التاريخ كما يجب أن يكون

mainThumb

04-12-2018 02:34 PM

نعم... التاريخ هكذا يجب أن يكون... حروب، فساد، ظلم، طغيان، جهل، تعصب، أنانية، تسرع، وضعف، مع محاولات للإصلاح هنا أوهناك.
 
فإن من يصنع التاريخ هم البشر، ولقد وصفت الملائكة هذا المخلوق قبل خلقه بالإفساد وسفك الدماء، : { قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ } (سورة البقرة 30). ليكون أول افساد في الأرض هو سفك دم الأخ لأخيه: { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (سورة المائدة 30).
 
ومن صفات الإنسان التي انعكست على تاريخ البشرية: الظلم والجهل: { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } (سورة الأحزاب 72)، الطغيان: { كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى } (سورة العلق 6)، الجدل والتعصب والتعنت: { وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا } (سورة الكهف 54)، البخل والشح والأنانية: { وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا } (سورة الإسراء 100)، العجلة والتسرع: { وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا } (سورة الإسراء 11)، والضعف: { وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا } (سورة النساء 28).
 
وفي التاريخ اشراقات هنا أو هناك، خطها مصلحون: أنبياء، وعلماء وقادة صالحين، ولم تخلو من صور قاتمة لحقيقة البشر، فقد قُتل أنبياء وعلماء وصالحين، وتقاتل أتباعهم من بعدهم، ونهضت ممالك للعدل سرعان ما تلاشت في محيط الظلم والفساد، وكانت الخاصة نتاج العامة، فانظمة الحكم والطريقة التي تدار فيها البلاد هي انعكاس للطريقة التي يتعامل بها العامة مع بعضهم بعضا، وهذا ينعكس على العالم أجمع.
 
والتاريخ العربي الإسلامي جزء مؤطر بتاريخ البشرية على الأرض. فمن وسط الجهل والظلم والفرقة في الجاهلية، مع صفات حميدة تحلى بها العرب؛ من كرم وشجاعة ونخوة، أشرق نبي آخر الزمان من أرض العرب، وبين قبول ومقاومة كان الإنتصار للنبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه.
 
 وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم، لا بد لعهد الاتباع؛ ليكون امتدادا لعهد النبوة، وعهد الحزم؛ ليكون صدا منيعا في وجه المرتدين، فكان عهد الصديق رضي الله عنه، وبعد تثبيت الدين وقيام الدولة، كان عهد الفتوحات والنصر واتساع الدولة، فكان لا بد من عهد الاجتهاد والعزم، عهد الفاروق رضي الله عنه، فكان نتاجه القوة والعدل، وعلى صخرته تحطمت امبراطوريات الظلم والقهر، فارس والروم، وبعد التآمر ومقتله رضي الله عنه، بدأ عهد الفتن والتآمر والخلاف.
 
 وتتوسع دائرة المؤامرة، وتنتهي بمقتل الخليفة المظلوم عثمان رضي الله عنه، فينتصر الدم المظلوم لوليه(بني أمية) لينتقل الحكم إليهم، ويتعمق الخلاف السياسي ليصبح خلافا عقائديا، ويظهر الخوارج، وتبدأ النحل والفرق في الظهور، وتسيطر الفتنة والفرقة والاقتتال، والابتعاد شيئا فشيئا عن الهدي النبوي، ومقتل الخليفة الراشد علي رضي الله عنه، فلا بد أن ينتهي عهد الخلافة الراشدة إلى حكم وراثي بالسيف والنار، بعد أن غرق العامة بالسيف والنار.
 
 ومع تأجج الخلاف والاختلاف، واشتعال نار الفتن والقتل في هشيم الأمة، وتوسع نطاق المؤامرة، والتجاوز حتى بلغ الجرأة حد قتل سيد شباب أهل الجنة، وحفيد النبي صلى الله عليه وسلم، الحسين رضي الله عنه، فكان لا بد لرجل كالحجاج أن يظهر، فيقارع السيف بالسيف، والنار بالنار، والخلاف والفرقة بالقوة والحديد لرص الصف والوحدة، لتكون امبراطورية عربية اسلامية عظيمة، من حدود الصين شرقا وحتى مشارف باريس غربا.
 
 ومع تفاقم الظلم وتعاظمه، لا بد أن يُسلب الملك، فينتقل الحكم لبني العباس، وتبدأ الأمة عصر نهضة علمية كبير من الشرق في بغداد وإلى الغرب في قرطبة، ولكن يستمر جور السلطان وظلمه، بسبب جور الرعية وظلمهم لبعضهم بعضا، وتتوسع دائرة الخلاف العقائدي، فيُسلط الله على الأمة من داخلها من يسومها سوء العذاب، الدويلات الباطنية المتآمرة: القرامطة، والبويهية، والعبيدية، والحشاشين، وغيرهم... ليكون نتاج ذلك تكالب الأعداء من الخارج: صليبين ومغول.
 
 وبعد أن ركن العرب إلى الحكم، وتركوا جهاد الأعداء ودفعهم، استبدلهم الله بالترك لقيادة الأمة، قال تعالى: { إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ } (سورة التوبة 39)، وقال عز من قائل: { وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } (سورة محمد 38)، فكان: الغزنويون، والخوارزميون واحفادهم من المماليك، والسلاجقة، والزنكيون ومواليهم من الأيوبيين، والعثمانيون، الذين بنوا امبراطورية اسلامية عظيمة بسطت نفوذها على قارات العالم القديم.
 
 وتستمر المؤامرة يهودية صليبية صفوية، وبأيد قومية تركية وعربية، لتنهار الامبراطورية الإسلامية، وتتمزق الأمة إلى دويلات، تحت حكم المستعمر حينا، وتحت حروب أهلية حينا آخر، وقد زُرع ذلك الكيان اليهودي المغتصب في قلب الأمة في فلسطين، فالعصبية للقومية والقطرية والإقليم والقبيلة، وللحزب والجماعة، كان نتاجها الإنقسام والفرقة والاقتتال، وظلم الناس بعضهم لبعض، وأكل حقوق الآخرين، كان نتاجه جور السلطان والمسؤول، لتجتمع كل أسباب الضعف والفرقة والمعيشة الضنكا في زماننا الذي نعيش.
 
 فعندما نفهم كيف يجب أن يكون التاريخ، يجب أن نعمل على تغيره نحو الأفضل، فالمستقبل للأمة لتحقق العدل بعد أن ساد الظلم، ولكن ذلك لن يكون إلا بالأخذ بأسباب ذلك التغير. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد