسط الأكبر من متطلبات اقتصادية وبشرية وقانونية وانفتاح سياسي تمليها اتفاقية الشراكة التي دخلت حيز التنفيذ عام 2001 بهدف خلق سوق مشتركة عام .2010

كما تتطلب الشراكة ربطا أفقيا وعموديا في البرامج والمؤسسات بين الأردن والشركاء العرب لتعزيز الإندماح بين الشمال والجنوب. لكن هناك تقصير كبير لأسباب تبدو خارجة عن ظروف الأردن. وعلى الأردن أن يثبت جدية التوجه لبناء علاقة استراتيجية لا أن يعطي الانطباع بأنه يسعى حصرا للقلب المميز "كبرستيج" إضافي.

في السياق تعتمل مشاعر إحباط أوروبية من طريقة تعامل بعض المؤسسات الرسمية مع تبعات وانتقائية التعاطي مع الأجندة الوطنية التي أقرت قبل خمس سنوات بهدف عصرنة الأردن في مختلف المجالات بما فيها مسار الديمقراطية وحقوق الإنسان, الذي تراجع على حساب الانفتاح لاقتصادي. فمثلا, عقوبة الإعدام لم تلغ رغم إلحاح الأوروبيين. والتقت الحكومة في نصف الطريق مع المطالب الأوروبية إذ ثمة تجميد لعقوبة الإعدام. فالسلطات لم تنفذ أي حكم بالإعدام منذ منتصف 2006 فيما ينتظر 40 محكوما دورهم أمام حبل المشنقة.

كذلك ظهر تخبط في السياسات والقرارات الحكومية بسبب كثرة التغييرات الوزارية خلال العقد الأخير, وارتباط حجم الإنجاز على مستوى استحقاقات اتفاقية الشراكة بشخصية والتزام الوزير المكلف بالملف الأوروبي بعينه, وديناميكيته الشخصية ودعمه للجان قطاعية مشتركة ومكاتب تسريع الشراكة التي أقيمت داخل وزارات معنية.

لم يتعامل جميع الوزراء بنفس السوية مع متطلبات تعزيز الشراكة, وغابت المؤسسية فيما تعمق شعور لدى بعض الأوساط الأوروبية أن الأردن لا يتعامل مع الاتحاد بعقلية الشريك المستقبلي إنما كبنك يمنح تسهيلات.

في هذه الأثناء, صعد نجم المغرب على حساب الأردن, وبات التلميذ النجيب الأول في صف الشراكة الأوروبية لأنه عرف كيف يستفيد من سلة الاتحاد الأوروبي.

اقر المغرب عدة اتفاقيات حساسة من بينها وثيقة السياسة المشتركة حول الهجرة واللجوء. كما فعّل الكثير من الهيئات المشتركة المطلوبة قبل الحصول على وضع متميز والتأكد من رسم إطار للشراكة يستجيب لما حققته البلاد من تقدم, ويرتقي إلى مستوى الرهانات الجديدة والفرص المتاحة أمام الشريكين. بالتوازي تعززت قنوات الحوار والتشاور السياسي والاندماج التدريجي المنسجم مع معطيات السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي فضلا عن خلق شبكات بشرية وتنسيق سياسات التكوين والبحث.

أردنيا, تستمر شكوى الحكومات من مماطلة وبيروقراطية أجهزة الاتحاد الأوروبي مقابل سرعة عمل الوكالات الأمريكية التي تشرف على برامج المنح والدعم التقني المباشر. بين عامي 1995 و 2004 حصل الأردن على منح مباشرة بقيمة 571 مليون يورو وعلى 265 مليون يورو بين 2007 و 2010 فضلا عن إمكانية استعمال موارد مالية مخصصة لدعم مشاريع بين أوروبا والمتوسط.

بعد كل ذلك, ينعقد الأمل بأن يسير طلب تعزيز وضع الأردن عبر قنواته السياسية الأورويية بأريحية وان يتمخض عن شيء قابل للقياس لمصلحة الطرفين.

أما الاتحاد الأوروبي فهو بانتظار طلب رسمي من عمان, الذي يعبر "عن طموح نرحب به ونتطلع لنستكشف ماذا يريده الأردن بالتحديد", بحسب توصيف القائم بأعمال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في عمان كلاوس هيبرغ.0العرب اليوم




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد