البنك لم يمت

mainThumb

02-07-2025 11:31 PM

في زمن لم يعد فيه فتح حساب بنكي يتطلب أكثر من نقرة، يتغير مفهوم "البنك" كما عرفناه لعقود، شركات التكنولوجيا الكبرى مثل Amazon، Google، Facebook، وAlibaba لم تعد تكتفي بدور المراقب، بل أصبحت فاعلاً رئيسًا في مشهد الخدمات المالية العالمي، إنها لا تبني بنوكًا تقليدية، بل منصات مالية رقمية ذكية.

تمتلك هذه الشركات ما تفتقر إليه البنوك: البيانات الضخمة والتفاعل اليومي مع مئات الملايين من المستخدمين، Amazon مثلًا تعرف ما يشتريه كل بائع، ومتى يبيع، وكم يربح، مما يجعلها قادرة على تقديم قروض صغيرة دقيقة الاستهداف، دون الحاجة لتحليل ائتماني تقليدي، وقد منحت بالفعل أكثر من 3 مليارات دولار من القروض منذ 2011.

في الصين، تجاوزت الشركات التقنية حدود الابتكار، حيث تحوّل تطبيق WeChat من مجرد وسيلة مراسلة إلى نظام مالي واجتماعي شامل، يمكن للمستخدم دفع الفواتير، وتحويل الأموال، وحجز مواعيد طبية، بل حتى إدارة استثماراته—all من منصة واحدة، ويقضي بعض المستخدمين أكثر من 4 ساعات يوميًا على التطبيق.

في المقابل، تتبع شركات التكنولوجيا الغربية نهجًا أكثر حذرًا، Apple دخلت القطاع المالي من خلال شراكة مع Goldman Sachs لإطلاق Apple Card، مفضلة ترك الجوانب التنظيمية للبنك، بينما تركز هي على تجربة المستخدم، هذا النموذج الانتقائي يسمح لهذه الشركات بتجنب البنية التحتية المكلفة والقوانين المعقدة.

لكن لماذا يلجأ الناس لهذه المنصات بدل البنوك؟ ببساطة: السرعة، والبساطة، والتكلفة المنخفضة، المنصة توفر تجربة مالية شاملة ومتصلة، من التحويلات إلى القروض، دون الحاجة للذهاب إلى فرع مصرفي، وهنا يتحول السؤال من "أين يقع البنك؟" إلى "أي تطبيق يوفر لي الخدمات الأفضل؟".

هذا التحول يفتح نافذة فرصة هائلة أمام الدول العربية، وخاصة الأردن، الذي يتمتع ببنية تحتية رقمية جيدة، وانتشار واسع للهواتف الذكية، وقاعدة شبابية رقمية، يمكن للمبادرات المحلية مثل "زين كاش" و"دينارك" أن تتطور من أدوات دفع إلى منصات مالية متكاملة تخدم الشركات الصغيرة والمواطنين غير المشمولين مصرفيًا.

لكن تحقيق هذا التحول يتطلب بيئة تنظيمية مرنة، تشجع الابتكار وتحمي المستهلك، تحتاج البنوك وشركات التكنولوجيا الأردنية إلى شراكات ذكية، وتكامل بين القطاعين العام والخاص، وإعادة نظر في تعريف "البنك" نفسه، فالمنافسة القادمة لن تكون فقط بين البنوك، بل بين التجربة الرقمية والجمود الورقي.

وفقًا لاستطلاع أجرته Bain & Co، فإن 73% من جيل الألفية في أمريكا مستعدون لاستخدام منتجات مالية من شركات التكنولوجيا، وترتفع هذه النسبة في آسيا إلى أكثر من 80%، هذا يعني أن ثقة المستخدم تتحول من العلامة المصرفية إلى تجربة الاستخدام.

في النهاية، إذا استمرت هذه الاتجاهات، فربما بحلول 2030 لن تكون التجربة المصرفية الأولى للشباب العربي من خلال البنك، بل من خلال تطبيق مثل WhatsApp أو Amazon، البنك كما نعرفه لم يمت، لكنه يتقمص شكلًا جديدًا—منصة، أو تطبيق، أو خوارزمية ذكية.

في عالمٍ يتحول فيه المال من ورق إلى كود، والبنك من مبنى إلى تجربة رقمية. لم يعد السؤال: من يملك المال؟ بل: من يملك المنصة؟ ومن يثق به الناس لوضع مدخراتهم وأحلامهم؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد