الحياة الدنيا .. ‏

mainThumb

17-04-2016 08:24 PM

الماضي وإن كثرت حوادثه فهو في الذاكرة ‏الإنسانية لا شيء ؛ والقادم سيصلنا بسرعة وسيمر بسرعة ‏وسيمضي بعدها ليكون لا شيء ...‏
 
‏            كبار السن يذكرون دائما” الحوادث التي واجهوها ‏خلال طفولتهم وفي شبابهم ، وهم في الغالب يترحمون على ‏كثير ممن رافقوهم أحداث  تلك القصص ؛ ثم أصبحوا في ‏عداد الأموات ...‏
 
‏           يترحم كبار السن على كثير„ ممن عايشوا قصصهم ‏بقولهم : كان معنا ( فلان )  ـ رحمه الله ... أو رافقنا في ‏سفرنا وذهب معنا في عمرتنا أو في حجتنا ( فلان )  ـ رحمه ‏الله ... أو يقولون :ساعدنا ( فلان ) ـ  رحمه الله  ...  إلخ .‏
‏...  وإن كثر عدد الأموات المذكورين في قصص شباب ‏وطفولة الإنسان  ، فعليه أن يتلمس نفسه فإن أجله بات قريبا” ‏‏...  !‏
 
‏              خلال رواياتهم لقصصهم ، نجد كبار السن ‏يكررون الترحم على  أموات تلك القصص ؛ وعلى الفور ‏يبادر أحد  الحضور إلى القول  : الله يرحمه ... فيرد ‏المتحدث المسن عليه : تعيش ؛ تعيش  ...  وبعض من كبار ‏السن يردون بقولهم : تعيش وتترحـــــم   ... !!!‏
 
‏              هذه العبارة الاخيرة : ( تعيش وتترحـــم ) ؛ ‏استوقفتني  كثيرا في المجالس والدواوين  ؛ وقلت دائما” في ‏نفسي : من هو الذي سينجو من سهام الموت ليبقى مترحما” ‏على المتساقطين أمامه ومن حوله ... ؟!‏
 
‏             ( تعيش وتترحم .... !!! ) ... دعوة وأمنية لم ‏يظفر بها أي إنسان ؛ فحتى الأنبياء والرسل ذهبوا جميعا” ولم ‏يخلدوا ليترحموا على غيرهم فقط  ... ؟! يقول تعالى : كل ‏من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام  .*..  ‏ويقول تعالى : إنك ميت وإنهم ميتون * ( صدق الله العظيم ) ‏‏.‏
 
‏               وعندما يكرر كبار السن في أحاديثهم : بالأمس ‏كنا ... وبالأمس فعلنا وعملنا ... وبالأمس  ... وبالأمس ...  ‏يتعجب الطفل الصغير ويقول بدهشة„   : ما بال هذا العجوز ‏يردد : بالأمس وبالأمس ... وهو يذكر لنا قصصا” مر عليها ‏خمسون أوستون عاما”  ... !!!  لكن هذا الطفل الصغير ‏سيدرك عندما يشيب ويكبر ؛ وسيعلم عندها بأن الحياة ومضة ‏؛ وبأن الماضي في الذاكرة الإنسانية لن يتعدى : يوما” أو ‏بعض يوم ...‏
 
‏           إن تجاوزتنا سهام  الموت اليوم فهي غدا لن تخطئنا ‏، سيزونا هادم اللذات ومفرق الجماعات ومشتت العوائل ‏والأسر ؛ سيزورنا مقطع الأوصال ومحطم الآمال ودافن ‏الأحلام ، سيزورنا ميتم البنين والبنات عندما يحكم القدر ...‏
 
‏           فالموت هو خط للنهاية ستطأه أقدام الجميع منا ؛ ‏الغني والفقير والكبير والصغير والصحيح والعليل والمؤمن ‏والكافر  ... وسيفارق الناس أقربائهم وأحبابهم وأصدقائهم ‏رغم أنوفهم ... وسيحملون على الأكتاف بلا همس ليواروا ‏الثرى وليكونوا بعدها غذاء” للدود ...‏
 
‏          لو إمتلأ ماضينا بالمآسي والأحزان أو غمرته ‏المسرات والأفراح  ؛ فهو في الذاكرة الإنسانية لن يتعدى : ‏اليوم أو بعض يوم ... !!! فحقيقة المنتهي والمنقضي أنه لا ‏شيء : وحقيقة الماضي أنه يوم أو بعض يوم ... وكل قادم أو ‏حدث مستقبلي سيأتينا سريعا” وبعد يوم„ أو بعض يوم„  ... ‏والموت حدث مستقبلي وسيداهمنا بعد يوم„ أو بعض يوم„ ؛ ‏ولكن الشيطان يمني الناس بالحرص وبالآمال والأحلام ‏فيعتقدون بأن العمر مديد مديد وبأن الموت بعيد بعيد ...‏
ولكن الحقيقة معكوسة تماما” : فالحياة قصيرة قصيرة ‏والموت قريب  ...‏
 
‏            إن تشبث الناس بدنياهم عجيب وغريب ، وأغلب ‏الناس ينسى بأن الدنيا دار للمرور وجسر للعيور فقط ... ، ‏فترى آمال الناس تكبر وتتجدد في كل يوم„ وساعة  ... !!! ‏ويعيش الإنسان وكأنه االمخلد في دار أفني أمم قبله !!! وأمثال ‏هؤلاء لم يدركوا حقيقية الحياة عندما نقلك ربك من المرحلة ‏الأصغر إلى الأكبر ومن العالم الضيق إلى العالم الأوسع  ؛ ‏أنت كنت قبل خلقك لا شيء ثم أصبحت جنينا” في بطن أمك ‏الصغير ، وبعد الولادة نقلك خالقك إلى عالم الدنيا الأكبر ‏والأوسع ، وسينقلك مولاك بعد موتك إلى الحياة الآخرة ‏الأبدية وإلى العالم الأوسع  ... هذه هي حقيقة الموت والحياة ‏؛ فعلينا أن نعد العدة وأن نعمل لحياتنا الأبدية ولعالمنا الأكبر  ‏‏...‏
 
‏              ورد أن ابليس اللعين قال لمن حوله : أهلكت ‏الناس بالحرص وطول الأمل وأهلكوني بالاستغفار  ...   ‏ورب العالمين الذي خلق الناس وأودع فيهم الأرواح لفترة من ‏الزمن ؛ سيسترد وديعته بعد الموت ، وسيحقق العدل ‏والإنصاف في الآخرة ؛ فلا دوام للظلم في شريعة الله ، ‏وسيكرم الله المؤمنين الصابرين بالنعيم المقيم : وسيعذب ‏الظالمين والكافرين والمشركين بالويل والجحيم ...‏
 
‏           نسأل الله تعالى الرحمة بالمؤمنين والمؤمنات ؛ ‏ونسأله تعالى النصر والتمكين لهذه الأمة المبتلاة ، ونسأله ‏تعالى الرحمة والرأفة بالمستضعفين وبالمظلومين من هذه ‏الأمة التي تكالبت عليها الأمم تكالب الأكلة إلى القصعة ... ‏ولكن الله للكافربن بالمرصاد  ؛ إنه الأرحم بعباد وهو الأعلم ‏بشئون خلقه ؛ وهو القوي العزيز ، وهو الغفور الودود ، ‏وهو الرحمن الرحيم .‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد