الكلاب حكيمة - نهى الصراف

mainThumb

24-09-2016 09:34 AM

الغضب، أيا كانت أسبابه ودرجاته، فإنه يقودنا في الغالب إلى فقدان السيطرة على انفعالاتنا وربما حواسنا، وهذه بدورها تجرنا إلى ارتكاب أخطاء آنية قد نندم عليها.
 
هل هناك طريق مختصرة تؤدي إلى السعادة؟ وكيف ستكون هذه “السعادة”؟ هل هي مستوى متقدم من المشاعر الإنسانية المفعمة بالرضا أم أنها مفهوم مجرد لا يكتسب حضوره إلا بارتباطه بما يبرر معناه؟ فالسعادة في هذا النطاق المجرد هي رسالة فرح غامضة لا يتضح معناها إلا باستخدام حبر سري، يكشف عن مكامن هذا الفرح ومنابعه. ولهذا، يقضي معظم الناس سنوات طويلة من أعمارهم وهم يطاردون وهما اسمه السعادة، من دون معرفة أبعاد هذا الوهم على وجه التحديد، وما إذا كان هدفا عليهم السعي إليه، أم نتيجة سيبلغونها عاجلا أم آجلا بالكثير من الصبر والحظ والخيال أيضا.
 
يرى بعض الناس في السعادة مرادفا للنجاح؛ وظيفة بمدخول جيد، علاقة زواج مستمرة ومنزل كبير عامر بالأطفال ودافئ بالحب، لتصبح هذه المفاهيم مقياسا يصنف الناس وفق مستوياته على أنهم سعداء أو تعساء، ولهذا فإن حالات نفسية تعكس صورا للتعاسة مثل الحزن، الغضب والشعور بالذنب والخسارة والوحدة والفشل، ستمثل الجانب الآخر من التصنيف المسبّق الأكثر قتامة والتي تضع أصحابها في زاوية بعيدة، زاوية معتمة وكئيبة لا يطالها ضوء الأمل وهي على النقيض تماما من مشاعر الرضا.
 
لكن متخصصين في ما يسمى بعلم النفس الإيجابي، كانوا قطعوا الطريق على من يتبنى مثل هذا التصنيف الجزافي؛ مؤكدين أن الحزن والغضب والشعور بالوحدة والفشل وغيرها من المشاعر التي تبدو قاتمة وسلبية هي مشاعر طبيعية ليس هذا فحسب، بل إنها يمكن أن تعبد المسار لبلوغ طريق السعادة والرضا لأصحابها! وربما تكون حادة، قاسية ومؤلمة في حينها لكنها قوية بما فيه الكفاية، كي تحمل مضامين دفع يمكننا أن نستثمرها بمهارة لنحولها إلى مصدر إيجابي للتغيير، تغيير الواقع وتعديله.
 
وبحسب متخصصين، فإن ألم الحزن العاطفي، مثلا، يحمل وظيفة وقائية أيضا؛ فالحزن يدفعنا إلى الانسحاب تدريجيا إلى التمحور حول ذواتنا وتفضيل الوحدة في زوايا نعدها كمنفى اختياري لنا، حيث يمنحنا هذا الانسحاب الفرصة للعق جراحنا والبراء من ضعفنا، لنعود مرة أخرى لممارسة حياتنا ونحن أقوى وأشدّ صلابة، وكانت أجاثا كريستي قد عبرّت عن هذه الحالة النفسية الفريدة بمقولتها الأثيرة “الكلاب حكيمة، فهي تزحف إلى ركن هادئ وتلعق جراحها ولا تنضم إلى العالم مجددا، إلا عندما تستعيد كامل عافيتها”.
 
أما الغضب، أيا كانت أسبابه ودرجاته، فإنه يقودنا في الغالب إلى فقدان السيطرة على انفعالاتنا وربما حواسنا، وهذه بدورها تجرنا إلى ارتكاب أخطاء آنية قد نندم عليها في ما بعد وتتسبب في خسارتنا لأشخاص أعزاء على قلوبنا أو أشياء ثمينة في حياتنا. لكن استثمار فعل الغضب، على الرغم من الخسائر التي نتكبدها بسببه، ربما يأخذنا إلى مسار مختلف تماما عن النتائج الآنية؛ فالغضب يشعرنا كم نحن بحاجة ماسة إلى أن نكون صبورين، كما أن فعل الاعتذار الذي يمكن أن نستعين به للتكفير عن غضبنا سيكون له وقع السحر على الآخرين، وبدلا عن الخسارة سيكون هناك ربح جديد في علاقة قديمة يعزز روابطها فعل الاعتذار ربما بقوة أكبر من السابق.
 
ولهذا السبب تحديدا يلعب الغضب، بحسب علم النفس الإيجابي، دورا مهما في تأمين السعادة لعلاقاتنا الاجتماعية، إضافة إلى دوره في تهذيب النفس من شوائب الانفعالات الخارجة عن السيطرة.
 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد