جامعة اليرموك بين الأمس والغد

mainThumb

22-08-2025 07:58 PM

لم يعد مقبولاً أن تظل جامعة اليرموك، ومعها سائر جامعاتنا الأردنية، أسيرة نزعات الواسطة والمحسوبية والشللية، في وقت تتسابق فيه الجامعات العالمية نحو الجودة والابتكار وصناعة المعرفة. فقد دفعنا ثمناً باهظاً في السنوات الماضية حينما أُسندت مواقع القيادة الجامعية لأشخاص جاءوا عبر أبواب العلاقات لا بوابات الكفاءة، فخسرت الجامعات الكثير من هيبتها وأدوارها الريادية، وأصبح همها إدارة الأزمات بدل صناعة الإنجازات.

اليوم، يبرز الدور الريادي لمعالي وزير التربية والتعليم والتعليم العالي الدكتور عزمي محافظة، الذي وضع أسساً جديدة لتقييم وتعيين رؤساء الجامعات، تقوم على العدالة والمهنية والموضوعية، بعيداً كل البعد عن المحسوبية. إنها نقلة نوعية وجرأة إصلاحية تعيد الاعتبار للجامعة كصرح وطني، وتعيد الأمل لأبنائها بأن زمن المجاملات قد ولى. وما يزيد هذه الخطوة رسوخاً هو الدعم الفعلي من مجلس التعليم العالي واللجان المنبثقة عنه، التي قيمت رؤساء الجامعات سابقاً بموضوعية وتجرد، ورفضت الانصياع لأي ضغوط أو تدخلات خارجية. والأهم أن اللجان المشكلة لاختيار رئيس جديد لجامعة اليرموك ورئيس لجامعة الطفيلة التقنية وضعت معايير واضحة تستند إلى الجدارة والاستحقاق، وهو ما يشكل منعطفاً حاسماً في تاريخ التعليم العالي الأردني.

لقد عانت جامعة اليرموك طويلاً خلال السنوات الأربع الماضية من ظروف خانقة، جثمت ككابوس على صدور هيئاتها الأكاديمية والإدارية وطلبتها، لكننا اليوم نترقب تعيين رئيس جديد للجامعة، ونستبشر خيراً بأن المعايير التي أرسيت ستكون الضمانة لاختيار شخصية من أبناء الجامعة المخلصين القادرين على حمل رسالتها وصون مكانتها. فالجامعة لا تحتاج إلى وجوه تبحث عن مجد شخصي، بل إلى قائد جامع يوظف كل طاقة فيها لخدمة رسالتها الوطنية والعلمية.

وفي هذا السياق، من المفيد التذكير بتجارب جامعات عالمية مرموقة، مثل جامعة أكسفورد في بريطانيا أو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في الولايات المتحدة، حيث يتم اختيار رؤساء الجامعات عبر آليات شفافة وصارمة، تضمن أن يصل إلى القيادة من يمتلك رؤية وخبرة وقدرة على الإبداع والتطوير. لم تصل تلك الجامعات إلى القمم العالمية صدفة، بل من خلال ترسيخ مبدأ أن القيادة الجامعية أمانة لا تُعطى إلا للأكفأ. وهذا بالضبط ما نأمل أن يسود في جامعاتنا الأردنية، وعلى رأسها جامعة اليرموك.

إن الرئيس الذي يُعيّن وفق معايير الجدارة والكفاءة، حتماً سيختار فريقاً مؤهلاً يقود الجامعة إلى الأمام، وسينعكس أداؤه إيجاباً على التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع. أما الرئيس الذي يأتي بالواسطة والمحسوبية، فهو يفقد شرعيته منذ اللحظة الأولى، ويغرق في ممارسة ذات النهج الذي أتى به، فيضيع معه حاضر الجامعة ومستقبلها. ولذا فإن اللحظة الراهنة ليست عادية، بل هي مفصلية، تحدد ما إذا كانت جامعة اليرموك ستستعيد دورها كمنارة علمية، أم ستظل أسيرة أخطاء الماضي.

لقد آن الأوان أن نطوي صفحة المعاناة، وأن نفتح صفحة جديدة تُدار فيها جامعاتنا بمنطق العدالة لا الولاءات، بالكفاءة لا الشللية، بالجدارة لا الترضيات. نحن أبناء جامعة اليرموك نؤمن أن القادم أفضل، وأن التغيير هذه المرة سيكون حقيقياً، لأن الأسس التي وضعت لاختيار القيادات لا تترك مجالاً للعبث. ومع هذا التفاؤل، فإن رؤيتنا لجامعة اليرموك خلال السنوات العشر القادمة تقوم على أن تتحول إلى نموذج أردني وعربي يحتذى به في البحث العلمي، ومركز إقليمي للتفوق الأكاديمي، ومكان حاضن للإبداع والابتكار، بحيث تكون قادرة على المنافسة في التصنيفات العالمية، وتخريج أجيال من القيادات الوطنية التي تساهم في بناء الدولة وتعزيز نهضتها.

وفي الختام، نرفع التحية الصادقة لقيادتنا الهاشمية الحكيمة التي كانت وما تزال سنداً لهذا الوطن، ولحكومتنا التي بدأت بالفعل خطوات إصلاحية جادة في ملف التعليم العالي. ونسأل الله أن يكتب الخير لجامعاتنا، وأن يعيد لجامعة اليرموك مكانتها المستحقة بين كبريات الجامعات الإقليمية والدولية، وأن تكون هذه اللحظة بداية عهد جديد من الإصلاح الأكاديمي العميق، عهد يليق بالأردن وتاريخه ومكانته. ونحن في نهاية المطاف أبناءٌ مخلصون للدولة الأردنية، نحترم قراراتها ونثق بحكمتها، سواء كان الرئيس القادم من جامعة اليرموك أو من خارجها، فاليرموك هي في المقام الأول جامعة وطن ، وليست جامعة مناطقية كما وصفت ذات زمن .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد