لماذا لا ننجح
في ظلّ وتيرة التغيّر المتسارعة التي يشهدها عالمنا المعاصر، تكنولوجيًا واجتماعيًا ومهنيًا، يزداد شعور الأفراد – لا سيما من الجيل الجديد – بأنهم غير ناجحين رغم ما يمتلكونه من إمكانات ومؤهلات، هذا التناقض بين القدرات والشعور بالفشل يكشف أزمة أعمق من مجرّد عجز عن تحقيق الأهداف، إنها أزمة وعي بالنجاح ذاته وبالمسار الذي يقود إليه.
يشير سيمون سينك في عدد من محاضراته إلى أن الفشل ليس نهاية الرحلة بل جزء أساسي منها، وأن من يفهم الفشل ويعيد توجيهه هو من يبلغ النجاح الحقيقي، لكنه يلفت أيضًا إلى خلل جوهري في الطريقة التي نُعدّ بها الأفراد للتعامل مع الحياة والعمل والعلاقات، إذ أصبح الكثيرون يسعون إلى النتائج قبل أن يتقنوا الرحلة.
وهنا يبرز سؤال جوهري ما العوامل التي تقف حقًا وراء تعثّر الكثيرين في بلوغ النجاح رغم رغبتهم الصادقة وإمكاناتهم الواعدة؟ وكيف يمكن تحويل هذه العوائق ذاتها إلى فرص حقيقية للنمو والتطور؟
- التربية
من أبرز ما يشير إليه سينك أن كثيرين نشأوا في بيئات تبالغ في تعزيز فكرة "أنت قادر على كل شيء" دون أن تقرن هذه الرسالة بضرورة العمل والمثابرة، وعندما يصطدم هؤلاء بواقعٍ يتطلّب صبرًا، جهدًا، وإصرارًا، يشعرون بأنهم خُدعوا بتوقعات غير واقعية.
يقول سينك إن معظم الأشخاص الذين نجحوا حقًا وصلوا إلى الصفر تقريبًا قبل أن يتعلّموا الدرس الأهم من الفشل، فالنجاح في نظره ليس في تجنّب السقوط بل في القدرة على النهوض بعده، كما يؤكد أن غياب وضوح “السبب” أو “الغاية" (The Why) يجعل المسار هشًّا، لأن من يبدأ بـ “كيف” أو “ماذا” فقط سرعان ما يفقد دافعه عند أول عثرة.
من هنا، يصبح لزامًا علينا أن نعيد النظر في الطريقة التي نربّي بها أبناءنا، فالمفاهيم التي نغرسها فيهم والقيم التي نقدّمها كمسلمات تُشكّل وعيهم لعقودٍ قادمة، عندما يُقال لطفلٍ إنه يستطيع تحقيق كل شيء دون أن يتعلّم كيف يعمل وكيف يبني علاقة وكيف يتعامل مع الفشل فإنّ الصدام مع الواقع يصبح حتميًا ومؤلمًا.
تبدأ معالجة هذا الخلل من إعادة تعريف النجاح ذاته وربطه بالجهد المستمر لا بالنتائج السريعة، فالتجربة والخطأ ليست إخفاقًا ينبغي تجنّبه بل هي جوهر عملية التعلّم، النجاح الحقيقي لا يتحقق بمن يطمح لأن يكون الأفضل بل بمن يمتلك القدرة على التطور والمثابرة والوعي بما يتعلمه في كل مرحلة من رحلته.
- الدائرة الذهبية
يقدّم سيمون سينك في مفهومه المعروف بـ الدائرة الذهبية رؤية عميقة للنجاح تبدأ من الداخل إلى الخارج، من الغاية قبل الوسيلة. فمعظم الناس ينشغلون بـ “ماذا نفعل؟” و“كيف نفعل؟”، بينما الناجحون حقًا ينطلقون من “لماذا نفعل؟”، أي من المعنى والرسالة التي تمنح العمل روحه.
حين يكون “السبب” واضحًا في داخل الإنسان، يصبح الطريق أكثر ثباتًا، لأن الغاية هي التي تحفظ الحماس أمام الفشل والتعب. ومن هنا، لا يقوم النجاح على ما نحققه فقط، بل على وعيِنا بما نفعله ولماذا نفعله، فوضوح الغاية هو ما يجعل العمل رسالة لا مجرّد إنجاز عابر.
- العلاقات السطحية
تغيّرت طبيعة العلاقات الإنسانية جذريًا في العقدين الأخيرين، فأصبحت الشاشات تُقربنا ظاهريًا لكنها في الوقت نفسه تخلق مسافة داخلية بيننا، تشير الدراسات إلى أن قضاء ساعات طويلة على وسائل التواصل الاجتماعي لا يعوّض غياب العلاقات الحقيقية العميقة بل يزيد الشعور بالعزلة رغم الانخراط الظاهري في العالم.
يربط سيمون سينك هذه الظاهرة بشعور الوحدة والإحباط لدى جيلٍ نشأ على الدوام في بيئة رقمية، فالتفاعل الافتراضي لا يلبّي الحاجة البشرية الأصيلة إلى التواصل الإنساني المباشر وإلى الشعور بالانتماء والقبول، وعندما تغيب هذه العلاقات الدافئة يضعف الإحساس بالمعنى ويتراجع الدافع الداخلي للنمو.
العلاج لا يكمن في الهروب من التكنولوجيا بل في استعادة التوازن المفقود بين الاتصال الرقمي والتواصل الإنساني الحقيقي، فالحوار الصادق، واللقاء المباشر والاستماع المتبادل هي التي تعيد بناء المعنى المفقود للعلاقات، حين يشعر الإنسان بأنه جزء من شبكة دعم حقيقية يصبح أكثر قدرة على مواجهة الضغوط وتحقيق التوازن بين الحياة والعمل.
- عصر الإشباع الفوري
يعيش الإنسان المعاصر في زمنٍ يوفّر كل شيء بضغطة زر، طعام يُوصَل في دقائق، معرفة متاحة في لحظة، ونتائج فورية في كل جانب من جوانب الحياة، ومع هذا اليسر تضاءلت قدرتنا على الصبر وعلى إدراك أن ما يستحق لا يُنال بسرعة،
يحذر سينك من أن هذا النمط من الحياة يزرع فينا توقّعًا زائفًا بأن النجاح يجب أن يكون فوريًا بينما هو في جوهره عملية طويلة مليئة بالمحاولات والإخفاقات، يقول في إحدى مقابلاته "كثيرون يظنون أن النجاح سيأتي من أول محاولة لكنه في الحقيقة يأتي بعد سلسلة طويلة من السقوط والتعلّم."
إنّ التسرّع في الانتقال من تجربة إلى أخرى دون التعمق أو الاستفادة مما مضى، يؤدي إلى هشاشة في المهارات وتشتت في الأهداف أما إدراك أن الفشل جزء من الرحلة فهو ما يمنح التجارب معناها ويصنع في النهاية شخصية قادرة على الصمود.
- البيئة المحيطة
لا يمكن الحديث عن النجاح الفردي بمعزل عن البيئة التي تحتضنه فالإنسان لا ينمو في فراغ بل داخل منظومة اجتماعية ومؤسسية تؤثر في حماسه وإبداعه، يشير سيمون سينك إلى أن كثيرًا من المؤسسات الحديثة تركّز على الأرقام والنتائج القصيرة المدى أكثر مما تركّز على تطوير الأفراد.
حين تُغفل المؤسسة الجانب الإنساني فيتحوّل العمل إلى عبء ويفقد العاملون إحساسهم بالغاية فيتراجع عطاؤهم تدريجيًا، يشعر الفرد حينها بأنه مجرّد رقم في معادلة لا إنسان يسهم بمعناه في بناء كلٍّ أكبر.
إصلاح هذا الخلل يتطلب تحوّلًا ثقافيًا في طريقة إدارة العمل والتعليم معًا بحيث يُعاد الاعتبار للقيم التي تُنمّي الإنسان قبل أن تُنمّي الإنتاج، البيئة الصحية هي التي تتيح الخطأ وتشجّع التعلّم وتُقدّر العملية بقدر ما تُقدّر النتيجة، وعندما تتحقق هذه المعادلة يصبح الأداء الجماعي أكثر توازنًا وابتكارًا واستدامة.
رغبة النجاح تسكن الجميع لكنها وحدها لا تكفي، النجاح الحقيقي لا يُمنَح بل يُبنى عبر الوعي بالذات والعمل المتواصل والتعلّم من كل تعثّر، وكما يقول سيمون سينك "الفشل ليس الخطر الأكبر بل التوقف عن المحاولة بعده."
إن التربية الواعية والعلاقات الصادقة والصبر على الطريق والبيئات التي تؤمن بالإنسان قبل النتيجة هي اللبنات التي يقوم عليها أي نجاح حقيقي ومستدام، ولعل السؤال الأعمق الذي ينبغي أن نطرحه ليس لماذا لا ننجح؟ بل هل فهمنا حقًا ما معنى النجاح؟
ورشة حول ضريبتي الدخل والمبيعات
ليفربول يتلقى خسارة قاسية أمام ضيفه نوتنغهام
ماكرون يعلن عقد اجتماع للدول الداعمة لأوكرانيا الثلاثاء
إصابة شابين فلسطينيين برصاص الجيش الإسرائيلي
المومني: البرامج الحزبية مفتاح لتعزيز مشاركة الشباب في الانتخابات
اختتام فعاليات لواء المعراض مدينة الثقافة الأردنية 2025
أمل ملحم تُكرَّم في مهرجان The Best
الأمير الحسين … رؤية واضحة لتمكين الشباب
بلدية سحاب تؤكد التزامها بتنظيم الأرصفة في الشوارع التجارية
الانتهاء من إعداد نظام خدمة الفاليت
إعلان قائمة المنتخب النسوي لبطولة اتحاد شمال إفريقيا
المومني يحاور الشباب المشاركين ببرنامج اعداد القيادات الشبابية
ما حقيقة طلاق عمرو أديب ولميس الحديدي
جامعة الحسين تفجع بوفاة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الطواها
التمديد في الوظيفة العامة .. يعزّز نمو الطحالب
توضيح آلية اختيار المكلَّفين لأداء خدمة العلم
وظائف شاغرة في الحكومة .. التفاصيل
مهم من الأمانة بشأن الإنارة والكاميرات الجديدة
انتحار أشهر توأمتين في ألمانيا بعد مسيرة فنية حافلة
أغنى رجل في العالم لا يملك قصراً .. أين يسكن
زيت الزيتون المستورد يطرق أبواب السوق الأردنية قريباً .. تفاصيل
فرصة مهمة للباحثين عن عمل .. الأسماء والتفاصيل
تسوية 719 قضية بين مكلفين ودائرة الضريبة
مصر .. الداخلية تكشف ملابسات فيديو اعتداء وفضح دجال




